فتيات دار الأيتام يتحدين الصعاب

نورا وشمس.. من ذوى الهمم حققتا التفوق في مسابقة الحلم المصري

نورا وشمس.. من ذوى الهمم حققتا التفوق في مسابقة الحلم المصري
نورا وشمس.. من ذوى الهمم حققتا التفوق في مسابقة الحلم المصري

كتب :مصطفى منير

..أبطال لم يستسلموا للحياة ومصاعبها ولم ييأسوا من ظروفهم بل تحدوها وانتصروا عليها، فلم تكن إعاقتهم حجة للفشل أو سببًا له، بل كان دافعًا لتفوقهم ونجاحهم، كنا أمام نموذجين حققا ما لم يستطع أحد في ظروفهما تحقيقه، فنجحا في التحدي، ليثبتا للآخرين بأنه ليس هناك مبررا لليأس أو الفشل، فمن أراد النجاح سينجح ومن يتعلل بالأسباب سيكون مصيره الفشل، فالنجاح حليف أولئك الذين يبحثون عنه ويبذلون الغالي والرخيص في سبيل الوصول إليه وتحقيقه، التفاصيل في السطور التالية.
دارعمر بن الخطاب تابعة لمنظمة الهلال الأحمر المصري للأيتام فوق سن السادسة تقع في مدينة قليوب، الدار تتكون من أربعة طوابق، البداية عندما دخلنا الطابق الأول في انتظار مقابلة مديرة الدار الأستاذة حنان محمد الدالي، لنجد مجموعة من العمال كانوا قد انتهوا من أعمالهم في تجديدات الدار، بعدها وجدنا مجموعة صغيرة من الفتيات جالسات لنبدأ بالتحدث مع إحداهن؛ وهي نورا أشرف صاحبة الـ 15 عامًا؛ تلميذة في مدرسة التربية الفكرية لذوي الهمم، وهي تعاني من تأخر في الفهم ولكن لم يمنعها ذلك من تحقيق نجاح باهر وحصد المراكز الأولى في كل المسابقات الرياضية التي اشتركت فيها وتفوقها على جميع قريناتها في الدار.
فتاتان
نورا هادئة تتحدث بصوت خافت وابتسامة يعلوها الخجل غير متصنعة، لتبدأ بالتحدث عن نفسها قائلة؛ أنا أعيش في الدار منذ صغري ولكن منذ أن جاءت ماما حنان(مديرة الدار) واشتركت لنا في مركز الشباب بدأت بممارسة الرياضة وتفوقت فيها وبدأت بالاشتراك في المسابقات الرياضية المختلفة، فأنا حصلت على المركز الأول على مستوي الجمهورية في ألعاب القوى في مسابقة الحلم المصري،وأيضا المركز الأول في الفنون الشعبية لفئة الرقص العام الماضي والمركز الثالث للعام قبل الماضي في نفس المسابقة، وحصلت على المركز الأول في مسابقات الوثب الطويل والجري وألعاب القوى والرقص على مستوى مدرستي؛ ثم أكملنا الحوار مع صديقتها في الدار شمس أشرف صاحبة الـ17عامًا؛ وتدرس هي الأخرى في مدرسة التربية الفكرية لذوي الهمم وتعاني أيضا من تأخر في الفهم، ومع ذلك لم تمنعها إعاقتها من تحقيق النجاح والتفوق، وتغلبها على فكرة أنها يتيمة وليس لديها ملاذ آمن وصدر حنون يستوعب كل مشاكلها ويعينها على حلها والتخلص منها، بل استطاعت أن تصارع تلك الفكرة مثل معظم صديقاتها بالدار، الذي أصبح هو بيتها وزميلاتها في الدار هن أخواتها اللائي تربين معها وترعرعن سويا ولديهن نفس المشاكل والأحلام، فبدأنا بالتحدث إليها بدت من حديثها أنها فتاة هادئة ورزينة، تعلو وجهها ابتسامة بسيطة، تحدثت بلباقة ربما لا توجد عند بعض الأصحاء عن الجوائز التي حققتها قالت؛ أنا أيضا دخلت مسابقة الحلم المصري وحصلت على المركز الأول في الرقص في مسابقة الفنون الشعبية لعامين متتاليين وقد حصلت على المركز الأول في مسابقة الكشافة وأنه تم تكريمها هي ونورا في المحافظة.
دلفنا إلى مكتب الأستاذة حنان محمد الدالي مديرة الدار لنستكمل معها باقي الحديث قالت؛ أنا توليت إدارة الدار منذ حوالي عامين ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول بكل ما أمتلك من طاقة أن أعوض الفتيات عن ما تعرضن له من إهمال وإهانة؛فأول قرار اتخذته أني قمت بتركيب كاميرات مراقبة لكل جزء في الدار من الداخل والخارج لكي أضع  المشرفات نصب عيني؛ مثلًا فوجئت ذات مرة بقيام إحدى المشرفات بسرقة الطعام من الدار وبيعه، لم اتردد في إحالتها للتحقيق، ومشرفة أخرى كانت تعتدي على الفتيات بالضرب والإهانة، وبدأت باتخاذ عدة قرارات حازمة لإعادة تأهيل الفتيات نفسيًا وبدنيًا، واخترت مشرفات جدد لمساعدتي في هذه المسئولية الصعبة، وكان أول قراراتي منع خروج الفتيات من الدار للعب في الشوارع كما كن يفعلن من قبل حرصًا مني عليهن ولرغبتي في عدم مضايقة جيراننا، فعلمت بعدما توليت مهمة إدارة الدار بفترة قصيرة بأن أحد الجيران استدعى الشرطة للفتيات بسبب الإزعاج المستمر له من قبل الفتيات،بعدها اشتركت لهن في مركز شباب قليوب ليبدأن ممارسة الرياضة ليستغلين وقتهن في شيء مفيد وبالفعل بدأت الفتيات يستجبن وبدأن في حصد المراكز المتقدمة في المسابقات الرياضية مثل نورا وشمس، وأصريت على تقويم سلوكهما ليصبحا مثالا مشرفًا للدار ونموذجًا لباقي الفتيات.
تستطرد مديرة الدار قائلة؛ دار عمر بن الخطاب تأسس عام2006 تحت رعاية مؤسسة الهلال الأحمر المصري، والدار لا تستقبل إلا الفتيات تحت سن السادسة، والفتاة تستمر بالدار تحت رعاية المسئولين والمشرفات حتى زواجها؛ فعندما توليت إدارة الدار كانت إحدى الفتيات علي وشك الطلاق بسبب مشكلة مع زوجها لكن تدخلت أنا ورئيس الدار على الفور لنصلح الأمور بين الفتاة وزوجها خاصة أنها أنجبت ولديها أطفال وبالفعل قمنا بحل تلك المشكلة وعاد الوئام بين الزوجين، يتلقى الدار التبرعات من الأهالي لتجهيز الفتيات أو إيداع الأموال لهن في دفاتر التوفير الخاصة بهن كمساعدة لهن بعد زواجهن، فمنذ فترة قدم إلي أحد الأشخاص طالبًا مني تولي تجهيز فتاة تكون مقبلة على الزواج، وبالفعل تكفل بكل المصاريف الخاصة بتجهيز إحدى الفتيات، ومنذ فترة اتخذت قرارًا بتجديد الدار لكي تكون مناسبة أكثر للفتيات ويشعرن أنهن داخل بيوتهن.
سألتها عن أسباب انخفاض عدد الفتيات في الدار فمنذ عام 2019 انخفض عدد الفتيات من 22 فتاه إلى 15 فتاه فقط بالدار، أجابت قائلة؛ السبب الرئيسي العادات والتقاليد الاجتماعية الخاطئة فهي التي تمنع أهل الطفلة من تركها حتى مع عدم قدرتهم على تولي مسئوليتها أو عجزهم على الإنفاق عليها، فثقافة الناس عن دور الأيتام تجعلهم يرفضون فكرة ترك الابنة في الدار بعد موت والدها أو والديها؛ فالأسرة تفضل أن يتولى العم أو أهل الأب المتوفى تربية ورعاية الفتاة وأيضا نحن في المناطق الريفية والقرى الأهل يقولون؛ أنهم بناتنا وعرضنا فكيف نتركهم يتربون بعيدا عنا ويرفضون تركهم وبعدها يتولى الجد أو الأعمام تربيتها، بالرغم من أن دار الأيتام تكون أكثر ملائمة لتربية البنت تربية صحيحة وإعدادها نفسيًا وبدنيًا لتصبح أمًا وزوجة صالحة، ولكن الآن تغير فكر الناس قليلا عما سبق فالفقر والعجز عن الإنفاق على الفتاة يجبر الأهل على تركها بالدار فبعض الأهالي يأتون إلينا وعندما يرون بأعينهم ما شهدته الدار من تجديدات والمعاملة الجيدة يطمئن على ابنة شقيقه أو شقيقته وأيضا يضطر أهل الطفلة إلى تركها عندما يكون العم المتكفل بالطفلة لديه فقط أبناء ذكور فيخاف من عاقبة ذلك بالإضافة لنظرة المجتمع للعم أو الخال، فيقوم الأهل بإنهاء كل الإجراءات القانونية اللازمة لإيداع الطفلة بالدار وبعدها يتم التواصل معهم عن طريق الزيارات.
بالحديث مع نوال خلف مدربة «نورا وشمس» أكدت فى البداية؛ أن مسابقة الحلم المصري من أهم المسابقات التى تقام لذوي الهمم والقدرات الخاصة؛ فهي تابعة لوزارة الشباب والرياضة، ويشارك فيها الكثير من الشباب من مختلف محافظات الجمهورية، وأضافت؛ أن «نورا وشمس» شاركتا فى المسابقة 3 سنوات وحصلتا على مراكز متقدمة حتى وصلتا للمركز الأول في مسابقة الرقص للفنون الشعبية، كما أنهما شاركتا في مسابقات الكشافة وحصلت «شمس» على المركز الأول في المسابقة. 
اختتمنا اللقاء بعد توديع الفتيات الصغيرات اللائي حرصن على مرافقتي حتى الباب الخارجي للدار مع وعد بزيارتهن باستمرار، ومثلما كانت بداية اللقاء ابتسامة، غادرنا المكان بابتسامة ايضًا.