حكمت ألمانيا وقادت أوروبا 16 عاما

ميركل.. زعيمة واحدة تكفى

‬أنجيلا‭ ‬ميركل
‬أنجيلا‭ ‬ميركل

دينا‭ ‬توفيق

زعيمة‭ ‬قوية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬ناجحة‭.. ‬صانعة‭ ‬للقرارات‭ ‬السياسية‭ ‬وسط‭ ‬الصقور‭.. ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬الاستمرارية‭ ‬والتحالفات،‭ ‬عبرت‭ ‬أزمات‭ ‬كبرى‭ ‬وأحداث‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثيرها‭ ‬العميق‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬الأوروبى‭ ‬بأسره‭ ‬وليس‭ ‬ألمانيا‭ ‬وحدها‭.. ‬أحداث‭ ‬الآن‭ ‬هى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭.. ‬تركت‭ ‬بصمتها‭ ‬فى‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬حتى‭ ‬نما‭ ‬دور‭ ‬بلادها‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭.. ‬واجهت‭ ‬التحديات‭ ‬العالمية‭ ‬وكانت‭ ‬امرأة‭ ‬فولاذية،‭ ‬صمدت‭ ‬وأبرزت‭ ‬صلابتها‭ ‬فى‭ ‬معاركها‭ ‬السياسية‭ ‬التى‭ ‬خاضتها‭ ‬وباتت‭ ‬وجهًا‭ ‬للقيادة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬هى‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬تقاعدها‭ ‬فى‭ ‬26‭ ‬سبتمبر‭ ‬الجارى‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬لأوروبا‭ ‬بأكملها‭.‬

على‭ ‬مدار16‭ ‬عامًا‭ ‬كانت‭ ‬ميركل‭ ‬صديقة‭ ‬موثوقة‭ ‬بها‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬وباراك‭ ‬أوباما،‭ ‬لكنها‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬تسليم‭ ‬مفاتيح‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬لواحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وللقارة‭ ‬العجوز‭. ‬عاش‭ ‬الألمان‭ ‬استقرارًا‭ ‬تحت‭ ‬زعامتها‭ ‬والآن‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬ينزعجوا‭ ‬مع‭ ‬تقاعدها‭.. ‬يشير‭ ‬الناخبون‭ ‬إلى‭ ‬أنهم‭ ‬يريدون‭ ‬التمسك‭ ‬بـاالميركليب،‭ ‬أى‭ ‬اتباع‭ ‬سياسة‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬والقواعد‭ ‬التى‭ ‬أرستها‭ ‬منذ‭ ‬توليها‭ ‬إدارة‭ ‬البلاد‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬كأول‭ ‬امرأة‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬جمهورية‭ ‬ألمانيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬فإن‭ ‬الوعد‭ ‬الذى‭ ‬يريدونه‭ ‬من‭ ‬المستشار‭ ‬التالى‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬ميركل‭.‬

هناك‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬والخوف‭ ‬ينتاب‭ ‬أوروبا،‭ ‬مع‭ ‬تولى‭ ‬زعيم‭ ‬جديد‭ ‬قيادة‭ ‬البلاد،‭ ‬وسط‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬اضطرابات؛‭ ‬وفى‭ ‬ظل‭ ‬انتشار‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬واستيلاء‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬على‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وغرق‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسى‭ (‬الناتو‭) ‬فى‭ ‬الفوضى‭.. ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬ميركل‭ ‬شخصية‭ ‬سياسية‭ ‬بارزة‭ ‬فى‭ ‬ألمانيا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أيضًا‭ ‬فى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي؛‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬وخلال‭ ‬سنوات‭ ‬حكمها،‭ ‬أبحرت‭ ‬بألمانيا‭ ‬خلال‭ ‬الانهيار‭ ‬المالى‭ ‬العالمى‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬أزمات‭ ‬اليورو،‭ ‬واليونان،‭ ‬والأحداث‭ ‬فى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬والحرب‭ ‬فى‭ ‬سوريا،‭ ‬وإرهاب‭ ‬داعش،‭ ‬وأزمة‭ ‬اللاجئين،‭ ‬وخروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وصعود‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وأزمة‭ ‬المناخ‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬التى‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬ألمانيا‭ ‬الداعم‭ ‬الأولى‭ ‬لكل‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭.‬

ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬رسّخت‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬لها؛‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬بصمتها‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬حظيت‭ ‬ميركل‭ ‬باهتمام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمية؛‭ ‬فى‭ ‬نوفمبر‭ ‬2015،‭ ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ ‬مجلة‭ ‬االإيكونوميستب‭ ‬البريطانية‭ ‬اسم‭ ‬االأوروبية‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنهاب‭. ‬وبعد‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬اختارتها‭ ‬صحيفة‭ ‬افاينانشيال‭ ‬تايمزب‭ ‬البريطانية‭ ‬اشخصية‭ ‬العامب،‭ ‬ثم‭ ‬وصفتها‭ ‬مجلة‭ ‬اتايمب‭ ‬الأمريكية‭ ‬بـامستشارة‭ ‬العالم‭ ‬الحرب‭. ‬وعندما‭ ‬تم‭ ‬انتخاب‭ ‬ترامب‭ ‬رئيسًا‭ ‬لأمريكا،‭ ‬أطلقت‭ ‬صحيفة‭ ‬انيويورك‭ ‬تايمزب‭ ‬عليها‭ ‬لقب‭ ‬االمدافع‭ ‬الأخير‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬الليبراليب‭.‬

وعن‭ ‬إرث‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لميركل،‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عهدها،‭ ‬قامت‭ ‬بصياغة‭ ‬نهج‭ ‬حكومتها‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬بنفسها،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ترك‭ ‬الأمر‭ ‬لوزير‭ ‬الخارجية‭. ‬بصفتها‭ ‬مضيفة‭ ‬لقمة‭ ‬مجموعة‭ ‬الثماني،‭ ‬التى‭ ‬عقدت‭ ‬فى‭ ‬منتجع‭ ‬هيليجيندام‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬وكانت‭ ‬تتعامل‭ ‬بثقة‭ ‬مع‭ ‬أهم‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭. ‬كما‭ ‬أدى‭ ‬الدور‭ ‬المتنامى‭ ‬لألمانيا‭ ‬إلى‭ ‬اختلال‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭. ‬وكانت‭ ‬ميركل‭ ‬ملتزمة‭ ‬صراحة‭ ‬بهذا‭ ‬الشريك‭ ‬الأقرب،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬اخترعت‭ ‬مصطلح‭ ‬اميركوزيب‭ ‬بسبب‭ ‬تعاونها‭ ‬الجيد‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬آنذاك‭ ‬نيكولا‭ ‬ساركوزي‭.‬

وخلال‭ ‬خطابها‭ ‬الأخير‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان‭ ‬الألمانى‭ ‬فى‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي،‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬وحدة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬والتنسيق‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬والتحديات‭ ‬الخارجية،‭ ‬مثل‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وتركيا‭. ‬ومع‭ ‬موسكو،‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬مستقل‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الاستفزازات‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬أعربت‭ ‬عن‭ ‬رغبتها‭ ‬فى‭ ‬مواصلة‭ ‬المحادثات‭ ‬مع‭ ‬أنقرة‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬الهجرة،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬أشارت‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬االخلافات‭ ‬الخطيرةب،‭ ‬لاسيما‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬كانت‭ ‬سياسات‭ ‬اللجوء،‭ ‬وهى‭ ‬إحدى‭ ‬أكثر‭ ‬الإجراءات‭ ‬المميزة‭ ‬لميركل،‭ ‬حاضرة‭ ‬أيضًا‭ ‬فى‭ ‬بيانها‭ ‬الأخير‭ ‬فى‭ ‬البرلمان‭ ‬الألمانى‭ ‬االبوندستاجب،‭ ‬وجددت‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنشأ‭ ‬والعبور‭.‬

