«بوابة أخبار اليوم» تطير بـ «الشينوك» إلى أرض «النجم الساطع»

جانب من مناورات النجم الساطع
جانب من مناورات النجم الساطع

رغم الجائحة.. لماذا حرصت ٢٠ دولة على المشاركة  في مناورات "القبضة الحديدية" ؟
 

الجيش المصري مدرسة عسكرية تعليمية ‏لكل من يشارك أو يتدرب معاها 


طنين يعبث بخلايا مخك.. أمسك برأسي أحاول  رأب الصدع بين الفص الأمامي والخلفي.. الضغط الجوي وأصوات شفرات مراوح الهليكوبتر الحادة تعزف مع الهواء صفارات واهتزازات لا تتوقف ..الطنين  يطرق بعنف داخل أذنيك … ضابط بجوارى لا يعبأ بالأمر .. اعتاد عليه وكأنه يستمع لمعزوفة موسيقية  لبيتهوفن أو باخ..هكذا هو الحال عندما أقلعت  على متن الهليكوبتر العسكرية من طراز" شينوك " وهي طائرة نقل ذات محركين عملاقين تتصل بهما مروحيتين دوارتين حادتين الشفرات..هذه المرة لن تقوم كعادتها بنقل ضباط وجنود الصاعقة  الاشداء الى أرض المعركة ولن تحمل أطنانا من  المعدات العسكريه الى مكان آخر ولكن ستحمل وفدا اعلاميا إلى أرض المناروة الأكبر والأضخم فى الشرق الأوسط.. هي مناورات "النجم الساطع"  ٢٠٢١ والتى أقيمت فعالياتها طوال الأيام الماضية للمرة الثانية داخل قاعدة محمد نجيب العسكرية  وبمشاركة الولايات الأمريكية و 18 دولة اخرى هى بريطانيا و السعودية و باكستان واليونان و قبرص و الأردن ومراقبين من العراق و الكويت و الإمارات و البحرين و السودان وتونس و المغرب ونيجريا وتنزانيا وكينيا و فرنسا و أسبانيا. 

منقار الوحش 

من نوافذ الطائرة العسكرية  شاهدنا تعميرا غير مسبوقا  تظهر ثماره داخل  منطقة الساحل الشمالى ومدينة العلمين الجديدة ..بعدها بدقائق داخل عمق الصحراء ب ٤٥ كيلو من قاعدة محمد نجيب العسكرية  ظهرت  أرض المعركة الحقيقة.. " منقار الوحش " ..يدعونها كذلك لشكلها الجغرافى على الخرائط ..تلك المنطقة شهدت خلال اليومين الماضيين تنفيذ المرحلة الختامية لفاعليات التدريب المشترك " النجم الساطع 2021 " والتى شهدها الفريق أول محمد زكى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى و بحضور الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة وكبار قادة القوات المسلحة وعدد من كبار قادة القوات المسلحة لمختلف الدول المشاركة بالتدريب وعدد من الملحقين العسكريين ودارسى الكليات والمعاهد العسكرية 

