أوراق شخصية

الحقوق المصرية بين التحكيم والتقاضى

آمال عثمان
آمال عثمان

دعا رئيس البنك الدولى إثيوبيا إلى المحافظة على الحوار، والتعاون المشترك مع جيرانها بشأن تقسيم مياه النيل، وذلك من خلال تغريدة على موقع تويتر، اعتبرها الخبراء نوعاً من الضغط على إثيوبيا لصالح الموقف المصرى السودانى، والتلويح بورقة المساعدات من أعلى جهة فى العالم مختصة بقضايا المياه، ولكن يظل السؤال.. هل من حق مصر اللجوء لمحكمة العدل الدولية، للحفاظ على حصتها المائية فى نهر النيل؟ وما موقفها فى القضية؟ 
الواقع أن هناك حتمية أن يوافق أطراف النزاع على اللجوء إلى القضاء الدولى فى حالة التحكيم، وهو ما ترفضه إثيوبيا بشدة، إنما يظل حق مصر محفوظاً فى التقاضى، ولكن حكم المحكمة فى هذه الحالة غير ملزم للطرف الآخر، مثلما حدث مع قرار المحكمة بهدم الجدار الإسرائيلى العازل، إلا أنه يعضد موقفنا أمام الرأى العام العالمى، ويجعلنا فى موقف تفاوضى أقوى، كما يمكن الاستناد إليه فى أى تحركات مستقبلية، لذا علينا ترتيب أوراقنا والتمسك بالاتفاقيات والمعاهدات التى وقعتها مصر مع إثيوبيا والسودان، وبريطانيا مع إيطاليا كدولتين مستعمرتين منذ 1902 إلى 1959، وهذه الاتفاقيات والمعاهدات لا تلغى بالتقادم ولا تخضع للانتقائية، ولا يؤخذ منها ما يناسب مصالح دولة، وينكر ما يتعارض مع دولة أخرى!! 
والاتفاقيات والمعاهدات التى تم إبرامها أثناء الحقبة الاستعمارية، مازالت سارية طبقاً لمبدأ التوارث الدولى، وإذا كانت الاتفاقيات المرتبطة بتقنين الاستفادة من الأنهار المشتركة فى إفريقيا موروثة عن الاستعمار، فإن الأساس الذى بنيت عليه عملية ترسيم الحدود بين تلك الدول، هى ذاتها الموروثة عن الاستعمار، وهى التى منحت بمقتضاها السيادة لإثيوبيا على إقليم «بنى شنقول» الذى كان تابعاً للسودان، وهو المكان المقام فوقه السد الإثيوبى، وهذا ما أثار حفيظة الحبشة حين لوحت حكومة السودان بتلك الورقة!! 
وقد ورثت الدول الإفريقية تلك الاتفاقيات وأقرتها والتزمت بها، وعملت بمقتضاها لسنوات طويلة، مما يثبت القبول والرضا بمضامينها، كذلك نص ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية على قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار، منعاً لتفاقم الخلافات وتحولها إلى صراعات وحروب، رغم الأضرار التى وقعت على العديد من الدول مثل الصومال والمغرب. 
صحيح أن الحصول على إقرار مصرى بالحاجة الشديدة لمياه النيل من أجل السياسة التنموية فى إثيوبيا، واعتبارها واحداً من معايير تقاسم المياه، يخالف ما تمسكت به مصر طويلاً من معايير، كحجم السكان والالتزام بعدم تغيير خصائص المجرى الرئيسى للنهر.. لكن يظل الحل فى التعامل بثبات واستمرارية من خلال استراتيجية تفاوضية وقانونية تكشف الصلف الإثيوبى، وما يمكن أن يحدث من فوضى وتداعيات خطيرة، نتيجة لعدم الانصياع للقانون الدولى.