الصيف موسم رزق | «الكولمان» الفخار ينقذ «سوق القـــلل»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

ظلت «القلة» أيقونة فصل الصيف، حيث اعتاد المصريون منذ زمن بعيد على شرب الماء منها، واحتلت مكاناً مميزاً في شرفات المنازل سواء في الأرياف أو الأحياء الشعبية بالقاهرة، ولا يزال كثيرون يعتمدون عليها فى تبريد الماء والتخلص من شوائبه، ومع ظهور جائحة كورونا اختفت القلل التقليدية من الشوارع لكن ظهرت في تصميم جديد يحول دون انتشار العدوى، لتنافس بقوة مبردات الماء الحديثة التي تعمل بالكهرباء.

التقتينا بأحد العاملين بحرفة صناعة الفخار، وبعض المسئولين والمختصين في هذا المجال، لنتعرف إلى «القلل القناوي» تلك الصناعة التى اشتهرت بها محافظة قنا في صعيد مصر ومنها انتشرت في العديد من محافظات الجمهورية، ومدى إمكانية عودتها بقوة إلى البيوت المصرية مجدداً، مثلما كان الوضع سابقاً.

«الكولمان الفخاري».. أحدث الأواني الفخارية

يقول هاشم أبوسيد أحد العاملين بحرفة صناعة الفخار، إنه ورث مهنة تصنيع الخزف والفخار عن والده، حيث يعمل بها منذ نحو ثلاثين عاماً، حينما كان في الخامسة من عمره، وحاول أهله كثيرا أن يمنعوه عنها لكنه رفض لتعلقه الشديد بها، فهو عاصر كل مراحل تصنيع الفخار من تجهيز الطين والخلط والتخـمير والتجـفيف والحرق، وكانت «القلل» القناوي من أكثر المنتجات التى يصنعها والتى لا يزال هناك طلب كبير عليها من جانب المواطنين.

ويؤكد هاشم، أن جائحة كورونا تسببت في ركود سوق «القلل» بسبب الخوف من انتقال العدوى عند شرب أكثر من شخص من القلة نفسها، لكن عادت سريعاً للانتعاش مرة أخرى مع قدوم الصيف، وزاد الإقبال عليها من جديد لرغبة كثير من المواطنين فى الحصول على ماء بارد يروى العطش من دون أى يتسبب فى التهابات الحلق ونزلات البرد، وهذا ما تقدمه «القلة»، خاصة إذا تم وضعها فى شرفات المنازل لتعطى ماءً بارداً.

وساعد على ذلك ما حدث من تطوير وإبداع فى أشكال الأوانى الفخارية، والتغيير في شكل «القلة» وإنتاج ما يُعرف بـ«الكولمان الفخاري» الذي يشبه «الزير» لكنه صغير الحجم ليسع 10 لترات من الماء تقريبا، ومزود بصنبور ليسهل عملية الاستخدام ويمنع نقل العدوى الذى يخشاه الجميع، بالإضافة لتوافر مختلف الأحجام والأشكال وبأسعار مناسبة تبدأ من 5 جنيهات للحجم الصغير، وحتى 40 جنيها لـ«الكولمان».

وتابع هاشم، أن القلل معروفة منذ القدم ويعود تاريخها إلى أيام الحضارة الفرعونية منذ 7 آلاف عام، وظهر ذلك من خلال الرسومات والنقوشات الموجودة على الجدران والمعابد، وكانت تتميز فى البداية بالغطاء النحاسى الذى يعطيها مظهراً خاصاً، ثم بدأ يختفى مع مرور الوقت ويحل بدلا منه الغطاء الفخارى الذى يتناسب مع شكل «القلة» ويكون أقل فى التكلفة.

وأضاف صانع الفخار، أن «القلل القناوي» المتعارف عليها لدى المصريين، تُصنع من طين بحر أو طين الأرض فقط، أما الأخرى فيستخدم فى تصنيعها الطين الأسوانى الممزوج بطين البحر ليعطى شكلاً ديكورياً مميزاً.

