إيمان طعيمة
الغرق قضية جديدة تطرقت لها منظمة الصحة العالمية بعدما أصبح يمثل ثالث أهم أسباب الوفيات الناجمة عن الإصابات غير المتعمدة، حيث يقف وراء حدوث 7% من مجموع تلك الوفيات.
كما أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا وافيا يتحدث عن خطورة الأمر، مستندة إلى بعض الحقائق والإحصائيات الهامة، فقد شهد عام 2012 وفاة نحو 372 ألف نسمة بسبب الغرق، ما يجعل الغرق من المشكلات الصحية العمومية الرئيسة فى جميع أنحاء العالم.
وأشارت المنظمة إلى أن السن من عوامل الخطر الرئيسية المرتبطة بالغرق، وكثيراً ما يتم الربط بين هذا العامل وبين هفوات المراقبة، حيث تقع أعلى معدلات الغرق فى العالم بين صفوف الأطفال من الفئة العمرية التى تتراوح بين عام واحد و4 أعوام، تليها فئة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و9 أعوام.
فى السياق ذاته، أصدرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، تقريرا يؤكد أن المراهقين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً أكثر عرضة للغرق من الفتيات بـ10 مرات، بحيث تصل نسبتهم إلى نحو 75٪ من جميع الأطفال والمراهقين، مفسرة ذلك بزيادة قدراتهم على السباحة أكثر من الفتيات، وأيضا قيامهم للسباحة بمفردهم والمخاطرة بأنفسهم من دون أخذ الاحتياط اللازم وكذلك ركوب السفن والمراكب.
وقال التقرير إن معظم حالات الغرق التى تحدث بالنسبة إلى الرضع تحدث فى أحواض الاستحمام، وقد اعترف ما يصل إلى 30٪ من مقدمى الرعاية بترك الأطفال من دون سن الثانية، بلا إشراف فى الحمّام، لمدة تتراوح بين دقيقة واحدة وما يزيد قليلاً على خمس دقائق.
وفى مصر، ووفق آخر إحصائية أصدرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول غرق الأطفال، وطبقا للتصنيف الدولى لعام 2019، فإن حالات الغرق التى تعرض لها الذكور بلغت 566 حالة، مقارنة بالإناث التى وصلت إلى 123 حالة، وذلك بداية من عمر الرضع أى أقل من عام واحد وحتى 15 عاماً.
وقد ترتب على ذلك حدوث حالة من الذعر على اجروباتب الأمهات على صفحات السوشيال ميديا التى تحذر من زيادة حالات غرق الأطفال، خاصة بعد الانتهاء من السباحة وهذا ما يطلق عليه االغرق الجافب.
ويوضح الدكتور أشرف قاسم، أخصائى الأطفال وحديثى الولادة، حقيقة الأمر، حيث يؤكد أن بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى تنشر معلومات مغلوطة وتثير حالة من الرعب عن غرق الأطفال تحت مسميات جديدة تعرف بـاالغرق الجافب واالغرق الثانويب، لكنه يؤكد فى الوقت ذاته أن ذلك نادر الحدوث، فلا داعى لهذا القلق المبالغ فيه.
وأوضح قاسم الفرق بين المصطلحين، فـاالغرق الجافب يطلق على حالة الطفل الذى يتعرض لابتلاع الماء ــ حتى وإن كان تحت مراقبة الأهل ــ وبمجرد أن يصل الماء لمجرى الهواء، يحدث انقباض فى الأحبال الصوتية التى تغلق مدخل الحنجرة كرد فعل طبيعى لمنع وصول الماء للرئتين، لكن مع نقص الأكسجين يحدث توقف للقلب، وهنا تحدث الوفاة فى حينها وليس بعد الإصابة بساعات أو أيام كما يتردد على السوشيال ميديا، ولكن فى حالة وجود فرق إنقاذ يمكن التعامل مع الحالة سريعا وإنقاذ الطفل.
أما ما قد يحدث بعد الخروج من الماء بعدة ساعات، فهو إصابة الطفل بالتهاب الرئة نتيجة وصول الماء إليها، والتى تتسبب فى ظهور أعراض مثل الكحة وضيق التنفس وارتفاع فى درجة حرارة الجسم، وهذا ما يعرف بـاالغرق الثانويب، ويجب العلم والوعى الكافى بالتعامل السليم المبكر فى هذه الحالة لإنقاذ الطفل وتحسن حالته، ويجب ملاحظة ظهور أى أعراض تنفسية يعانيها الطفل بعد الخروج من الماء، والتوجه للطبيب أو لأقرب مستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة من آشعة وتحاليل وخاصة تحاليل الغازات.
وينصح قاسم، الأمهات بضرورة مراقبة الطفل بشكل دائم عندما يكون فى الماء أو بالقرب منه وعدم تركه يسبح بمفرده، وألا تزيد فترة وجود الطفل دون السنة الأولى فى الماء أكثر من نصف ساعة، وعدم السماح له بالسباحة إلا فى المناطق التى يوجد بها رجال إنقاذ، مع ملاحظة ظهور أى أعراض تنفسية على الطفل خلال 24 ساعة بعد الخروج من الماء.
