عاجل

امسك سيدنا

شرين هلال
شرين هلال

صحينا مفزوعين على خبر محفظ القرآن بطلخا اللي اتمسك بعد إغتصاب طفلة العشر سنوات لمدة سنة كاملة بدون اي مقاطعة ولا حس ولا خبر. خبر محزن وصادم ومثير لمشاعر من الغضب المصحوب بالقيء. لكن الخبر متكرر لكن بهياكل مختلفة:
محفظ قرآن يعتدي على طفلة-يغتصب طفلة-يتحرش بطفل-يهتك عرض طفل وغيره وغيره
وكل مرة بتتخضو نفس الخضة ومحدش بيعمل حاجة
مرفق لسيادكم عناوين نفس الحادثة بنفس الفاعل و نفس الضحية و نفس مكان الجريمة بس بتواريخ مختلفة على مر سنين كتير فاتت وطبعا اسامي الجاني و المجني عليهم متغيرة ----- الثابت هو الفعل المشين ومسرح الجريمة
الفاعل: محفظ القرآن
الضحية: الطفل او الطفلة
مكان الجريمة: الكوتاب
بالنسبة للشعب القاهري و السكندري و سكان المدن و المناطق الحضرية يحاولو يفتحو عينيهم و يركزو في اللي هقوله عشان دا مجتمع تاني خالص مالوش وجود عندهم و مينفعش يكون موجود ليه بقى؟
عشان اجاوب على السؤال دا لازم نعرف الأول يعني ايه الكوتاب ووظيفته ايه؟ وآلية عمله ازاي؟ والتدرج الوظيفي جوا الكوتاب بيمشي ازاي؟
في كل قرى مصر لازم يكون موجود الكوتاب وبيتسمى باسم صاحب البيت او المحفظ اللي بيقوم بتحفيظ الأطفال القرآن و بتنتهي التسمية عند "كتاب الشيخ فلان" يعني هو في النهاية بيت او منزل ريفي عادي جدا معندوش اي اضافات عن الصورة اللي يمكن نكون شفناها في الافلام القديمة. عشان الفن الحديث لسة الحقيقة بيسحف ومقدرش يطور صورة الكوتاب في عصرنا الحالي. زمان كان الكوتاب هو اليد الأولي والوحيدة قبل اختراع المدارس، وكان هو البوابة اللي بتوصل للنظام التعليمي المتعارف عليه في مصر واالي كان باختصار مطلوب من الطالب فيه إتمام حفظ القرأن ثم إجادة التلاوات في مراحل لاحقة، بعدها يلتحق بأروقة الأزهر العريقة. دا زمان بقى قبل دخول نظام المدارس والتعليم عموما.


نسيت أقول لحضراتكم إن المكانة اللي بيتمتع بيها صاحب الكوتاب كبيرة جدا بين أهالي القرى وعادة بيحضر قعدات الصلح بتاعة المندرة وبيكون من مشاهير مجتمع القرية، لأنه مقرئ القرية الأساسي بالتبعية، موجود في المعازي ومعزوم في الأفراح وكمان كلمته نافذة على الكل وهيبته عالية، مش زي ما كانت بتصوره الأفلام، ودا جاي من حاجتين: اولهم انه حامل كتاب الله فيعتبر من رجال الدين وبالتالي بيحظى بمكانة خاصة عند ربنا فطبيعي يتميز على الأرض.تانيهم أن تمييز الأطفال في المجتمع القروي بيتوقف على عدد الأجزاء في المصحف اللي حافظوها وفي سن أد ايه، والتمييز دا مش هيتم الا برضا شيخ الكوتاب. دا فيه أسر يا مؤمن بتميز مصروف أبناءها بحسب عدد أجزاء المصحف اللي قدروا يحصلوها.