وفتحت‭ ‬ألمانيا،‭ ‬بقيادة‭ ‬ميركل،‭ ‬حدودها‭ ‬أمام‭ ‬أكبر‭ ‬نزوح‭ ‬للاجئين‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1945‭ ‬الأسباب‭ ‬إنسانيةب‭. ‬وبين‭ ‬عامى‭ ‬2015‭ ‬و2016،‭ ‬وصل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬طالب‭ ‬لجوء‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭. ‬وأعلنت‭ ‬ميركل‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬حثت‭ ‬فيه‭ ‬الشركاء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬سياسات‭ ‬لجوء‭ ‬مشتركة،‭ ‬فإذا‭ ‬فشلت‭ ‬أوروبا‭ ‬فى‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين،‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬أوروبا‭ ‬التى‭ ‬نريدها‭.‬

ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬لم‭ ‬تكلفها‭ ‬انتقاداتها‭ ‬فى‭ ‬أوروبا‭ ‬فقط،‭ ‬خاصةً‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬المجر‭ ‬وبولندا،‭ ‬لكنها‭ ‬واجهت‭ ‬أيضًا‭ ‬فصيلًا‭ ‬فى‭ ‬حزبها‭ ‬السياسي،‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطى‭ ‬المسيحي،‭ ‬حيث‭ ‬انضم‭ ‬بعض‭ ‬ناخبيه‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬حزب‭ ‬البديل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألمانيا‭  (‬AfD‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬حزب‭ ‬يمينى‭ ‬متطرف‭ ‬متشكك‭ ‬فى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استغلال‭ ‬أزمة‭ ‬اللاجئين‭.‬

