يوميات الأخبار

زلزال أفغانستان.. عشرون عاماً للوراء

محمد بركات
محمد بركات

عشرون عاما مرت على زلزال «١١ سبتمبر ٢٠٠١»، الذى هز الدولة الأقوى بالعالم وأربك الدنيا كلها، وفتح الباب للتورط الأمريكي فى «أفغانستان».

قبل عشرين عاماً من الآن.. وفى مثل هذه الأيام من شهر سبتمبر عام ٢٠٠١ ،..، لم يكن أحد فى العالم كله من أدناه إلى أقصاه، يمكنه مهما اشتطت به الأفكار أو جنح به الخيال أن يتنبأ، بأن الدنيا كلها تقف على شفا زلزال ضخم سيهز أركانها جميعاً، ويحدث بها ما لم يخطر على بال أهلها من تداعيات، بعد ثلاثة أيام فقط.. أى فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١.

لم يكن أحد فى الولايات المتحدة الأمريكية، على امتداد واتساع ولاياتها الخمسين، ومعهم بلايين البشر فى كل القارات بامتداد واتساع العالم، يمكنه أن يتخيل أن الدولة الأقوى فى العالم ستتعرض بعد «٧٢ ساعة فقط» إلى هجوم كاسح ومدمر، لن تستطيع له منعاً أو صداً ،..، وأن هذا الهجوم سيطيح ويدمر برجى مركز التجارة العالمى ويحدث من الآثار والتبعات ما يفوق آثار وتبعات أكثر الزلازل شدة على مستوى العالم.

الصدمة والذهول!

وبالفعل لم تمض سوى ثلاثة أيام فقط، وجاء يوم الحادى عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ ويحدث فيه ما لم يكن متوقعاً على الإطلاق ،..، ووقف العالم منقسماً ما بين الذهول وعدم التصديق، لما يراه رؤية العين منقولا على الهواء عبر كل القنوات الفضائية.. ولكنه يصعب فهمه أو تصديقه أو استيعابه.

كان المشهد صادماً ومروعاً وخارجاً عن نطاق العقل والمنطق، كان اليوم الثلاثاء.. ومن شدة الهول الذى رآه الأمريكيون ومعهم العالم أجمع، يحدث أمامهم عبر الأثير أطلقوا عليه «الثلاثاء الأسود».. وصار الاسم علامة مسجلة لما جرى فى هذا اليوم من أحداث مهولة وغير مصدقة.

ففى هذا اليوم وقعت أحداث جسام لم تكن متخيلة الوقوع، حيث لم يكن أحد يتخيل أو يتصور انهيار برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، ولكنه حدث لتبدأ بسقوطه وانهياره حقبة جديدة وصفحة مختلفة من تاريخ أمريكا امتدت آثارها فوراً إلى العالم كله ،..، وخاصة الدول العربية والإسلامية التى نحن فى القلب منها.

فى هذا الحدث غير المتوقع ولا المتصور شاهد الأمريكيون ومعهم الدنيا كلها، عدداً من الطائرات المدنية المخصصة للركاب والسفر عبر بلاد العالم ومدنه وعواصمه، تصدم عامدة برجى مبنى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، وتقتحم المبنى بصورة مباشرة بعد الاصطدام، وتفجره ليصبح أثراً بعد عين فى لحظات.

تفجير مركز التجارة

وإذا ما حاولنا اليوم إلقاء نظرة فاحصة ومتأملة على ما حدث منذ عشرين عاماً، والتوقف بالبحث أمام ما جرى وما كان فى يوم الثلاثاء الأسود الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، سنجد أن أحداً لم يدرك فور رؤيته أو سماعه لهول الزلزال الذى تعرضت له الولايات المتحدة، قدر ومدى التغيير الجسيم الذى يوشك أن يطرأ على العالم كله، نتيجة هذا الزلزال الذى هز الدولة العظمى فى العالم وأصاب الدنيا كلها بالذهول.

ولن نجد أحداً قد أدرك وقتها وهو يشاهد تلك الصور الدراماتيكية، لانهيار برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، أنه يقف على أعتاب لحظة فارقة، تفصل ما بين تاريخين مختلفين هما ما قبل الحادى عشر من سبتمبر وما بعده.

وأحسب أن أحداً من العرب ونحن منهم، لم يطرأ على ذهنه وهو يتابع مبهوراً ما يجرى وسط أكبر مدينة أمريكية وأشهرها على الإطلاق، أن منطقة الشرق الأوسط التى نحن منها وفيها، ستكون أكثر المناطق تأثراً بتتابعات هذا الزلزال الهائل، والأكثر تعرضاً لآثاره المدمرة والفظيعة، وأن العرب والمسلمين بالذات، سيكونون هم المتهم الأول بارتكاب هذه الفعلة، وأنهم سيصيرون الهدف لكل انتقام.

وبالفعل لم يستطع أحد من المسلمين فى شرقنا الأوسط، أو غيره من بلدان المسلمين الممتدة من أفغانستان وباكستان وغيرهما من الدول الآسيوية، وصولا إلى المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، أن يفطن أو يتوقع ولو بالحدس والتخمين، لحظة اصطدام الطائرات ببرجى مركز التجارة العالمى، مدى المعاناة والاضطهاد الذى سيواجهونه فى أماكن كثيرة من العالم، نتيجة ما جرى فى صباح الثلاثاء الأسود الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١.

نظرية المؤامرة!

وفى تفسير ما حدث وما جرى هناك رؤى كثيرة وروايات عدة، ظهرت فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وغيرهما من الدول والقارات بامتداد العالم وعلى طول السنوات الممتدة منذ ٢٠٠١ وحتى الآن.