مسرح المعركة 
بعد نصف ساعة من إقلاعنا من قاعدة برج العرب هبطنا عموديا بالمروحية " الشينوك" مباشرة داخل أرض المناورة ..الخروج من الطائرة ليس عاديا ..عليك أن تندفع بقوة وكأنك تقتحم  قلب عاصفة رملية للخروج من دوامة الرياح التى تصنعها شفرات المروحية العملاقة..خرجنا بسلام..المشهد أمامنا مبهر أشبه بمسرح عملاق فى الصحراء ..منصة المشاهدة تم تجهيزها على تبة مرتفعة يجلس بداخلها القادة العسكريون والمتابعون..يحمل بعضهم نظارات معظمة ..أمام المنصة مباشرة تستطيع أن تشاهد منظرا بانوراميا  لأرض تدريبات المناورة الضخمة يمتد لعدة كيلو مترات  ..تم تقسيم أرض المناورة أمامنا بأعلام ذات ألوان مختلفة هدفها  المساهمة فى تحديد وتخطيط الأرض لصناعة مسرح معركة حقيقية حيث تظهر من خلالها نقاط تواجد مجسمات الأهداف المختلفة التى ستقوم القوات المشاركة فى المناورة بتدميرها باستخدام ذخيرة حية وصواريخ تسمع صداها وتشعر بقوة ضرباتها.. كما تشير بعض الأعلام الملونة ايضا لأماكن تواجد  قوات معادية أو جماعات ارهابية تقوم بعمل عدائي  كسيناريو تدريبي تعمل القوات المشاركة بالتخطيط لمواجهته والتعامل معه وكأنها معركة حقيقية.
ولم يخفى الملحقين العسكرين الأجانب بجوارى إعجابهم  بإمكانيات مصر وامتلاكها بنية تحتية عسكرية  تتيح لها استضافة هذا النوع من التدريبات الضخمة المشتركة متعددة الجنسيات ولمختلف الأسلحة ولعدد ضخم من القوات المشاركة ولعدة أيام. 

الجائحة والمناورة

الملاحظة الأولى التى أثارت انتباهى عقب هبوط طائرتنا  هو  تواجد عدد كبير من القوات الأجنبية و العربية المشاركة فى التدريبات بحجم أكبر عن مثيلاتها السابقة ..٤٧٩٥ مقاتل شاركوا..لم اتصور أن ترسل دولا كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا  والسعودية وباكستان وغيرها من الدول  ضباطها وجنودها للمشاركة بهذا العدد الكبير من القوات فى ظل جائحة كورونا وزيادة شراسة الفيروس خلال الموجة الرابعة خاصة بعد تحوره والتحذيرات من سرعة انتشاره ..بعد قليل عرفت الأجابة ..الاجراءات الاحترازية التى تتخذها قواتنا المسلحة لمواجهة كورونا قوية وفعالة ..والسبب الآخر  و الأهم هو رغبة  الدول الكبرى  فى أن لا تفوت فرصة المشاركة فى تدريبات النجم الساطع2021 ..ولما لا فهى الأكبر والأصخم فى الشرق الأوسط كما أنها ليست مناورة تدريبية عادية ولكن يوجد فيها  عصارة خبرات القوات المسلحة المصرية فى مواجهة الكيانات الأرهابية  التى حاولت ان تنال من الجسد المصرى طوال سنوات مضت  وفشلت فشلا ذريعا ..هذه الخبرة المصرية كانت عامل جذب قوى .. الدول المختلفة اهتمت بالمشاركة  حتى مع وجود مخاطر الجائحة فالمناورة تعد أرضا خصبة وبيئة ثرية للتعرف على كل جديد فى عالم مكافحة الارهاب فضلا عن وجود  كافة التخصصات العسكرية لمختلف الأسلحة وقد أشاد قائد القيادة المركزية الأمريكية بالصدى الذى تحققه تدريبات النجم الساطع فى كافة الأوساط العسكرية الدولية معربا عن إعجابه بقدرات القوات المسلحة المصرية على تتظيم فعاليات هذا الحدث الذى يعد واحدا من أهم وأكبر التدريبات التى تتفذ بالشرق الأوسط.

 


بالذخيرة الحية 

بعد اكتمال الحضور شهدنا  رماية تكتيكية بالذخيرة الحية لمختلف الأسلحة والقوات المشاركة ..قامت المقاتلات متعددة المهام بتنفيذ أعمال الإستطلاع والقذف الجوى ضد العدائيات المختلفة  كما قامت طائرات الهليكوبتر المسلح المضاد للدبابات بالإشتباك وتدمير الأهداف المعادية وتنفيذ أعمال القصف المدفعى على مصادر النيران للعناصر المعادية كما تم  الدفع بمدرعات القوات المشاركة المدعومة بعناصر المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات ووسائل وأسلحة الدفاع الجوى لإستكمال تطوير الهجوم وتدمير كافة أهداف العدو المخططة ، وظهر خلال المناورة التعاون الوثيق بين كافة عناصر تشكيل المعركة والقدرة العالية على المناورة وإستغلال طبيعة الأرض لتحقيق المهام فى التوقيتات المحددة واصابة الأهداف وتدميرها بدقة

