قضية ورأي

رفقاً بالطبيعة و بأنفسنا

د.أمل قنديل مستشارة دولية للتنمية المستدامة
د.أمل قنديل مستشارة دولية للتنمية المستدامة

بقلم: د.أمل قنديل

ليتنا ندرك أن الطبيعة جزءٌ مِنَّا ونحن جزءٌ منها لكى نكف عن العبث بها وإتلافها لأننا بذلك نضرأنفسنا أحياءاً ثم أمواتاً.

ليس الموت نهاية مطلقة فهو أيضاً بداية، تماماً مثلما أن نهاية كل أمرتنبثق منها بدايةً لأمر جديد أمره الله أن يكون فكان.. المتأملون فى الكون أدركوا تلك الحقيقة التى لخصها الصادق الجميل جلال الدين الرومى بعمقه وبساطته فى أن «الموت لا صلة له بالرحيل، فالشمس تغيب والقمر يغيب لكنهما لا يرحلان.»

سأكون يوماً جزيئات من ورق شجرة يخفت لهيب الشمس فى ثنى فروعها فيستظل بها الخلائق وتبنى الطيور فوق أغصانها أعشاشاً لصغارها لكى لا تلتهمهم وحوش الأرض، وينبت تحت أعراشها زرعٌ إلتحف بدفء الشمس المتسلل وتنفس فى لطف ظلها، هذا إن لم تقتلعها ضربة فأس. أو سأكون جزيئات من زهرة يتنسم عبقها العابرون، إن تركوها وسط أقرانها ولم يدهسوها. أوسأكون جزيئات من عشب نادٍ فى مرعى تأنس برؤيته النفوس، إن لم تجثه الحفارات لبناء أبراج صماء. أو سأكون جزيئات من قطرة بحر يشاء الله أن يسوق منه رزقاً لصياد فقير، وكل ذلك من فضل ربي. إذاً فلنمشى على الأرض هويناً، ولنتوقف عن تقطيع الأشجاروحرقها وتعطيشها، وعن إلقاء السموم فى البحاروالأنهار بإزدراء هذه النعم، فنحن من كل ذلك وإليه.

الروح راجعة لبارئها، كذلك الجسد راجع للأرض التى هى منه وهو منها فيتشح بها وتتشح به حتى ينشأ خلقاً جديداً تتزين به، فنرى «كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده» فى كل لحظة، حين يصيرالتراب عشباً وزهراً ونخلاً، فإن لم ينبتوا حيث رقدت الأجساد فسينبتون أينما يسوق الرحمن الهواء المعبأ بذرات ثانى أكسيد الكربون التى فى خلايانا ليكون مستنشقاً لزرع جديد فى أرض قريبة أو بعيدة أو بحر، فنظل جزءًا داخل دورة الطبيعة التى فيها زادنا وفينا زادها، والتى هى ثابتة علمياً، وليس مقصود بها «استنساخ الأرواح»، فالعلم يختص بالعالم المادى الذى يمكن قياسه كموارد الطبيعة، والمزارع البسيط يعرف الكثيرعن دورة الطبيعة.

لذلك علينا احترامها والاستفادة والتعلم منها ما ينفعنا وألُّا نضرها فنضرأنفسنا. الأديان السماوية والوضعية تتفق على ذلك، فالبوذية تدعو للتناغم معها والزرواستية تهتم بها، و»الأشجار المقدسة» تطل علينا من أبواب الديانات المختلفة كعبادات المصريين القدماء والهندوس والتوراة والإنجيل والقرآن، حتى أن مؤلفى «الأشجار: موسوعة الأديان» يخبران فيها أنه فى نطاق الأديان تمثل الأشجار «الاستمرارية المقدسة للعوالم الروحية والإلهية والمادية».

والعلم يحذرنا من مسارعلاقتنا بالطبيعة الممتد منذ اكتشاف الوقود الحفرى الذى تبعته طفرة مهولة فى الصناعة وحروب ضمنية ومباشرة على الزراعة والطبيعة، فبحرق تلك الحفريات فى ربوع كوكب الأرض انتثر رمادها ملوثاً الهواء، فاختل نسق التنظيم الحرارى لكوكبنا كما الجسد المحموم، ومرضت البحار والأنهاروالأشجاروالحيوانات والناس. لقد تعامل الإنسان مع الطبيعة التى لا بديل لها لبقائه بإنفصامية غريبة، وباستهتاروعدوانية وجهل يتنافون مع الفطرة، فالإنسان البدائى لم يتعد على الطبيعة كما تعدى عليها الإنسان المعاصر بحجة التطوير، لكن الاكتشافات والابتكارات وضع الله مفاتيحها فى الطبيعة ومخلوقاتها كما يستبين لنا من علم محاكاة الطبيعة، فمتى دمرنا الطبيعة التى صورها الله لنا على أبهى صورلا تعد ولا تحصى كيف سنتعلم وبماذا سنقتدي؟

الطبيعة رحمة من الخالق فى الأرض، أفلا نرعاها حباً فى الله؟ أو نرفق بما آتانا من نعمها ولو حتى رحمة بأنفسنا وأولادنا وأحفادنا ؟ على الأقل لكى لا ننصهر انصهاراً على هذا الكوكب المسكين الذى إن استطاع هجر بنى أدم قبل أن يهجرونه لفعل.