حكاية الرجل الغامض إلهامي باشا.. حين حاول عباس حلمي سلْب ولاية مصر

 إلهامى باشا طرف في خطة كادت تُغيّر ملامح تاريخ مصر الحديث
إلهامى باشا طرف في خطة كادت تُغيّر ملامح تاريخ مصر الحديث

في ظروف غامضة تم اغتيال عباس حلمي الأول عام 1854.. إنه حفيد محمد علي الذي تولى حُكم مصر باعتباره أكبر أفراد العائلة عُمرا.

 

تم التعامل مع الجريمة على أنها عملية انتقام، قام بها ضُباط غاضبون من الوالي، الذى أهانهم لإرضاء «غلام» جعله رئيسا عليهم! لكن البعض يُرجّحون أن هناك شبهة مؤامرة عائلية، فسلوك عباس العدائى زاد الفجوة مع أقاربه، وجعل البعض يختارون الرحيل من مصر، بالإضافة إلى أنه بدأ تدبير خطة لو نجحت كانت ستؤدى إلى تغيير تاريخنا الحديث، حيث سعى لأن يُصبح ابنه إبراهيم إلهامى هو خليفته، بدلا من سعيد ابن محمد علي، الذى يحل عليه الدوْر لأنه الأكبر بعد ابن أخيه عباس. لو نجح المُخطط لأصبحنا ندرس أن ولاية مصر انتقلت لحاكم اسمه إلهامي.

 

وبطبيعة الحال سيختفي سعيد وغالبا لم يكن حفر قناة السويس سيتحقق، وربما يتوارى أيضا اسم الخديو إسماعيل والخلاف الذى احتدم حول تقييمه! 

 

اقرأ أيضًا| «لازم يتحرقوا».. معارك الملك فاروق مع «أخبار اليوم»


عموما لن نغرق كثيرا فى الخيال، لأن« لو» تفتح عمل الشيطان، وتنفتح معها أبواب الخيال وتتعدد السيناريوهات المُحتملة. قضى اغتيال عباس على الخطة المُستهدفة والتاريخ البديل، وترك لنا سيناريو وحيدا مُعتمدا، ربما يذكر بعضكم قليلا من تفاصيل احتفظت بها الذاكرة، عبر مناهج دراسية عايشناها على مدى سنوات، واختفى منها ذكر أية مؤامرة، واكتفت المناهج بذكْر أن عباس مات، وتولى بعده عمه سعيد، ولم يرد أى ذكر لإلهامى الذى يُعد شخصية شديدة الغموض.


كان عباس قد بدأ يُعدّ ابنه لخلافته، بمنحه منصبا رفيعا هو ناظر الجهادية، المشابه حاليا لوزير الدفاع. حدث ذلك رغم صغر سنه، غير أن مقتل والده منعه من التمتع بمزايا منصب لم يقض فيه إلا شهورا قليلة، وفى صفحات التاريخ ظل حضور الابن المُدلّل باهتا، لا يتحكم فى مسارات الأمور بل صار مجرد لُعبة للمستفيدين منه.

 

عندما قُتل والده كان إلهامى فى رحلة لأوروبا، وعلى الفور حاول المقربون من الوالى القتيل استكمال مُخططه، عبر مؤامرة تهدف لتغيير مسار الأحداث المُفترض. أرسلوا لاستدعاء إلهامى من أوروبا بهدف تنصيبه، لكن معسكر سعيد باشا واجه الأمر سريعا، بعد أن وشى محافظ الإسكندرية بالمتآمرين. حاول أتباع عباس أن يكسبوا المحافظ فى صفهم، وطلبوا منه انتظار عودة إلهامى من أوروبا لتنصيبه، لكنه شعر بالقلق، وسارع بإبلاغ سعيد باشا الذى كان موجودا فى الإسكندرية وقتها، وعلى الفور جرتْ إجراءات تنصيبه فى قصر رأس التين وعاد مع مؤيديه للقاهرة، غير أنه فوجىء بالمُعسكر المُضاد يرفض دخوله مقر الحكم فى القلعة، انتظارا لوصول إلهامي. إنها محاولة لفرض مسار للأحداث يقوم على المواجهة، ووقتها ستحسم موازين القوى الأمر، وسط تحالفات تفرضها المصالح الشخصية.

 

على الفور اتجه إليهم الأمير أحمد رفعت حفيد محمد علي، وحذّرهم من عواقب تصديهم لعمه سعيد، وبعد مفاوضات انتهت الأزمة ودخل الوالى الجديد القلعة. « جملة اعتراضية: كان الأمير أحمد رفعت هو المرشح لولاية مصر بعد سعيد باشا، لأنه الأكبر سنا، لكنه توفى بعد أربع سنوات فى حادث يرى البعض أنه كان مُدبّرا، لأنه فتح الباب أمام الخديو إسماعيل، الذى كانت الولاية بعيدة عنه!». كان أول قرارات سعيد باشا موجها ضد إلهامي، الذى تبدو تفاصيل حياته غامضة. يرد اسمه فى عبارات قليلة تتعلق بمعاملات رسمية، لكن المفاجأة أن يتم العثور على معلومات أكثر نسبيا فى كتاب غير مُتوقّع، وهذا ما سوف نستعرضه فى الحلقة القادمة.