كمان دخل شيخ الكتاب، عمره ما كان قليل: على العكس، في أزمنة بعيدة كان الشيخ بيحصل معظم أجرة التحفيظ الشهرية من خير خزين بيوت الفلاحين من بيض وطيور وغلة ولحوم وما شابه وطبعا نقدية. اما في عصورنا الحالية، الأجرة معروفة ومحددة من 50 جنيه على الراس في الشهر لما فوق ال100 جنيه.متتخيليش أن الرقم دا قليل، عشان أقل كوتاب مفيهوش أقل من 100 طفل وانت طالع، والفلوس دي كلها حرة من أي رقابة ضريبية وبيتم تحصيلها بعيدا عن أعين الجميع ، يعني مبالغ صافية تماما من اي خصومات،، يعني إقتصاد إسود في أزهى صوره، دا طبعا غير الهدايا وخلافه مع الانتهاء من كل جزء من أجزاء المصحف عشان "سيدنا" يطلعه الجزء الجديد. نسيت أقول لحضراتكم إن شيخ الكوتاب اسمه سيدنا فلان، لقب كدة ميحلمش بيه شيخ مشايخ عموم البر كله. الجهة الوحيدة اللي ممكن تخاطب كتتاتيب مصر هى الجمعيات الشرعية، بتعمل لهم محافل تحفيظ قرأن و تديهم جوايز وهدايا و تتبنى طلابهم النابهين وهيصة كبيرة حضرتك بتحصل بتحصل من السبعينات تقريبا.


يرجع مرجوعنا للكوتاب اللي بتتكلم عليه حوادث اليوم : اتفقنا انه بيت عادي جدا الأهالي بتودي أطفالها الصغيرين من سن الحفظ اللي هو تقريبا 3-4 سنين لحد ما يتم حفظ القرأن عن ظهر قلب. بيبتدي الشيخ بتعليم حروف الهجاء والتشكيل بشكل نمطي مكثف و بعدها يبدأ يحفظهم صغار السور من الجزء الثلاثين وانت نازل. بيتم تقسيم الأطفال حسب تدرجهم في الحفظ مش حسب اعمارهم. بمعني ، كل ما تحفظ أكتر كل ما تنتقل للمستوي الأعلى. وكل ما تكبر في الحفظ تكون مؤهل انك تسمع لزميلك اللي حفظه أقل منك. انسو يا سادة صورة الكوتاب بتاع مسلسل الأيام او افلام صلاح ابو سيف وركزو في اللي هسرده هنا،الكوتاب مش عمل جماعي بتقعد الأطفال يرددوا الكلام ورا المقرئ، لا مش حقيقي دا المخرجين استسهلو ينزلو للتفاصيل بس مش أكتر, أنا مضطرة أشرح بالتفصيل عشان دا الواقع من لسان اصحابه وكمان نقدر نفهم الجريمة دي بتتوفر لها البيئة الحاضنة ازاي.


اتفقنا ان الأطفال بينتقلو لمستوى أعلى، طيب الانتقال دا بيكون ازاي؟
سيدنا صاحب الكوتاب بيكون له مكان تحت القبة، ما هو تحت القبة لازم يكون في شيخ--- امال ايه؟
يعني الشيخ بيكون في مكان مخصص له يسمع للأولاد اللي محتاجة تنتقل للمستوى الأعلى في الحفظ ودا معناه انه احيانا بيكون منعزل أو في مكان أعلى من الأخرين يبقى في ساحة البيت امام الكل أحيانا، او يكون فوق السطوووووووح، أو يكون في أوووووضة من أوض البيت، دا على حسب ظروف البيت المقام فيه الكوتاب. أما باقي الأوض فهى للمجموعات اللي بيتم تحفيظ الأطفال فيها من مستويات أخرى بمعاونة أبناء سيدنا أو زوجة سيدنا لو في بنات كبار، او النابهين من طلاب سيدنا. بكدة نكون فهمنا ليه احيانا كتير البيئة بتكون متوافرة لتكوين مسرح جريمة بشكل آمن ومتكرر