ويتنافس‭ ‬على‭ ‬خلافة‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية،‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬زعيم‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكى‭ ‬الديمقراطى‭ ‬اأولاف‭ ‬شولتسب،‭ ‬وخليفة‭ ‬ميركل‭ ‬فى‭ ‬رئاسة‭ ‬اأرمين‭ ‬لاشيتب،‭ ‬ويقدم‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬وريثها‭ ‬السياسي،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬الفائز‭ ‬أن‭ ‬يرسم‭ ‬مسارًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬عنها،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬التنقل‭ ‬فى‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬الشائك‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭. ‬وتعقيبًا‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬ميركل‭ ‬تقول‭ ‬الباحثة‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬ابروكينجزب‭ ‬اكونستانز‭ ‬ستيلزينمولرب،‭ ‬إن‭ ‬أسلوب‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬التدرج‭ ‬الحذر،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬ألمانيا‭ ‬تجتاز‭ ‬عدة‭ ‬أزمات،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬يبدو‭ ‬غير‭ ‬ملائم‭ ‬للتحديات‭ ‬الحالية‭.. ‬وترى‭ ‬الخبيرة‭ ‬الألمانية‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬مارشال‭ ‬اسودها‭ ‬ديفيد‭ ‬ويلبب،‭ ‬أن‭ ‬أسلوب‭ ‬ميركل‭ ‬كان‭ ‬متوازناً‭ ‬ناجحًا‭ ‬للوساطة‭ ‬فى‭ ‬النتائج‭ ‬فى‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الأوروبية‭. ‬قائلة‭ ‬إنه‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬المستشار‭ ‬المقبل‭ ‬االسير‭ ‬فى‭ ‬الخط‭ ‬الذى‭ ‬تتبعه‭ ‬ميركلب،‭ ‬فى‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والالتزام‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬مع‭ ‬حماية‭ ‬آلة‭ ‬التصدير‭ ‬الألمانية‭.. ‬وكانت‭ ‬ميركل‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬المؤيدين‭ ‬المتحمسين‭ ‬لعلاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي‭. ‬وبصفتها‭ ‬سياسية‭ ‬معارضة،‭ ‬فقد‭ ‬دافعت‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬العراق‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬بوش‭ ‬وخليفته‭ ‬أوباما‭ ‬كانت‭ ‬واشنطن‭ ‬تتجه‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬نحو‭ ‬آسيا‭ ‬وفى‭ ‬عهد‭ ‬أوباما،‭ ‬الذى‭ ‬وصف‭ ‬ميركل‭ ‬بأنها‭ ‬أهم‭ ‬شريك‭ ‬فى‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬له،‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالتجسس‭ ‬على‭ ‬المستشارة‭ ‬لسنوات؛‭ ‬ما‭ ‬أغضب‭ ‬ميركل‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تغير‭ ‬الوضع‭ ‬السياسى‭ ‬العالمي،‭ ‬عندما‭ ‬ضمت‭ ‬روسيا‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬الأوكرانية‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬2014؛‭ ‬وصوت‭ ‬البريطانيون‭ ‬فى‭ ‬استفتاء‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬على‭ ‬مغادرة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي؛‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بوقت‭ ‬قصير،‭ ‬أصبح‭ ‬ترامب‭ ‬رئيسًا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بشعاره‭ ‬اأمريكا‭ ‬أولاًب‭. ‬وكانت‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬وترامب‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬بشأن‭ ‬إيران‭ ‬والتجارة‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الأخرى‭. ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬خلافاتهما‭ ‬أعمق‭ ‬وتبدو‭ ‬شخصية‭. ‬وصرحت‭ ‬ميركل‭ ‬حينها‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬معلنة‭ ‬عن‭ ‬انتهاء‭ ‬الأوقات‭ ‬التى‭ ‬يمكن‭ ‬فيها‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬كحلفاء‭. ‬وامتلكت‭ ‬ميركل‭ ‬قدرة‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬أوروبا‭ ‬والغرب‭ ‬وإبقاء‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬فى‭ ‬حوار‭. ‬وحاولت‭ ‬مرارًا‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بالضبط‭ ‬فى‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وروسيا‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تم‭ ‬إثبات‭ ‬هذه‭ ‬القدرة‭ ‬عندما‭ ‬تمسكت‭ ‬بمشروع‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعى‭ ‬الألمانى‭ ‬الروسى‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬2،‭ ‬والذى‭ ‬عارضته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬شرق‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬ومع‭ ‬وصول‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬اجو‭ ‬بايدنب‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬سافرت‭ ‬ميركل‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬بشأن‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬2‭ ‬الروسي‭. ‬وسمح‭ ‬بايدن‭ ‬بإكمال‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬مقابل‭ ‬دعم‭ ‬أوكرانيا‭. ‬كما‭ ‬اتفق‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬إذا‭ ‬استخدمت‭ ‬الطاقة‭ ‬كسلاح‭ ‬سياسى‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬أيضًا‭ ‬آخر‭ ‬زيارة‭ ‬رسمية‭ ‬لميركل‭ ‬بصفتها‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭. ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬ترامب،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬علاقة‭ ‬ميركل‭ ‬بها‭ ‬متوترة‭ ‬وصعبة،‭ ‬أصبحت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬حليفًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لبرلين‭.‬

والآن‭ ‬وبعد‭ ‬16‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أمة‭ ‬وأحد‭ ‬القادة‭ ‬الرئيسيين‭ ‬فى‭ ‬أوروبا،‭ ‬ستتقاعد‭ ‬ميركل‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬فى‭ ‬سن‭ ‬67،‭ ‬أنهت‭ ‬حياتها‭ ‬المهنية‭ ‬السياسية‭ ‬الطويلة،‭ ‬تاركة‭ ‬وراءها‭ ‬إجراءات‭ ‬عززت‭ ‬ألمانيا‭ ‬أولًا‭ ‬ثم‭ ‬أوروبا،‭ ‬وجعلتهما‭ ‬دولة‭ ‬وقارة‭ ‬أكثر‭ ‬اتحادًا‭ ‬وتوحيدًا‭ ‬وحرية‭.‬