متى تنفر المرأة من الحياة مع زوجها؟!

«يا تعيشي معايا.. يا أقتلك»

الزوجة  المجنى  عليها
الزوجة المجنى عليها

إسلام عبدالخالق

مؤكد هناك أسباب لتسلل الكراهية في نفوس الزوجات منها؛ إهانتها وإهمالها وتعمد جرح مشاعرها، وأخطرها على الاطلاق حين تمتد يد الزوج عليها ضربًا الى حد قتلها.
بلا شك جرائم العنف الزوجي ليست ظاهرة وإنما هي حوادث فردية؛ لكنها مزعجة تعكس خللا أسريًا يجب أن ينتبه إليه علماء الاجتماع والنفس؛ فكثيرًا ما نرى في جرائم قتل الزوجات ما يتجاوز الضرب بزعم تأديب الزوجة إلى ارتكاب جريمة قتلها؛ والسؤال هنا؛ هل هي حالة من الفراغ الأخلاقي اصيب بها هؤلاء الأزواج، وهو الأمر الذي يحتاج إلى المزيد من الاهتمام من خلال إجراء الأبحاث والدراسات، خاصة وأن الأسباب معظمها تنحصر بين الغيرة وسوء الظن وتعاطي المخدرات، ومعها لا تجد الزوجة مفرًا من طلب الطلاق أو الخلع للهروب من جحيم الزوج الذي يرفض هذا الحل الذي هو مصلحة للطرفين في هذه الحالة؛ وبدلا من تطبيق قاعدة، فارقهن بإحسان، نجد الزوج يقتل زوجته ثم ينهار نادمًا في وقت لا ينفع فيه الندم ويردد قائلا في هيستيريا أمام جهات التحقيق؛ «مكنش قصدي»!
ليس معنى الحياة تحت سقف واحد أن يجبر الرجل زوجته أن تعيش معه تحت ضغط نفسي، ولكن ما رأيناها في بعض الرجال الذين حاولوا اجبار زوجاتهم على الحياة معهم، غير عابئين بعيوبهم القاتلة، وسلوكياتهم المشينة مع زوجاتهم، ظنا منهم انهم سيتحملونهم الى ما لا نهاية، ولن يكلوا او يملوا بالرغم من تعرضهن دائمًا للإهانة والاعتداء الجسدي، هؤلاء الرجال فوجئوا بين ليلة وضحاها بزوجاتهم يتمردن على الحياة معهم ويطلبن الطلاق، ومنهن عندما فشلت في الحصول عليه لجأت للخلع؛ لكن هؤلاء الرجال رفضوا خلاص الزوجات من الجحيم، وقرروا عقابهن على هروبهن من هذا الجحيم والنجاة بأنفسهن، لينتهى الأمر داخل محكمة الجنايات بقتل الزوجة او الشروع فيه او في أقسام الشرطة بطلب الحماية. 
اخبار الحوادث فتحت ملف «الإجبار على العيشة» من واقع ملفات قضايا الجنايات ومحكمة الأسرة، وتسليط الضوء من خلال التحليل النفسي لشخصية ذلك الزوج المتسلط.
 

جوازة الندامة

«من آمن العقاب أساء الأدب».. حكمة تُقال دومًا ويُضرب بها المثل في ضرورة تطبيق القانون بحزم وصرامة على كل مخطيء، حتى في العلاقات الإنسانية، فلا حاجة لصمتٍ على مخطيء مهما كان الجُرم صغيرًا، وهوّ ما حدث وشهدته محافظة الشرقية خلال الأيام القليلة الماضية، ضمن حلقة جديدة من مسلسل الشروع في قتل الأزواج لبعضهم البعض؛ إذ اتهمت ربة منزل تُدعى «فتحية.ج» زوجها، الذي يكبرها بنحو عشر سنواتٍ كاملة، بالشروع في قتلها وإلقائها من الطابق الثالث بمسكن الزوجية بمنزل أسرته، لا لشيء إلا لأنها رفضت إعطائه «فلوس» لأجل شراء مواد مُخدرة، وبين هذا وذاك أفادت بأنه دائم شراء وتعاطي المواد المُخدرة، وأنها يومًا لم تمنعه أو تأخذ منه موقفًا لأنها يتيمة ظنت في يومٍ ما أنه الحبيب والسند والرجل الذي تستظل بوجوده وتأمن على حياتها إلى جواره، لكنه لم يكُن أيًا من هذا أو ذاك رغم أن قصة حب جمعتهما.