ويشـير إلــى أن الكلـــور الموجــود بمـــياه حمّامات السباحة ليس له علاقة بحالات الغرق كما يعتقد بعض الأمهات، وأن كل ما يمكن أن يسببه هو تهيج الجلد والإصابة بالطفح الجلدى بما فى ذلك الإكزيما، بالإضافة لحدوث حرقة أو حكة بالعين، كما يمكن أن يؤدى إلى مجموعة متنوعة من المشكلات التنفسية أو زيادتها بما فيها الربو.
من جانبه، يوضح الدكتور علاء مكرم خروب، طبيب بشرى ومدرب إسعافات أولية وصحة عامة، طريقة التعامل والإسعاف السريع مع حالات الغرق والغرق الجاف والغرق الثانوي، مؤكداً أن الغرق يحدث نتيجة انسداد الجهاز التنفسى عن طريق السوائل، سواء كان السائل مياهاً من البحر أو مياهاً عذبة من حمام النهر أو حمامات السباحة أو حتى أحواض الاستحمام فى المنزل، وانسداد الجهاز التنفسى بالسوائل ودخولها للرئتين يؤدى إلى توقف النفس وتوقف القلب.
ويشير إلى أن الطريقة الصحيحة للتعامل مع الغرق، هو التأكد أولا من أن المصاب يتنفس، وفى حالة كونه يتنفس، يتم وضعه على جانبه فيما يعرف بـ"وضع الإفاقة" ويتم نقله للمستشفى فوراً أو طلب الإسعاف.
أما فى حالة كون المصاب لا يتنفس ولا يوجد به نبض فيتم فورًا طلب الإسعاف والبدء فى عملية الإنعاش القلبى الرئوى CPR عن طريق ضغطات فى منتصف الصدر حوالى 30 ضغطة، وتنفسات صناعية ا2 تنفسب وتكرار الأمر لحين وصول الإسعاف أو لحين عودة التنفس والنبض مرة أخرى..هذا هو التعامل مع الغرق المعروف.
أما الغرق الجاف الذى يحدث أثناء تواجد الشخص فى المياه ودخولها للفم والحلق، فقد يحدث تشنج شديد فى الأحبال الصوتية لمنع دخول الماء للرئتين، ولكن التشنج والانقباض العنيف يسبب أيضًا عدم دخول الهواء للتنفس، فلا تستطيع الرئتين نقل الأكسجين للدم مما يسبب ضررا فى الأعضاء الحيوية فى الجسم ومنها المخ وقد يؤدى ذلك للوفاة.
وتمت تسميته بالغرق الجاف لأن الرئتين لا يدخل فيهما الماء بسبب التشنج الحادث فى الأحبال الصوتية والتى تسبب اختناقا وعدم وصول الهواء والأكسجين للرئتين.
ويتابع: فى بعض حالات الغرق لا يحدث انسداد كامل بالماء وتوقف النفس والنبض، ولكن يحدث دخول كمية صغيرة من الماء إلى الرئتين وخصوصًا الماء الملوث بالبكتيريا أو الطحالب أو الرمل وغيرها، فالمصاب بعد إنقاذه يكون يتنفس وبه نبض ولكن وجود الماء فى الرئتين يؤدى إلى إصابة قد تكون غير ظاهرة فى الساعات الأولى ينتج عنها إلتهاب رئوى قد يؤدى إلى الوفاة وهذه الحالة تعرف بالغرق الثانوي.
وقد تحدث أيضًا بسبب دخول كميات من الماء العذب إلى الرئتين وانتقاله لمجرى الدم مما يؤدى إلى اختلال شديد فى الأملاح مما يؤدى أيضًا للوفاة.
لذا من الأعراض المهمة التى يجب متابعتها للشخص بعد الخروج من الماء سواء من البحر أو حمامات السباحة خصوصًا الأطفال، هو كثرة السعال مع صعوبة التنفس وتغير فى لون الوجه والجلد وأيضا الخمول وكثرة النوم، وآلام الصدر.
وفى حالة تعرض أى شخص للغرق أو لابتلاع كمية كبيرة من المياه سواء المالحة أو العذبة، أو وجود أى من هذه الأعراض عليه بعد التواجد فى المياه، يجب فورًا طلب الإسعاف أو نقل الشخص المصاب للمستشفى حتى وإن كان واعيًا ويتنفس وبه نبض، حتى يتم إجراء الفحوصات اللازمة ووضعه تحت الملاحظة لتجنب المضاعافات التى قد تصل إلى الوفاة.
وينصح خروب بضرورة تدريب الأطفال على السباحة ومتابعتهم أثناء وبعد السباحة ومراقبة التنفس واكتشاف أى علامات خطورة كالتى تم ذكرها، ومن الضرورى تعلم الإسعافات الأولية لحالات توقف التنفس والنبض وطريقة عمل إنعاش القلب والتنفس.