 

 

تنوع التسليح 

الملاحظة المهمة الثانية التى توقفت  عندها هى استخدام قواتنا المصرية خلال المناورة لأسلحة متعددة الجنسيات دون مواربة..كل ذلك في مناورة عسكرية مشتركة وبمشاركة  تسليح الدول الكبرى وهو ما أظهر أمام الجميع  تنوع التسليح المصرى دون قيود خارجية فى توازن عسكرى مصرى لا يصنعه الا الكبار من أصحاب القرار المستقل كما أن المناورة التى كانت تعرف فى الماضى باسم " القبضة الحديدية " كانت بمثابة فرصة للتعرف على أحدث تكنولوجيات التسليح التى تستخدمها الدول المشاركة وكيفية تطويعها فى علملياتها  الحربية.  

القوة الناعمة 
أظهرت مناورات  «النجم الساطع 2021» الاهتمام المصرى بالتواجد الأفريقي و الحرص على مشاركتهم فى هذا الحدث العسكرى الضخم حيث شاركت كل  من السودان و نيجريا و تنزانيا وكينيا بمراقبين وأصبحت تلك المناورات أشبه بقوة ناعمة وأحد الرغبة القوية فى استعادة أفريقيا لاحضان مصر  ودخولها دائرة اهتمامها مرة أخرى بعد سنوات مضت من التجاهل  كما اختتم التدريب بهتاف من كافة قادة القوات المشاركة بعبارة  «تحيا الشعوب المحبة للسلام» للتأكيد على ان تلك المناورات على أرض مصر ليست من أجل إثارة الحروب  والنزاعات واستعراض القوى ولكن من أجل عالم مستقر يعمه السلام  ويخلو من الإرهاب الأسود كما أنها كانت بمثابة فرصة لتتعرف القوات الأجنبية على الثقافة و التاريخ المصرى حيث قام أغلبهم بزيارات لمعظم المعالم و المدن المصرية 

 

 

القبضة الحديدية 
‏وتعتبر التدريبات المشتركة "النجم الساطع" أكبر وأشهر التدريبات العسكرية متعددة الجنسيات على المستوى العالمي لما تتصف به من مهارة التخطيط والاعداد و الإدارة بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التدريبية وتجددها المستمر ومواكبتها ‏لتطور  مهام القوات المسلحة المشاركة


 بدأت تدريبات النجم الساطع عام ١٩٨٠ بتدريب ثنائى مصري أمريكي وبمشاركة قوات برية محدودة بقوة سرية مشاة مصرية وسرية مشاة أمريكية ونتيجة عن الفائدة المشتركة التى تحصل عليها الطرفان  تطورت التدريبات بزيادة حجم القوات البرية أضيف إليها عناصر قوات جوية  وبحرية ووحدات من القوات الخاصة حتى عام 1993 
و نتيجة لما تحقق من نجاحات في تدريبات النجم الساطع بدأت العديد من الدول الصديقه و الشقيقة تطلب المشاركة ابتداء من عام 1995 وانضمت بريطانيا وفرنسا والإمارات و نفذت التدريبات بإجمالي 9500 مقاتل 

وصلت التدريبات المشتركة النجم الساطع الي ذروة تطورها عام ‏1999 حيث شارك فيها  حوالي 7500 مقاتل و ٤٣٣ طائرة مختلفة الأنواع و  قوة بحرية مشتركة تقدر بثلاث حاملات طائرات واربع غواصات و ٢٠٠ سفينة حربية متعددة الأغراض ومنذ ذلك الحين صبحت مناورات النجم الساطع مدرسة عسكرية تعليمية ‏لكل من يحضرها أو يشترك فيها.