 

لم تدري «فتحية» أن الشخص الذي وافقت على الارتباط به سيكون أخطر الناس عليه وأنها ستصل لمثل هذه الدرجة من الخوف والرهبة، بل إنها سترى الموت أمام أعينها وتُعاني الأمرين من جانبه وأفراد أسرته، الذين راحوا يهددونها بتركها عُرضةً للموت لأجل عدم الزج بنجلهم خلف القضبان لينال ما يستحق، في مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى تعرضت لها بنت الثمانية عشر ربيعًا، قبل أن تكشف لـ«أخبار الحوادث» تفاصيل ما جرى.
مع انقضاء يوم كامل عصيب بين الزوجين، وبينما يُسدل الليل أستاره على قرية «سنهوا» التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، كانت النسوة والأقارب من أهل «فتحية» يوشكون على مغادرة منزلها، جاءوا لزيارتها ويصلون الرحم بعدما باتت يتيمة بموت والدها قبل عدة سنوات، خاصة وأن المناسبة هي مرور سنة في كنفّ زوجها، زوجة تخطو عامها الأول في عش الزوجية مع إنسان متقلب الحال والمزاج، تبدلت أحواله وتغيرت طباعه بعد زواجهما منتصف شهر يوليو الماضي، وبات لا يعمل أو يُعرف له عملًا سوى تعاطي المُخدرات والحرص على شرائها، في طريق اشتكته الزوجة مرارًا حتى بات أمرًا واقعًا لا مناص منه، لكن ما جرى في تلك الليلة كان هو الجديد والأسوأ بين الزوجين، لكن أهل الزوجة كما هم وكما هي نظرتهم لها؛ وحيدة «مكسورة الجناح» بعد وفاة والدها، يتيمة يحنو الجميع عليها ولا يرجون غير الستر والعشرة الطيبة بينها وبين زوجها.
قضى أهل الزوجة ليلتهم وقبل أن يهموا بالمغادرة تركوا لها أموالا، وما أن بات الزوجان وحدهما حتى بدأ الزوج «فتحي» يتودد لزوجته يذكرها بقصة الحب التي جمعتهما يومًا عسى أن تنصاع لطلبه وغايته السيئة، قبل أن يتطور الأمر لمشاجرة مع تمام الثانية صباح اليوم التالي، بعدما طالب الزوج صراحةً بالمال الذي بحوزة زوجته وما تحصلت عليه من أهلها لأجل شراء مُخدرات يُدمنها ولا يعنيه سواها.
استمر الشجار حتى الرابعة فجرًا، قبل أن تعرف يد الزوج طريقها لجسد زوجته ضربًا وصفعًا، فيما لاذت الأخيرة بغرفة الأطفال عسى أن تهرب من بطش زوجها، لكن الأخير أعاد الكرة دفعًا وطلبًا، حتى صعدت زوجته أعلى سرير الغرفة عسى أن يهدأ أو يتركها لحال سبيلها، إلا أن رد الفعل كان كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ إذ حملّها زوجها وألقى بها من شرفة الغرفة لتسقط أرضًا عقابًا لها على منعه من الاستيلاء على المال الذي تركته لها أسرتها.
سويعات قليلة فصلت بين سقوط الزوجة ونقلها إلى المستشفى المركزي، فيما كانت أسرة زوجها يهددونها بأنها إذا ما أصرت على أن زوجها هوّ من ألقاها سيتركونها دون إسعاف أو علاج، وأن عليها الانصياع لحديثهم وإخبار من يسألها بأنها كانت تسعى لتركيب ستائر المنزل فسقطت من الشرفة، وتحت ضغطهم رضخت الزوجة ليتم نقلها إلى المستشفى المركزي، وهناك أعادت عليها أسرة زوجها ما تفوهت به ألسنتهم قبيل نقلها إلى المستشفى، لتُخبر الزوجة الأطباء بأنها قد سقطت رغمًا عنها من شرفة المنزل، وأن الستائر وراء ما حدث لها.
