نور الحياة.. و بشاعة الانتحار 

خاطر عبادة
خاطر عبادة

شخص قرر التخلص من حياته بصورة بشعة وغير آدمية وبدم بارد انعدمت فيه الحياة- لا أقول بقسوة- ولكن يأس وفقدان الهوية وفراغ الروح من نور الحياة والإيمان.. 

لكن هناك شيء يحتاج لتبرير وهى اختيار طريقة بشعة للانتحار كمن يلقى نفسه تحت عجلات القطار أو من فوق البرج.. لهذه الدرجة هانت عليه نفسه وتبلد إحساسه من قسوة الحياة والظروف، وأصبح جثة تتحرك نحو مصيرها القاسي قد خلت منها الروح والحياة وأى إيمان بالعقل والحياة و... إن الأمر بقدر مخالفته للعقل والمنطق والفطرة السوية، إلا أنه يحتاج لعلاج ومعرفة، ونترك الغيب وحده بيد الله.

لا أريد الخوض فى مسألة ظلم النفس وقتلها ومنازعة القدر واستباق مصيره الحتمى فالموت قادم لا محالة، ويفنى الجسد البالى بعد أن يكون قد أدى مهمته، لتستقبل روحه رحلة الخلود.. لكننا نرغب فى البحث عن علاج لتلك الحالة التى قد يتجاهل صاحبها أى مبرر دينى للخروج من إشكالية الإيمان واعتبارها ظاهرة نفسية وحرية شخصية.

فالعلاج إذن يبدأ بنبذ مجتمعى لتلك الحالة وتحريمها  لتعارضها مع مباديء الدين والحياة والمجتمع..  فالدين هو خط الدفاع الأول لحماية المجتمع من الظواهر السلبية، وفضائل الدين كالصبر والرضا والعفة والأمانة وحب الخير هى مقومات مجتمع ينبض بالحياة والقيم.. و إلا فما قيمة الدين والفضيلة لو قرر الإنسان اعتزال الناس والعيش وحيدا وسط الرمال والجبال، ولكن بالصبر على التعامل مع الناس واعوجاجهم، وهنا يتجلى معنى الصبر والفضيلة.. فالخالى من مجاهدة الرذائل لهو الخالى من الفضائل، وإنما يمتحن المرء بالابتلاء. 
والانسحاب قد يكون استراحة محارب وفى السفر عدة فوائد، لكن ليس الاعتزال كأسلوب حياة.


البعض قد يقرر وضع نهاية لحياته كدليل فشل ويأس أو من شدة الفقر أو مرض جسدى أو لرحيل شخص، لكن حياة الناس لا تخلو من هذا.. لكن هناك سبب مشترك فى كل الحالات السابقة، وهو الخلل والتفكك الأسرى والخلو من معانى الحب والدفء والإيمان والنشأة السوية الشائعة فى المجتمعات الإسلامية. 

وفى بعض الحالات، قد يتأثر المنتحر بفكر أو ثقافات مجتمعات غربية مفككة و تدعو إلى الإلحاد والاعتراض أو التشكيك فى الخالق، و دفع المتلقى للاعتقاد بأن الحياة غير عادلة ولون من ألوان العذاب والظلم.. الحياة ليست عادلة وليس فيها ملائكة ولا يوجد شيء مكتمل، لسنا فى جنة، لا زال العالم يفتقد للحب وقد تضيق بك الحياة وتفرغ من الجميع ولا يفهمك أحد، لكن هذا كله اختبار إيمان وفضيلة.. ومهما كان حجم الابتلاء فالناس تبتلى على قدر فهمهم وعقولهم.

ولماذا ييأس الإنسان؟ إن الملحد هو الذي ييأس؛ لأنه لا يؤمن بإله يعلم ما فيه من كرب ويساعده، ولذلك نجد نسبة المنتحرين بين الملحدين كبيرة.

أما المؤمن الحق فهو يعلم أنه يعبد إلها قادرا، يعطي بالأسباب، وبما فوق الأسباب؛ وهو حين يمنع؛ فهذا المنع هو عين العطاء؛ لأنه قد يأخذ ما يضره ولا ينفعه.

أنت غالى عند الله

مهما كان حجم الابتلاء فلا يجب أن ينسيك أنك عزيز عند الله وغالى عنده، وأن الابتلاء ينزل معه لطف ونور فى القلب وتصغر الدنيا فى عين المؤمن.. ولكن لا أحد فى هذه الدنيا يخلو مما ينغص عليه حياته، وبالرضا والصبر تكتمل السعادة.. فالمؤمن فى دار اختبار، وعلى قدر الإيمان والبعد عن حب الشهوات يكون الابتلاء.

إن أثر الجراح فى الوجه والنكبات إثر معارك الحياة لهى دليل بطولة وصبر وإيمان عند الله ثوابها الجنة من أوسع الأبواب بغير حساب إذا صبر الإنسان واحتسب.

نور الحياة 

افتح نوافذ الحياة لتستقبل أنوارها وتتنفس الروح واسبغ وجهك وجسدك بماء الوضوء فالماء حياة للجسد والروح، ولا توجد حياة بدون ماء.. وافتح قلبك للقرآن لتستقبل أنواره.

و كم من قصص بطولية بدأت بمأساة وصبر يفوق الجبال، إن الأرض تحمل الجبال وما اشتكت يوما، وإلا انهار جزء منها من قوة الجبال، وإن من الناس من يحمل هموما مثل الجبال، لكنه يحملها بقوة روحه لا جسده.. العبرة بالعلم والإيمان.

وتتبلور فلسفة الإسلام فى تجريم الانتحار، فى أنه اعتراض على قدر الله وإزهاق نفس ومنازعة لقدر الله والله هو المحيى والمميت، والتخلى عن معانى الفضيلة والعقل والفطرة السوية لإنسان بكامل قواه العقلية والذهنية.