الجدل الدائر حول أي تطور خاص بمياه النيل وقضية السد الاثيوبي أمر طبيعي، فالمسألة لا تحتمل الخطأ في الحسابات، وغلق صفحات الماضي يحتاج لجهد، وفتح آفاق التعاون للوصول الي الحل الذي يضمن مصلحة الجميع يحتاج لجهد أكبر. لكن جزءا من الجدل (وهو الأهم) يتعلق بإدارة هذا الملف الخطير من جانبنا، الرئيس السيسي وضع كل جهده لتجاوز اخطاء الماضي وتحقيق الاختراق المطلوب، لكن السؤال يبقي: من يدير هذا الملف بجانب رئيس الدولة؟!.. خاصة بعد التجارب المريرة السابقة، ومع وصولنا أخيرا الي ما كان ينبغي البدء به مبكرا.. وهو أننا امام ملف سياسي لا يديره الخبراء والموظفون في هذه الوزارة أو تلك، وإنما يدار علي أعلي مستوي في الدولة، وبنظرة شاملة وأفق سياسي ورؤية واضحة للموقف من كل جوانبه. من هنا نعود الي ما سبق ان اقترحناه أكثر من مرة بتكوين هيئة عليا أو مجلس تابع للرئاسة يتولي ملف مياه النيل، وربما يتسع للشأن الافريقي كله. مجلس يتعامل مع هذه القضايا باعتبارها قضايا أمن قومي، ويضم ممثلين للوزارات والهيئات المتصلة بالموضوع، ولكنه يضم أيضا القامات الكبيرة من خبراء  الري والسدود، ومن فقهاء القانون الدولي، ومن أصحاب الخبرات الواسعة في التعامل مع الشأن الافريقي مثل الاستاذ محمد فايق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان. مع فساد السياسات في فترات سابقة، فإن ترك هذا الملف الخطير في يد الموظفين (حتي لو كانوا وزراء!!). كان كارثيا، وايضا لا يعقل أن تكون لدينا هذه الخبرات العالمية في هذا الموضوع (سواء من الناحية الفنية أو القانونية) ثم نترك الرأي العام وهو لا يعرف من الذي يعاون الرئاسة في هذا الملف؟ وما هي كفاءتهم؟ وكيف نتفادي أخطاء ستكون كارثية اذا وقعت في هذا الملف الخطير؟! من ناحية أخري فإن وجود هذه الهيئة العليا سوف يضبط إيقاع كل المؤسسات والهيئات العامة والخاصة لتحقيق المصلحة الوطنية، ان استراتيجيتنا الجديدة تعتمد علي اقامة جسور من التعاون الوثيق في كل المجالات مع اثيوبيا وايضا مع السودان وكل دول حوض النيل، وفي رحلة الرئيس كان هناك حديث واسع عن الاستثمار والتجارة المتبادلة شارك فيه الرئيسان المصري والاثيوبي والمسئولون والمستثمرون ورجال الاعمال من الجانبين. وهنا ينبغي التذكر بأن التنمية لا تحتمل سلوكا جربناه سابقا وتذكره جيدا الدكتورة فايزة أبو النجا مستشار الرئيس للأمن القومي، فقد سبق أن أبرمت (وهي وزيرة للتعاون الدولي) اتفاقات ممتازة مع اثيوبيا في هذا المجال، فاذا بالبعض من مافيا استيراد اللحوم يتعاونون (للأسف الشديد) مع وزراء في حكومة هذا العهد لافساد الأمر واجهاض الاتفاقيات!! ادارة هذا الملف تستدعي أن يكون كل مشارك فيه (من الوزير الي مستورد اللحوم) علي وعي كامل بأنه في مهمة وطنية.