كلمة السر

أمانة نجيب محفوظ

أحمد الجمَّال
أحمد الجمَّال

فى مطلع عام 2001 وقع تحت يدى دليل أرقام تليفونات أعضاء اتحاد كتاب مصر، كان قد طُبِع وجرى توزيعه على الأعضاء. وجدتُ رقم الأستاذ نجيب محفوظ وقررتُ أن أتصل به لترتيب موعد لإجراء حوار صحفى معه. لم أكن أعلم هل سيوافق أم لا، خصوصاً أن السن تقدمت به، ففى نهاية ذلك العام سيطفئ شمعته التسعين.


غامرت واتصلت، فردت زوجته السيدة عطية الله إبراهيم، وأخبرتنى أن الأستاذ لديه ظروف صحية، وعلمت أنه يعانى مشكلات فى السمع والإبصار، بالتالى لا يجرى لقاءاتٍ صحفية، لكنها وبعد ضغطٍ منى وعدتنى بنقل رغبتى إليه، وظللتُ أكرِّر الاتصال على مدار أسابيع وشهور، وفى إحدى المرات قبل حلول عيد ميلاده فى 11 ديسمبر، وافق الأستاذ على إجراء الحوار.


تهيأتُ وذهبتُ إلى بيت نجيب محفوظ فى منطقة العجوزة، وأجريت حواراً نشرته صحيفة «المدينة المنورة» السعودية التى كنت أعمل بها وقتذاك.. كان حواراً ثرياً، أجاب فيه الرجل بكلمات قليلة على كل سؤال كنت أطرحه، لكن أكثر ما لفت نظرى هو أمانته فى كلمته، فحين سألته عن الجدل الدائر حول أحقية الأديب البريطانى فيديادر نيبول فى الفوز بحائزة نوبل التى حصدها فى ذلك العام، قال محفوظ إنه لم يقرأ له، وأن ظروفه الصحية تحول دون ذلك، وأضاف: «لم أعد قادراً على الحكم على الأشياء وأنا مطمئن لحكمى».


أعجبتنى أمانته، وهو الأديب الكبير صاحب نوبل الوحيدة فى الأدب على مستوى العالم العربى، وقتها أدركتُ أحد أسرار تفوقه وتميزه ونبوغ نصه ووصول رواياته إلى العالمية، إنها الأمانة فى كل شيء.. الأمانة التى تمنعه من ادعاء العلم بكل شىء.. الأمانة التى نقلت للدنيا أجواء الحارة المصرية التى تُعادِل العالم.