تشكيل حكومة طالبان يتحدى التعدد والاعتراف الدولى

حكومة طالبان الجديدة
حكومة طالبان الجديدة

خلافا لما كان متوقعا، لم تقم طالبان بتشكيل حكومة دائمة تدير أفغانستان، بل أعلنت تشكيل حكومة «تصريف أعمال» من دون أن تشير إلى مدة عمل الحكومة التى تشكلت أو موعد إعلان الحكومة الدائمة، كما لم تُعلن مبرراً لاتجاهها لتشكيل مثل هذه الحكومة «المؤقتة»، وذلك على عكس ما وعدت به أكثر من مرة بأنها بصدد تشكيل «حكومة شاملة».. هذه الخطوة المفاجئة من جانب طالبان تحمل العديد من الدلالات، كما تقدم أساساً أولياً لمحاولة فهم الملامح الرئيسية لنظام طالبان، خاصة فيما يتعلق بعدد من التساؤلات المهمة، بدءاً من كيفية تعاملها مع قضية التعدد القومى فى أفغانستان، ومدى استعدادها لتنويع قاعدتها الاجتماعية لتتجاوز طابعها البشتوني، ومدى استعدادها للانفتاح على مسألة تمثيل المرأة فى المواقع القيادية، ومدى استعدادها أو قدرتها للتحول من حركة سلفية دينية محلية مقاتلة إلى جماعة سياسية؟ وغيرها من التساؤلات المهمة التى لازالت تنتظر إجابات محددة. ورغم أن تشكيل هذه الحكومة يمثل اختباراً أولياً للحركة، لكنه يمثل اختباراً مهماً.. لم تأخذ حركة طالبان فى حسبانها أية ضوابط، أو معايير، عند تشكيلها للحكومة، واللافت للنظر، أن معظم عناصر الحكومة الجديدة من المدرجين فى قائمة العقوبات للأمم المتحدة، ومن المطلوبين لدى الإدارة الأمريكية، وتم من قبل رصد ملايين الدولارات، لتيسير القبض عليهم، وأدى كل هذا إلى إعادة النظر والتفكيرمن قبل بعض المحللين، فى اعتبار أن ما يحدث يعتبر مناورة أخرى من الإدارة الأمريكية، بحيث تؤكد هذه الإدارة أنها بعيدة كل البعد عن تشكيل هذه الحكومة، وأن بعض عناصرها يكونون من المطلوبين لديها، وأن البيت الأبيض ليس له دور فى تشكيل الحكومة، فى محاولة منها لنفى الاعتقاد، بأن لها دورًا فيما يحدث فى أفغانستان.

أثار تأخر طالبان فى إعلان تشكيل الحكومة -رغم سيطرتها الكاملة على البلاد- موجة من الانتقادات، يرى بعض المراقبين أن التأخير فى إعلان الحكومة كان متعمدا، حيث كانت الحركة تريد مغادرة آخر جندى أمريكى وانتهاء الاحتلال الأمريكى لأفغانستان، والتخلص من مشكلة المقاومة المسلحة فى وادى بنجشير، ومن ثم إعلان التشكيلة الحكومية، وهذا ما حدث بالفعل.

بينما تقول بعض التحليلات إن إعلان حكومة تصريف الأعمال جاء نتيجة ضغط الرأى العام الداخلى والضغوط الدولية قبل إكمال حركة طالبان للمشاورات والمداولات.. وهناك من يرى أنه بالرغم من تسمية هذه الحكومة «حكومة تصريف الأعمال» فإنها هى الحكومة التى تريدها طالبان ولن ترضى بغيرها، لأن الحركة ترى أن من حقها أن تحكم أفغانستان بمفردها بعد 20 سنة من الكفاح المتواصل ضد الغزو الأمريكى والسيطرة على جميع الأراضي. ووصف الحكومة بأنها لتصريف الأعمال تكتيك سياسى من طالبان للتقليل من الانتقادات الداخلية وضغوط المجتمع الدولى لاحتكار الحركة للسلطة.. قوبل إعلان الحكومة الجديدة فى كابل بردود فعل واسعة فى الداخل الأفغاني، ففى حين رحبت به شخصيات وقطاعات داخل المجتمع الأفغانى واعتبرت ذلك خطوة إيجابية اعتبرها البعض الآخر مخيبة للآمال.. وقد أعلن كثير من الأحزاب السياسية فى أفغانستان، مثل الجمعية الإسلامية وحزب الوحدة الإسلامى الشيعى ومنظمات المجتمع المدنى والشخصيات السياسية والاجتماعية، رفضهم للحكومة المعلنة من قبل حركة طالبان واعتبرتها مخيبة لآمال الشعب الأفغاني. واتهموا حركة طالبان باحتكار السلطة فى أبناء عرق واحد (البشتون) ومنطقة واحدة (قندهار الكبرى).. ويحذر المنتقدون الحركة من اتباع سياسة تجاهل تمثيل التنوع العرقى والجغرافى والاجتماعى والسياسى والمذهبى والثقافى للمجتمع الأفغاني، وفرض سياسات التهميش والإقصاء المؤدية إلى شعور المواطنين بالحرمان والظلم. وما زال الأفغان، الذين شهدوا تقدما كبيرا فى مجالات التعليم والحريات المدنية فى ظل الحكومة المدعومة من الغرب على مدى 20 عاما مضت، يخشون نوايا طالبان وينظمون مظاهرات يوميا منذ تولت طالبان السلطة.. وعلى الصعيد الدولي، عبَّرت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والاتحاد الأوروبى وطاجيكستان عن قلقهم لكون الحكومة المُعلنة غير شاملة، بينما كان موقف دول أخرى -مثل إيران والصين وتركيا وأوزبكستان- أقرب إلى التحفظ. وأعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن أسفها من أفعال طالبان غير المتطابقة مع الأقوال. وأعلن المتحدث باسم الكرملين دميترى  بيسكوف أن الكرملين لا يخطط على الفور لإجراء محادثات  مباشرة مع حكومة تصريف الأعمال الجديدة فى أفغانستان.. وكانت باكستان، التى غالبا ما تواجه اتهامات بدعم طالبان، قالت فى وقت سابق إنها لن تتخذ قرارا من جانب واحد بشأن الاعتراف بحكم طالبان، وأنها تفضل نهجا جماعيا مع الدول الإقليمية.. فى حين رحبت أوزبكستان، خلال اجتماع افتراضى ضم نظراءه من الدول التى لديها حدود مشتركة مع أفغانستان بإعلان حكومة تصريف الأعمال، وأعربت عن أملها فى أن «يكون هذا القرار بداية للتوصل إلى توافق وطنى واسع، وإحلال سلام واستقرار دائمين فى البلاد»..  ويرى المراقبون أن القوى الغربية ستتعامل مع طالبان بريبة، وستظل متيقِّظة تمامًا لممارسة تأثيرها لتشجيع طالبان على أن تكون أكثر اعتدالًا وتوافقية مع الجميع. فالغرب لديه اليد العليا بالفعل أثناء التفاوض مع طالبان.. ويجب على الجهات المانحة أن تبين بوضوح أنها سوف تسحب دعمها فورًا إذا لم تمتثل طالبان لتنفيذ الشروط، فإذا جمدت وزارة الخزانة الأمريكية الاحتياطيات الأجنبية لأفغانستان، وأوقف الناتو مساعداته، وعلَّق صندوق النقد الدولى احتياطيات الطوارئ التى التزم بتقديمها لأفغانستان، كما أوقف البنك الدولى مساعداته وسيدفع ذلك طالبان للامتثال.