كنوز | مئوية الملكة «فريدة» التى أحبها الشعب

 الملكة فريدة يوم زفافها على الملك فاروق
الملكة فريدة يوم زفافها على الملك فاروق

فى الخامس من سبتمبر الجارى تكون جلالة الملكة السابقة فريدة قد أكملت العام المائة من ولادتها فى 5 سبتمبر عام 1921، ومن المؤسف أن الإعلام لم يحتف الاحتفاء الواجب بملكة مصر السابقة التى عشقها الشعب المصرى وارتبط بها ارتباطا لا يوصف، ترجمه فى الغضب العارم الذى جعله يغير من محبته للملك المحبوب وقتها «فاروق الأول» ملك مصر والسودان عندما أقدم على طلاقه منها وتزوج بعدها بالملكة « ناريمان»، فهبطت شعبيته وتأثرت كثيرا . 


تزوج الملك فاروق من الملكة فريدة واسمها الحقيقى « صافيناز ذو الفقار» وهو فى سن الثامنة عشرة فى 20 يناير عام 1938، وكانت هى فى سن السادسة عشرة، وكان الزواج حدثاً تاريخياً سعيداً لم تشهد مصر مثله.

وتجلت مظاهر الابتهاج على الشعب بمختلف طوائفه وطبقاته قبيل حفل عقد القرآن وبعده بعدة أيام، وقد عم السرور أنحاء القُطر المصرى وقصدت القاهرة وفود الأقاليم حتى امتلأت بهم الفنادق والدور والشوارع، والملكة فريدة هى كريمة صاحب السعادة يوسف باشا ذو الفقار وكيل محكمة الاستئناف المختلطة نجل على باشا ذو الفقار محافظ العاصمة السابق ابن يوسف بك رسمى أحد كبار ضباط الجيش المصرى فى عهد الخديوى إسماعيل.

ووالدتها زينب هانم ذو الفقار، كريمة محمد سعيد باشا الذى اختير رئيسا للوزراء أكثر من مرة واشترك قبل وفاته فى وزارة سعد باشا زغلول، وكان للملكة أخوان من الذكور هما سعيد وشريف، وكانت زينب هانم ذو الفقار وصيفة الملكة نازلى بالإضافة إلى أنها كانت صديقتها، وخالها هو المثّال الكبير محمود سعيد .


 ولدت الملكة فريدة فى الإسكندرية، وتلقت تعليمها الابتدائى بمدرسة « نوتردام دى سيون» الفرنسية فى حى الرمل، مما ساعدها على إتقان اللغة الفرنسية، وكانت تعتبر تلك المدرسة من المدارس المتميزة، وكان لها عدة هوايات خاصة الموسيقى وبارعة فى العزف على البيانو والصيد.

وقد عُرف عنها منذ الصغر ميلها إلى البساطة فى ثيابها وزينتها فكانت ترتدى ما هو أقرب إلى الحشمة وبعيداً عن الكُلفة، وكانت صافيناز ذو الفقارـ أو « فافيت « كما كانوا ينادونها باسم الدلع  ـ فتاة تتسم بطبع هادئ وخجول، ومن اختار لها اسم فريدة هو الملك فاروق بعد الزواج منها لكى يبدأ اسمها بحرف الفاء كما يبدأ اسمه بنفس الحرف، وذات يوم اصطحبتها أمها إلى القصر الملكى وهناك تعرَّفت على شقيقات الملك ورآها الملك فأعجب بها.

وشاركت صافيناز ذو الفقار فى الرحلة الملكية التى قام بها الملك فاروق ووالدته الملكة نازلى وأخواته إلى أوروبا عام 1937 وكانت الرحلة بداية العلاقة التى ربطت بين قلب الفتاة الصغيرة والملك الشاب، وحدث تقارب وتعاطف بينهما، وقد مهدت هذه الرحلة لصداقة متينة بينها والأميرات شقيقات الملك، وكانت فرصة للملك ليَطلع على صفات عروسه ويعرف ميزاتها، وذات أمسية من شهر أغسطس 1937 كان الملك بمصيفه بالإسكندرية فقصد بسيارته لسراى يوسف بك ذو الفقار واستقبلته كريمته الآنسة صافىيناز لأن والدها سافر إلى بورسعيد ليُبحر منها إلى لبنان.

وكانت والدتها قد ذهبت إلى سراى حسين صبرى باشا لتقضى سهرتها مع أسرته وعندما استقر المقام بالملك  راح يسأل الآنسة إن كانت تقبله زوجاً لها، فكانت المفاجأة التى جعلتها تحنى رأسها وقالت بصوت الخجل والسرور: « هذا شرف عظيم يا مولاى «، وصحبها الملك بسيارته إلى والدتها وأخبراها بما كان بينهما فذرفت من عينها دمعة الفرح وقالت : « نعمة من الله وشرف كبير يا مولاى «، وطلب الملك أن يظل أمر الخطبة سرا حتى يفاتح والد العروس عند عودته من السفر.

فاتصلت والدتها بحكمدار بوليس بورسعيد ليطلب إلى زوجها أن يَعدِل عن السفر وعاد إلى الإسكندرية ليتشرف بمقابلة الملك الذى طلب منه يد كريمته ثم أُعلنت الخطبة رسمياً، وقد ازداد حب الشعب للملك بعد زواجه من الملكة فريدة، إذ كان الشعب يقدر تلك الشخصية الرائعة والتى اعتقد أنها بالفعل خلقت لتكون ملكة.

وأنجبت الملكة فريدة من الملك فاروق ثلاث بنات هن الأميرة فريال والأميرة فوزية والأميرة فادية، وأحبها الشعب لبساطتها و تواضعها ومشاركاتها الدائمة مع أطفالها فى الأنشطة الخيرية والاجتماعية، وفى عام 1948 وقع الطلاق بين الملك فاروق والملكة فريدة، وكان لذلك الحدث تأثير سلبى على شعبيته بين أبناء الشعب، وبعد ثورة يوليو 1952 غادرت بنات الملكة فريدة مع والدهن إلى منفاه فى إيطاليا، وكانت تسافر لرؤيتهن بعد انتقالهن إلى سويسرا .

وعملت الملكة فريدة برسم اللوحات لتغطية نفقات معيشتها، وأقامت العديد من المعارض فى مدريد  وباريس والقاهرة وجنيف وتكساس، وظلت مقيمة فى مصر حتى عام 1963 سافرت بعدها إلى لبنان وسويسرا، وأقامت فى شقة صغيرة اشتراها لها شاه إيران السابق فى الشانزليزيه بباريس، وبانتهاء حكم الشاه انقطع عنها الدعم المادى، واضطرت لبيع شقتها، وعادت لمصر عام 1982، وقد توفاها الله بعد صراع مع مرض سرطان الدم ودفنت بالقاهرة فى 16 أكتوبر 1988. 


«كنوز»