مرت الساعات طويلة ومؤلمة على «فتحية» حتى أخبر الأطباء الموجودين بأن الزوجة إصاباتها خطرة، وأن ساقيها وقدمها بحاجة لجبائر بعدما تعرضت لكسور وشروخ، فيما صدرّ قرار بتحويلها إلى مستشفى الأحرار التعليمي بمدينة الزقازيق؛ بعدما تبين تهشم عدد من فقرات ظهرها وحاجتها لتدخل عاجل، ونُقلت إلى المستشفى الأخير عسى أن يتمكن الأطباء من إنقاذ حياتها وما تبقى لها من عمر، في أوقاتٍ عصيبة شهدت حضور أهلها يطمئنون عليها.
مرت الآلام قاسية على الزوجة وتحملتها بمسكنات وصبر حتى خلفت غرفتها من الأطباء واختلت بأهليتها، لتخرج عن صمتها وتُخبرهم والألم يعتصرها بحقيقة ما حدث، وأن ما تفوهت به للأطباء كان تحت ضغط من أسرة زوجها، الذين تركوها فور حضور أهلها، ليتم استدعاء أطباء المستشفى من جديد من جانب الأهل، ومن ثم استدعاء الأمن لتَعدل المجني عليها عن أقوالها وتتهم زوجها صراحةً بالشروع في قتلها قبل أن تسرد حقيقة ما حدث بالتفصيل خلال محضر الواقعة الذي حملّ رقم 6118 إداري منيا القمح لسنة 2021.
بأنفاس متقطعة وكلمات تُجاهد للخروج وإيضاح الحقيقة أدلت الزوجة بحديثها وأقوالٍ جديدة لرجال الأمن، إذ اتهمت زوجها «فتحي.ع.م» وشهرته «فتحي أبو سنة» 28 سنة، عاطل، مُقيم بقرية سنهوا التابعة لدائرة مركز شرطة منيا القمح، بالشروع في قتلها، وأكدت للجهات الأمنية على أن أهل زوجها طالبونها بألا تُخبر جنس مخلوق بحقيقة ما حدث، وأن عليها أن تسمع كلامهم وتُنفذ طلباتهم ليتم إسعافها، وإذا ما سألها أحدًا فإن عليها أن تكذب وتُخبره على خلاف الحقيقة أنها سقطت من الطابق الثالث حال محاولتها تركيب الستائر، قبل أن تؤكد على أنها قد رضخت لهم وفعلت ما طالبونها به، لكنها عادت وعدلت عن أقوالها بعدما تبين لها فداحة ما تعرضت له من جُرم، وأن زوجها وأسرته لا يؤتمن أيٍ منهم على شيء بعدما كان موتها وما تعرضت له سهلًا عليهم، وأن كل ما كان يسعون ورائه هوّ ضمان سلامة ابنهم وسيرته وعدم القبض عليه.
اتهمت «فتحية» زوجها صراحةً بالشروع في قتلها وإلقائها من شرفة الطابق الثالث والتسبب في إصابتها بكدمات وكسور بالغة بقدميها، فضلًا عن تهشم عدد من فقرات ظهرها، قبل أن تؤكد على أنها يتيمة وأن القانون وحده من يمكنه الانتصار لحقها فيما حدث لها من تعدٍ على يد زوجها، خاصةً أنها قد كذبت في أقوالها الأولى بإجبار من أهل الزوج، وأنهم هددونها بتركها تموت وعدم نقلها إلى المستشفى لإسعافها إلا إذا نفذت ما يقولون.
سويعات قليلة وكانت الأجهزة الأمنية بمركز شرطة منيا القمح قد تمكنت من ضبط الزوج المتهم بتهمة الشروع في قتل زوجته، وبمواجهته بما تحدثت به الزوجة من اتهامات له بإلقائها من شرفة الطابق الثالث لأجل أخذ مالها لشراء مواد مُخدرة أنكر تمامًا، قبل أن يشير إلى أن التهم الموجهة إليه من زوجته محض افتراء وكذب، ليتم التحفظ عليه تحت تصرف النيابة العامة، والتي طلبت تحريات المباحث الجنائية حول الواقعة وملابساتها.