هنلاقي سؤال بيفرض نفسه حالا: إيه اللي إتغير عشان كل شوية نسمع تكرار الحوادث الصادمة من هذا النوع؟
اللي إتغير ان سيدنا زمان مكنش يسمع عن مذاهب الوهابية ولا كان عنده فكرة عن السلفية الجهادية ولا كان له طموح سياسي من أي نوع. ودا كله علاقته مباشرة بالجرايم اللي زينها الشيطان لسيدنا بشكل مباشر جدا: بحسب فكر هؤلاء، تم تضخيم إستدعاء شهوانية الغرائز أمام طفولة جسد الأطفال. دا حصل بسبب فتاوي كتير طلعت من بعد هجمة التراجع الفكري في العقود الأربعة الماضية واللي بتجيز مفاخدة الأطفال و تبيح زواج القاصرات بداية من 3 سنوات ما دامت الصغيرة تتحمل!!. ودا عشان استطاع اصحاب الأجندات السياسية من فصائل الإسلام السياسي ضم أكبر عدد ممكن من القائمين على تحفيظ القرآن، او تخريجهم من تحت عباءته، عشان التنظيمات دي فاهمة أهمية وجودهم في قطاع التعليم، وبتستهدف التجنيد بداية من صغار السن وخصوصا لو أبناء أسر متدينة بالأساس. عشان كدة منستغربش لما نسمع ان الدوائر السلفية عرضت على أهل الضحية ملايين من الجنيهات عشان يتنازلو عن القضية، طبعا عشان صورتهم امام الرأي العام متهتزش.


الجانب كمان اللي مش متشاف، إن إسلوب التعليم في الكوتاب يعتبر من أساليب التعذيب، لضمان الطاعة الكاملة وظنا أنها الطريقة الأفضل لسرعة حفظ الكلام الإلهي. الأغرب من كدة إن الأهالي بتبارك كل علقة بياخدها الطفل وبتعتبر دا جزء هام من العملية التعليمية، اللي مفيش غنى عنها عشان الطفل دا ينجح في حياته. وإختصارا لهذه الأساليب هنقول المد على الرجلين والأيدين وبلاش نقول حاجات تانية عشان مشاعر القارئ متتأذيش، فما بالكم باللي بيتعمل في الأطفال دول؟


ودا بياخدنا لسؤال تاني: ليه الأطفال بتستسلم لما تحصل جريمة من نوعية التحرش او الإغتصاب؟ أقولك ان الترهيب والأذى البدني اللي بيتم ممارسته مناصفة ما بين سيدنا بأيده و ما بين الأهالي بموافقتهم على ضرب أطفالهم بالوحشبة المفرطة دي، بيخلي الضحية في حالة إستسلام تام للمجرم، دا إذا كانت الضحية فاهمة ان دي جريمة أصلا. ببساطة ممارسة الفحش بالنسبة لإدراك الضحية صغيرة السن، أهون بكتير من الضرب المبرح. دا غير إن شخصية الطفل اللي اتعود على الضرب المهين أمام أقرانه وبرضا أهله، بتكون شخصية أنهزمت قبل ما تحارب معركتها وقبل ما تكون نفسها اساسا، طبيعي تكون مستسلمة لفعل من هذا النوع قد لا يسبب لها الإمتاع بالتأكيد، لكن على الأقل مش إيزاء بدني شديد القسوة. كمان بيكون سهل السيطرة عليها وتحريكها لصالح أجندات سيدنا: منهل العلم والمورد الأول لكلام ربنا، ونبدأ في عملية تجنيد سهلة وميسرة وكله أدام عنينا وبرضانا.


ونوصل لمحطة النهاية وعندها نسأل: لحد إمتى هيفضلو الكيانات دي مش تحت رقابة حقيقية ومتابعة عن قرب من أجهزة الدولة؟ ولحد امتى هيفضل الإقتصاد الإسود يمد أنيابه وينهش فينا وفي لحمنا؟ ولحد امتى هتفضل القرى وأطفالها عرضة لتجارب قاسية من النوع دا؟ ولحد إمتى هنسيب الكائنات المتوحشة تتذرع بالدين وتستخدمه في إفتراس عقول واجساد ولادنا ومحدش يرجعها الغابة او يقضي عليها؟ لحد امتى هنفضل سايبين مفارخ الدواعش مفتوحة على مصراعيها تحت عنينا ومش بنواجهها؟
بتمنى من القائمين على مشروع حياة كريمة حصر هذه الكيانات وايجاد شكل بديل لتحفيظ أطفالنا القرآن على يد ناس متعلمة وبآلية تضمن سلامتهم وسلامة نفسيتهم. الجمهورية الجديدة مش ممكن تسمح ب"جوانتمو" للأطفال وكيانات مصغرة من "القاعدة" على أرض الكنانة.