وأوضح أن هناك مؤشرات تدل على أن ماء القلل الفخارية نقى جدا بشكل يضاهى الفلاتر الحديثة، فيلاحظ ظهور لون أبيض على الجسم الخارجى للفخار ليدل على تنقية الماء والتخلص من نسبة الأملاح الزائدة به، كما أن نوع الطين الجيد يجعل الفخار يخرج بعض الماء دوما ولكن بنسب معتدلة، أما إذا كان يتخلص بنسبة كبيرة من الماء فهذا يعنى أن هناك كسراً فى الوعاء ولا يصح استخدامه.

الصيف موسم القلل الفخارية

ويقول عبد الحميد محمد، إنه يعمل بمهنة تصنيع الفخار منذ أكثر من 60 عاما، فهو يعمل بها منذ أن كان طفلا ذا 8 سنوات، حتى أصبح لا يستطيع عمل أى مهنة غيرها، ويرى أن الفخار من المنتجات التى عليها إقبال طوال العام، لكن هناك بعض المواسم التى يزيد فيها الطلب على أنواع محددة منها. 

فدائما يزيد الإقبال في فصل الصيف على شراء القلل الفخارية والأزيار بمختلف الأحجام ومن مختلف الفئات والطبقات، لكن في باقي الفصول يكون الإقبال على القلل الديكورية وغيرها من أشكال الفخار التى تزين المنزل أو التى تستخدم كزهريات لوضع الورود بها. 

وأوضح أن صنع القلل في حد ذاته لا يستغرق وقتا كثيرا، وكل ما يتم هو عجن مسحوق الطين بالماء وتركه ليتخمر ثم تشكل به القلل في دقائق، ثم توضع لتحرق فى الفرن الكهربائى وتترك بعد ذلك فى الشمس لمدة من 10 - 15 يوما لتصبح جاهزة للبيع والاستخدام. 

تحتاج لدعم لتصدير للخارج

وفي السياق، أكد ممدوح الشربيني، نائب رئيس غرفة الحرف اليدوية، أن صناعة الفخار تحتاج لدعم مستمر لتظل موجودة وبما يساعد أيضاُ على تصدير كميات كبيرة من منتجات الخزف للخارج ومن بينها «القلل»، وأهم خمس دول تستورد هذه المنتجات من مصر هى ليبيا بقيمة 839.5 مليون دولار، والسعودية (291.8 مليون دولار)، والأردن (264.0 مليون دولار)، ولبنان (205.5 مليون دولار)، وألمانيا (200.2 مليون دولار)، وذلك فى الفترة ما بين عامى 2012 و2019، كما أن إجمالى حجم صادرات مصر سنويا من منتجات الخزف إلى جميع دول العالم 3.1 مليار دولار.

أقرأ أيضا: الصيف موسم رزق| رجال الثلج.. الحر ينعش مهنتهم

عادة قديمة متوارثة

ومن جانبها، أوضحت المهندسة رقية حسن، أخصائية علوم وتكنولوجيا الأغذية، أن الشرب فى الأوانى الفخارية عادة قديمة متوارثة، وثبت علمياً أن لها العديد من الفوائد على الصحة، حيث ثبت أن ماء الفخار نقي، لأن الفخار يرشِّح المعادن الثقيلة المعروفة بأضرارها، ويحافظ على المعادن الضرورية التى تعمل على تحسين الهضم.

كذلك فإن الأوانى الفخارية المصنوعة من الطين الذى يخلو من أى مواد كيميائية لا يؤثر فى عمل الغدد الصماء كما يحدث عند استخدام المواد البلاستيكية التى تمثل خطورة شديدة على الصحة.

وأضافت أن الفخار يمتلك شحنة سالبة تقتل الأحياء الدقيقة، تجعل الماء الموجود به آمناً على الصحة، كما يعمل على ترطيب الحلق، من دون إحداث صدمات كالتى تحدث عند شرب الماء المبرد بالثلاجة.

وستظل أعظم الفوائد التى تقدمها «القلة» أو الأوانى الفخارية، هي أن الماء المبرد بها ماء قلوى وليس حامضياً، ولذا فهو يتناسب مع طبيعة جسم الإنسان، والذي يكون سببا قويا في محاربة الشيخوخة والأمراض المزمنة، ويجعل خلايا الجسم مشبعة بالأكسجين فيقتل الميكروبات اللاهوائية ويحافظ على معدل حرق مثالى للجسم ويحارب السرطان.

أقرأ أيضا | الصيف موسم رزق| أشعة الشمس تشعل سوق النظارات