11 سبتمبر.. ودراما السياسة الأمريكية 

خاطر عبادة
خاطر عبادة

تتميز السياسة الأمريكية عن غيرها بإضفاء الحبكة الدرامية على الأحداث والإثارة والصخب السياسي والإعلامي، لضمان تنفيذ لعبتها بإتقان وخروج المشهد بسيطرة وإحكام وإثارة الحيرة والغموض لدى الرأي العام العالمي.. 

لكن الأهم من ذلك هو نجاحها في تغييب الحقيقة لبعض الوقت مستخدمة جماعات الفتنة والانقسام على الأرض وعبر منصات أخرى للتواصل الاجتماعي.  

تكاد السياسة الأمريكية تصيب العالم بالجنون والدهشة في بعض الأحيان، مثلما اختارت من قبل الرئيس ترامب وكان له آراء متشددة تجاه بعض الأقليات والهجرة القادمة من بعض الدول.. لكنه لم يتخذ القرار الذي أصاب العالم كله بالحيرة والفضول، وهو تسليم حكم أفغانستان لحركة طالبان.

عندما حاولت أمريكا سحب قواتها من أفغانستان بعد أكثر من 20 عاما لجأت لطريقة غير متوقعة وهي تصعيد طالبان للسلطة بعد سنوات من التفاوض فى قطر بدلا من الحكومة التى اعتمدت على دعم الاحتلال.. هذا القرار يرى الجميع أنه لن يؤثر على الداخل الأفغاني فقط، عبر استمرار انهيار الدولة لسنوات أخرى قادمة وسقوطها في يد جماعات مسلحة بدائية وحرب عصابات، ولكن سيكون له تداعيات إقليمية ودولية أيضا.

أفغانستان هي أول دولة تستخدم لنشر الإرهاب وتشويه صورة الإسلام السمح في صورة دولة بدائية متخلفة، رغم أنه دين العلم وإعمال العقول.

ومن عباءة حكم طالبان أفغانستان عام 1996 خرجت الجماعات الوحشية مثل تنظيم القاعدة الذى تبنى هجمات 11 سبتمبر 2001.. جماعات كلها خرجت من عباءة الاحتلال لتدمر الأوطان باسم الدين.. تارة بالسلاح وتارة بالفكر التكفيري.. كلها فاقدة الهوية والانتماء.. حتى وإن اختلفت المسميات، لكن الأب الروحي واحد يعمل في الخفاء ويحرض ويمول ويوجه ويؤسس لمزيد من التنظيمات هنا وهناك.. ويبرر كل شيء بإسم الدين، وهو منهم براء.. 

مثلت هجمات 11 سبتمبر نكسة للسلام العالمي وبداية لمرحلة جديدة فقد العالم فيها حريته، وقيود أمنية مشددة خاصة ضد العرب والمسلمين، ومبررا للتنكيل بهم فى دول الغرب حتى انتهى عصر جورج بوش الإبن فى 2009، ثم أعلنت إدارة باراك أوباما فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامى، لكنها أجرت صفقة خطيرة مع تنظيمات متشددة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

الآن يعترف جورج بوش الابن، أن الخطر الأكبر على الولايات المتحدة، يكمن في العنف الداخلي.. داعيا إلى وحدة الأمريكيين.

الآن بعد 20 عاما من "هجمات سبتمبر" يقف العالم في حيرة ودهشة من قرار أمريكا بالانسحاب وتسليم أفغانستان لحركة طالبان، وهى البلد التى انطلق منها منفذو الهجمات.. ودفعت فاتورة باهظة جراء بطش الأمريكان.. الآن تبدو دراما كبرى فى الأفق، لكنها وفق كل التوقعات ستكون مأساوية فى عهد طالبان.

وإذا كان وصول تلك الحركات لحكم دولة مصيبة، فمن الكارثى أن نجد قلة من حولنا ممن يبرر عن جهل ويهلل لصعود طالبان ويصفها بالمقاومة للاحتلال.. هذا هو الجهل بعينه الذى تروج له قوى الاحتلال لتنفيذ مخططهم، وهو السيطرة والاستنزاف ثم يخلق جماعات لتغييب الحقيقة وتساهم فى تشويه صورة الإسلام وتدمير الدول.. ثم بعدها لا ينفع الوعى إذن بعد فوات الأوان. 

أما على الصعيد الدولي.. فلم تخفى دول الجوار قلقها من تحويل أفغانستان إلى ملجأ لقوى الإرهاب و وكرا لنشاط تجارة المخدرات التى تعتبر أولى مصادر الدخل والتمويل لتلك الحركات المتطرفة. 

صعود طالبان- ذلك الوحش الأفغاني المدلل جاء عبر تخطيط محكم وتهيئة لقبوله ثم الاعتراف به بشكل تدريجي من الدول الكبرى، فها هى روسيا وبرلين تعلنان عزمهما الاعتراف بحكم طالبان شريطة تشكيل حكومة ائتلاف وضمان الأمن. 


تلك التطورات تثير المخاوف من دراما كبرى فى الأفق.. ماذا يصنع الوحش الأفغاني فى تلك المنطقة، وماذا عن مستقبل ذلك البلد الفقير وتأثيره ليس فقط على دول الجوار، بل قد تستخدم كقاعدة من جديد لنشر الإرهاب وإعادة غزوه للبلدان عبر جماعات تحت ذريعة نزوح اللاجئين.. كما سيبرر الهيمنة الأمريكية فى مزيد من الدول المجاورة لاعتمادها على واشنطن وحمايتها من زحف الإرهاب أو مخاوف من نقل التجربة الأفغانية لدول أخرى عبر تغذية التمرد المدجج بالسلاح.

و مما يجعل أفغانستان محورا للاهتمام الأمريكى أيضا، هو موقعها الجيو سياسى والاقتصادى المميز فى آسيا الوسطى، خاصة أنها تقع بين العملاقين الروسي والصيني وعلى طريق الحرير القديم، بالإضافة إلى وجودها بين قوى إقليمية، باكستان والهند وإيران، وثروات بحر قزوين.. وقد يكون لأمريكا دوافع أخرى لمضايقة روسيا والصين، لأنه فى حالة اضطراب المنطقة سيجعل من استقرارها تحت رهن وابتزاز الولايات المتحدة لاستعادة قواعدها ودورها العسكرى هناك.. وبذلك يصبح أمن واستقرار تلك المنطقة رهينة فى يد أمريكا بفضل طالبان.

صعود الإرهاب من جديد للمسرح العالمى وسط غفلة وإرهاق من الأزمات الاقتصادية و جائحة كورونا.. يجب أن يواجه بتوحد لدعم الشعوب والدول لتكون قوة للاعتدال وليس الاعتراف وتبرير وصول حركة متطرفة لتشكيل قوة ووجهة تطرف فى العالم.