من المعلوم فقها أنه يحرم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية لما قد يترتب على ذلك من الوقوع فى المحظور ، وهذا من باب إقامة المظنة مقام المظنون ، وأيضا من باب سد الذريعة ، قال ابن القيم :» وحرم الإسلام الخلوة بالمرأة الأجنبية والسفر بها والنظر إليها لغير حاجة حسما للمادة وسدا للذريعة «
وعن عُقْبةَ بن عامِرٍ أنَّ رسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إِيّاكُمْ والدُّخُولَ على النِّساءِ فقال رجُلٌ من الْأنْصَارِ يا رسُولَ اللّهِ فرأيت الْحمْوَ قال الْحمْوُ الْموْتُ» رواه البخارى ويقول أيضا :» ألا لا يخْلُوَنَّ رجُلٌ بِامْرأَةٍ إلا كان الشيطان ثالِثَهُمَا « .
من خلال ما سبق يتضح بجلاء حرمة الخلوة بين الرجال والنساء الأجانب ، حسما لمادة الفتنة والمعصية التى يمكن وقوعها من جراء ذلك .
ولكن التكنولوجيا المعاصرة أفرزت نوعا جديدا من الخلوة يمكن أن يطلق عليه الخلوة الإلكترونية ، أو الخلوة الافتراضية ، وهذه قد تكون مرئية ، أو غير مرئية ، فإذا كانت الخلوة غير مرئية ، عن طريق الكتابة ، لأمر مهم ، يتعلق بضرورات الحياة وحاجياتها ، كنحو سؤال علمى ، أو دينى ، أو حول أمر يتعلق بالعمل ، أو بأمور الحياة بشكل عام ، ودعت إلى ذلك حاجة ، أو ضرورة ، فلا بأس بذلك فى حدود ضوابط منها أن يكون هناك داع لهذه المحادثات ، كأن تكون هناك حاجة ، أو ضرورة تنزل منزلتها ، وأن تقدر بقدرها ، دون استطراد فيما لا يفيد ، وأن يكون الحديث فى أمور مأذون بها شرعا ، كأمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، وألا يكون هناك خضوع بالقول فإذا كان الأمر على هذا النحو وفى إطار الضوابط سالفة الذكر ، فإنه يتأتى القول بالجواز والمشروعية ، أما إذا كان الكلام لأجل التسلية ، أو لغير غرض معتبر ، فإنه يكون محرما .
أما الخلوة الإلكترونى المرئية إذا كانت لغرض صحيح مأذون فيه شرعا كأن يرى الخاطب المسافر مخطوبته ، بأن يرى الوجه والكفين ، فى حدود ضوابط الشرع ، فلا بأس بذلك ، على أن يقدر هذا الأمر بما تدعو إليه الحاجة ، أو الضرورة ، دون توسع فى هذا الأمر ، أو خضوع بالقول بينهما ، أو تجاوز .. أما إذا كانت الخلوة الإلكترونية المرئية لغير غرض معتبر سوى التسلية بين الرجال والنساء ، فإنها تكون محرمة شرعا ، لأنها تؤدى إلى الحرام ، والقاعدة الشرعية أن ما أدى إلى الحرام فهو حرام شرعا ، ولأنه ذريعة إلى الزنا المحرم شرعا ، ولأن فيه نظرا إلى ما حرم الله عز وجل ومن خلال ما يتقدم يتضح بجلاء أن المسلم يجب أن يكون تصرفه منضبطا ومحكوما بإطار الشرع الحنيف وقواعده ، فى محادثاته مع النساء الأجانب ، وإلا فلا يجوز ذلك إذ الخلوة ههنا محرمة ، وكذا لو كانت مرئية لغير حاجة ، أما إن كانت لغرض صحيح ، وحاجة ملحة فيجوز فى حدود هذه الحاجة دون توسع أو إسراف .
د. عبد الحليم منصور أستاذ الفقه المقارن