فى الذكرى الـ20 لهجمات سبتمبر

انسحاب من أفغانستان والعراق و نذر حرب باردة بين واشنطن وبكين

برج التجارة العالمى عقب اصطدام الطائرة به فى هجمات ١١ سبتمبر
برج التجارة العالمى عقب اصطدام الطائرة به فى هجمات ١١ سبتمبر

فى كل عام تعيش الولايات المتحدة الأمريكية والعالم على ذكرى جديدة لأهم الأحداث التى رافقت الألفية الجديدة، ففى 11سبتمبر من عام 2001 ذهل العالم على وقع انهيار العنوان الاقتصادى «برجا التجارة العالمي» واهانة العنوان العسكرى «البنتاجون» وكذلك السياسى للولايات المتحدة الأمريكية والتى جرت على إثرها محاربة الإرهاب والقاعدة «المسئول المباشر عن الهجمات» بقيادة الرئيس الامريكى جورج بوش الابن بعد أن شطر العالم إلى نصفين «من ليس معنا، فهو ضدنا».. وتغير العالم كثيراً بعد أحداث سبتمبر، وتحولت الحرب الباردة إلى ساخنة وخطر الإبادة النووية عبر القارات إلى مفخخات وانتحاريين فى كل مكان وأصبح العداء للإسلام والمسلمين ظاهراً للعيان كون القاعدة تحت رعاية المتطرفين والمتشددين الإسلاميين.

بعد أن أصبحت قضية الإرهاب قضية دولية شملت نارها الجميع، حيث تغيرت خارطة العالم كثيراً وقامت حروب وغزوات وسقط ملوك وحكام وانتهكت حقوق الإنسان واندلعت العديد من الانتفاضات والثورات، وغرقت الولايات المتحدة ومعها العالم فى حرب على الإرهاب طغت على العلاقات الدولية مدة عشرين عاماً، قالبة على المدى الطويل موازين القوى فى الشرق الأوسط مع عودة بروز روسيا كمنافس استراتيجى وفرضت الصين نفسها الخصم الأول لواشنطن.. فى أعقاب هجمات ١١ سبتمبر 2001، اندفعت واشنطن فى حرب عالمية على الإرهاب، بدأتها بالهجوم على أفغانستان، ثم العراق.

وها هى أمريكا قد سحبت كامل قواتها من أفغانستان، بعد حوالى 20 عاما على غزوها للبلاد، كما أكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نهاية الشهر الماضى أن بلاده ستنهى مهمتها القتالية فى العراق بحلول نهاية العام الجاري، مع استمرار بعض قوات تتولى تدريب الجيش العراقى وإمداده بالاستشارات العسكرية.

ويرى الباحث فى المعهد الفرنسى للعلاقات الدولية «المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى عادت لتصبح النموذج العالمي» مع ظهور رهانات دولية أخرى تخفف نسبياً من التهديد الإرهابى وتنذر بحرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين.. وللتأكيد أن هذه الحقبة انتهت، حرص جو بايدن على أن يتزامن الانسحاب الأمريكى الكامل من أفغانستان بشكل رمزى مع الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر، إذ أن الجيش الأمريكى تدخل فى هذا البلد غداة الاعتداءات على برجى مركز التجارة العالمى ووزارة الدفاع لمطاردة تنظيم القاعدة الذى نفذها، وطرد حركة طالبان من السلطة بعدما وفرت ملاذاً للجهاديين إلا ان هذه الخطوة ذات الدلالة الرمزية انقلبت على الرئيس الأمريكي. فعشية ذكرى 11 سبتمبر عادت حركة طالبان إلى السلطة فى كابول بفضل انتصار خاطف على الجيش الأفغانى الذى كانت واشنطن تعتد بأنها دربته ومولته وجهزته.. ويقول مارك جرين مدير معهد الأبحاث «ويلسون سنتر» «قد نكون وصلنا إلى نهاية حقبة، إلا أن هذه المنطقة من العالم مرشحة مجدداً لاستقبال «متطرفين عنيفين جداً». ويرى جرين أنه كان من الأفضل إبقاء 2500 جندى أمريكى فى أفغانستان للمحافظة على المكتسبات ولا سيما على صعيد حقوق المرأة.. ويظهر توافق نسبى اليوم فى واشنطن على أن الحرب على الإرهاب خرجت عن هدفها الأساسي. فرغم أن هذه الحرب قللت التهديد، الا ان الدول الغربية لم تنجح فى فرض الاستقرار فى هذه الدول.. الولايات المتحدة الآن تريد استثمار مواردها فى مزاحمة منافسين استراتيجيين مثل الصين وروسيا.

ولا تريد بؤر استنزاف أخرى لها فى العالم، على غرار أفغانستان، ولكن ذلك ليس مبرراً لترك بلد كامل كأفغانستان هكذا على حساب مصالح حلفاء واشنطن فى المنطقة، فتبعات سيطرة «طالبان» على أفغانستان ستكون كبيرة، أقلّها السمعة والثقة فى الحليف الأمريكي، وأخطرها المخاوف، المعلنة والخفية، من عودة النشاط الإرهابى بالمنطقة من جديد بعد عقدين من جهود دولية مضنية أدت إلى انحساره بشكل ملحوظ.