حكايات| ابنة العمدة.. «لبنى» تمحو أميتها بين أحضان الآثار الإسلامية

 ابنة العمدة.. «لبنى» تمحو أميتها بين أحضان الآثار الإسلامية
ابنة العمدة.. «لبنى» تمحو أميتها بين أحضان الآثار الإسلامية

لم تكن لبنى صالح عبدالمولى سليمان التي اصطدمت بكتل خرسانية ترفض مبدأ تعليم الفتيات، تتخيل أنها تخرج إلى طريق التعليم لتشق طريق صعبة بعد أن منعتها أسرتها من التعليم رغم أنها منذ الصغر كانت تحلم بأن تلتحق بالمدرسة.

 

وبطبيعة الأسر المصرية قديما كانت تحول دون ذلك، ولكن عندما تمتلك البنت القدرة على التحدي، فلن يقف فى طريقها أحد، وبالفعل حاولت «لبنى» بشتى الطرق الالتحاق بقطار التعليم حتى ساعدها إنشاء فصل محو الأمية في قريتها المحمودية التابعة لمركز إطسا في أن تلتحق بقطار التعليم في عمر الـ 12 عاما.

 

ومنذ أن وطأت قدماها للحاق بركب التعليم، خاضت لبنى العديد من التحديات والمعارك الكبيرة وتحدت الظروف المحيطة بها حتى حصلت على الشهادة الابتدائية ثم الإعدادية والثانوية، والتحقت بكلية الآثار جامعة الفيوم رغم أنها كانت تريد الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

 

ولكن الظروف حالت دون ذلك لترضخ لرغبة أسرتها بالالتحاق بكلية الآثار بجامعة الفيوم لتتفوق فيها، وتبدأ رحلة الدراسات العليا، ومن ثم الحصول على الدكتوراه في رحلة مريرة أثبتت فيها لبنى أن العلم ليس بالسن وأنها بنت بـ 100 راجل رغم أن والدها كان عمدة القرية. 

 

تقول الدكتورة لبنى صالح إنها من قرية المحمودية التي تقع على حدود الصحراء بالقرب من وادي الريان، نشأت في أسرة ترفض تعليم الفتيات بشدة بسبب بعد المسافات والعادات والتقاليد، مضيفة: «لطبيعتي كنت دائمة الشغف بالتعلم وحاولت اللحاق بركب الابتدائية عدة مرات ولكنني فشلت».

 

اقرأ أيضًا| بـ«الإبرة والفتلة».. رحلة إبراهيم الترزي من «الأمية» للدكتوراه


وتمضي في حديثه: «وصلت إلى سن الـ 12 عاما وكان وقتها في عام 1998 تم إنشاء فصل محو الأمية في قريتي وكان أسعد خبر في حياتى افتتاح هذا الفصل وبسبب إصراري تمكنت من إقناع أسرتي بالكاد لكي التحق بهذا الفصل».

 

وتروي: «من هنا كانت البداية على مدار ساعتين يوميا في هذا الفصل تعلمت القراءة والكتابة وبعدها امتحنت في فرع الهيئة بالفيوم، وحصلت على شهادة محو الأمية عام 1999 وعمري وقتها 13 عاما، وبعدها جلست لمدة عام في المنزل دون الالتحاق بالتعليم حتى توفى والدي في هذا العام، وقررت وقتها التقدم للإعدادية (منازل) عام 2001 في قرية مجاورة لنا تدعى الغرق».


 

وبالفعل حصلت لبنى على الشهادة الإعدادية منازل دون الحصول على أي دروس خصوصية وكانت تحصل على الدرجات النهائية في بعض المواد، ثم التحقت بالمدرسة الثانوية المشتركة بقرية الغرق عام 2004 وحصلت على الترتيب الأول على المدرسة في الثانوية العام الشعبة الأدبية وقتها بمجموع 97%  والأولى على مستوى إدارة إطسا التعليمية عام 2007 .

 

اقرأ أيضًا| عبدالفتاح يعقوب.. من «أُمي» لمدير فرع محو الأمية بالفيوم

 

وتوضح أنه بسبب رفض أسرتها التعليم خارج حدود الفيوم لم تتمكن من الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وأعلى كلية وقتها في الفيوم كانت هي كلية الآثار والتحقت بها عام 2008 وتخصصت في قسم الآثار الإسلامية حتى تخرجت عام 2011 وكانت من الأوائل على دفعتها العاشرة على القسم.

 

لكن للأسف لم تتمكن وقتها من الالتحاق بالدراسات العليا لأنها لم تكن موجودة في الكلية في ذاك الوقت وجلست في المنزل عاما بالكامل، وفي عام 2013 قررت الالتحاق بالدراسات العليا في كلية الآثار تمهيدي ماجستير وفي عام 2014 قامت بتسجيل رسالة الماجستير الخاصة بها وحصلت على تقدير امتياز في الماجستير عام 2017، ثم قامت بتسجيل رسالة الدكتوراه عام 2018 وحصلت عليها في شهر مايو 2021 الماضي بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف على أن يتم طبع الرسالة على نفقة الجامعة ويتم تبادلها بين الجامعات. 

 

وتحكي الدكتورة لبني أن ظروفها الأسرية وعلى الرغم من أن والدها كان شيخ القرية وأصبح عمدتها لفترة ويمتلك أرض زراعية إلا أنه كان يرفض تعليم الفتيات رفضا قاطعا، ولكن ساعدها في تحقيق أمنيتها في التعليم شقيقها صفوان وهو أستاذ مساعد فيزياء في المركز القومي للبحوث بكلية العلوم وكان أحد أهم الداعمين لها للتعلم.


أما أمنيتها الوحيدة الآن هو التعيين في مجال تخصصها لاستكمال المشوار أو تعيينها في الجامعة أو هيئة الآثار، خاصة بعدما تحديها العادات والتقاليد وإصرارهاعلى مواصلة قطار التعليم في رحلة صعبة وشاقة لم تجد من يقف بجوارها سوى شقيقها الأكبر الذي كان داعما كبيرا بالنسبة لها، خاصة أن أسرتها مكونة من الأب والأم و7 بنات وولد، مؤكدة أنها لن تستسلم وستكمل الأبحاث وكتابة المقالات ولن تتوقف وستقوم بتحويل رسالة الدكتوراة الخاصة بها في الكتاب ليستفيد منه الناس.