ورغم اختلاف التفسير وتعدد الرؤى وكثرة الروايات والاجتهادات، إلا أن الكل أجمع على أن أحداً فى الولايات المتحدة من عامة الناس، لم يكن يتخيل فى يوم من الأيام، رؤية أو مشاهدة أو معايشة ذلك الفزع الهائل والرعب الرهيب، الذى وقع على أرضه وفى أشهر مدينة فى بلاده، وأهم موقع فى هذه المدينة.

ولكن اللافت للانتباه بين كل هذه الرؤى وتلك الروايات والاجتهادات، وجود توجه ملحوظ لا يمكن إغفاله نحو الأخذ بنظرية المؤامرة فى تفسير ما جرى وما كان ،...، حيث نجد من يقول إن ما جرى قد تم بترتيب وتخطيط وإعداد الأجهزة ذات القوة والنفوذ، فى الدوائر الضيقة لقمة السلطة والحكم فى الإدارة الأمريكية، والتى رأت فى ذلك ضرورة لبدء مرحلة جديدة من سيطرة الولايات المتحدة على مقاليد العالم، ورسم خريطة جديدة لهذا العالم تخدم الولايات المتحدة وتحقق مصالحها، وتعزز هيمنتها على الشرق الأوسط والعالم الإسلامى، تحت مسمى محاربة الإرهاب، فى حين أنها هى التى اخترعت الحدث والواقعة، كى تخلق غول الإرهاب وتصدره إلى الدنيا كلها، ثم تعلن الحرب عليه وترفع شعار من ليس معنا فهو ضدنا.

ويقول أصحاب هذه الرؤية وذلك التفسير التآمرى للأحداث التى وقعت فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، إنه من أجل ذلك كانت هذه الأحداث ضرورة أمريكية لتحقيق الهدف، ولإعلان عن انطلاق غول الإرهاب مهدد العالم كله ،..، وهو ما يتطلب ضرورة إعلان الحرب عليه.

إعلان الحرب

وحتى ولو استبعدنا مؤقتا نظرية المؤامرة، رغم ما لها من قبول ملحوظ فى العالم كله فى وقتها، لوجدنا أن وقع الصدمة كان شديداً بالفعل على الشعب الأمريكى كله، وكذلك على شعوب العالم التى فوجئت وروعت بما حدث، واضطرت إلى تصديق الرؤية الأمريكية التى تؤكد أن غول الإرهاب هو المسئول، وأنه قد انفلت من عقاله وأصبح يهدد العالم كله.

ومع الصدمة وبعد الدهشة لم يجد الكل مناصاً من تصديق ما يراه ويسمعه، بعد انهيار مركز التجارة العالمى ببرجيه الضخمين، بما لهما من ثقل ومعنى اقتصادى كبير بالنسبة لأمريكا والعالم، وبعد محاولة ضرب مقر وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بطائرة ثالثة، بما يعنيه من ثقل عسكرى وأمنى ضخم بالنسبة لأمريكا ،..، وجد الجميع أنفسهم أمام واقع جديد يقول إن أمريكا تواجه حرباً شاملة وجديدة، حربا مع الإرهاب.

ومع إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب، ووسط العصبية والارتباك الذى ساد العالم كله، فى ظل الغيامات الكثيفة والسحب الداكنة التى غلفت الأحداث كلها، بدأت ملامح عالم جديد تلوح فى الأفق، وبدأت ظلال العالم الذى كان قائماً تذوى وتتوارى، بفعل ما جرى وما وقع فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، الذى أصبح علامة فارقة فى سجل العالم بصفة عامة، ومنطقة الشرق الأوسط والعالم العربى والإسلامى على وجه الخصوص.

القاعدة وبن لادن

وفى إطلالة متأنية على ما جرى وكان، وصولاً إلى ما هو قائم اليوم بعد الذى حدث فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، نجد أن الولايات المتحدة قد فتحت نيران الحرب على تنظيم القاعدة بقيادة «بن لادن» المختبئ فى أحد الكهوف الجبلية بأفغانستان، بعد أن اتهمت التنظيم بأنه المدبر والمنفذ للزلزال المدمر الذى هز أمريكا والعالم يوم الثلاثاء الأسود ،..، ولهذا وجب تدمير القاعدة وبن لادن حتى ولو تطلب الأمر تدمير أفغانستان نفسها.

ولكنها بعد أن فتحت باب الحرب لم تستطع إغلاقه طوال العشرين عاماً الماضية، إلا منذ عدة أيام فى الحادى والثلاثين من أغسطس الماضى، حيث انسحبت قواتها من أفغانستان فى مشهد بالغ الفوضى والمهانة لن يمحي بسهولة من ذاكرة العالم ولا أمريكا نفسها.

وخلال العشرين عاماً لم يقتصر الأمر على غزو وتدمير أفغانستان فقط، بل شنت أمريكا حرباً شعواء على العراق ودمرته تدميراً شاملاً بحجة كاذبة، وهى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل ورعايته للإرهاب، وهو ما ثبت عدم صحته على الإطلاق.

ولكن الدمار لم يتوقف عند حدود العراق، بل امتد ليشمل سوريا وليبيا واليمن، برعاية أمريكية واضحة تنفيذاً للشعار المخادع الذى أطلقته «الفوضى الخلاقة» كبشارة لقيام شرق أوسط جديد، يولد على أنقاض الدول القائمة بالمنطقة ،..، وهو ما رأينا مقدماته تحدث بالمنطقة، خلال العواصف والأعاصير التى اجتاحت المنطقة العربية، فى أحداث الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ ،...، وهو ما كان مقرراً له طبقاً للرؤية الأمريكية أن يحدث فى مصر، لولا عناية الله ويقظة شعب مصر وبطولة جيشها.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا