رفعت الجلسة | الجريمة الغامضة

الجريمة الغامضة
الجريمة الغامضة

أعلم من قتل أبى، من أطبق على رأسه بآلة حادة، من كتم أنفاسه، وألقاه على الأرض، يصارع الموت.


مازال المشهد أمام عينى، والدماء قد أغرقت وجهه، واستغاثاته الصامتة تلاحقنى كلما أدرت ظهرى للخلف لنسيان الماضى.

أتذكر تلك اللحظة الحزينة جيداً، كان يريد أن يحتضننى، يحاول أن يتحدث معى ولو لدقيقة واحدة قبل أن يغادر هذه الحياة.. لقد وضعوا أبى بين كماشة، استنزفوا حياته، وأصابوه بالأمراض الخبيثة، ثم استولوا على أمواله، وقتلوه، وبعدها ظهرت خيانتهم الكبرى التى كنت إحدى ضحاياها.

 

كان أبى مسئولاً كبيراً بإحدى الوزارات، وأمى موظفة بإحدى الهيئات، استطاع الاثنان من عملهما تحقيق ثروة كبيرة.


لم يمهلنا القدر كثيراً، مرضت والدتى بمرض خبيث، لم تستطع المقاومة، شهرين من جلسات العلاج الكيماوى، ثم فارقت الحياة.


بعدها بعام.. تقدم لى شاب فى نهاية الثلاثينيات كان يعمل مع والدتى فى نفس العمل، وافقت.


عشت مع زوجى حياة بائسة، كان يعاملنى بقسوة، يتعمد إهانتى، وضربى، اشتكيت إلى أبى، لكنه كان يقف دائماً فى صف زوجى، خاصة أنه يجمعهما تجارة واحدة، تحملت من أجل أن تمر الحياة 


بعد زواج شقيقتى الصغرى شهرين، تلقيت اتصالاً من والدى، طلب منى أن أحضر إلى منزله حالاً، ذهبت ووجدته جالساً مع شقيقتى، أخبرنا أنه تعرف على سيدة مغربية عبر الإنترنت، وأنه قرر الزواج بها.


أكد خلال حديثه، أن زوجى على علم بذلك وكان على تواصل بينهما، وهو من شجعه على الزواج بها بعد أن تأكد أنها سيدة فاضلة.


كاد الجنون يقتلني بعد قرار أبى، لم أحزن على عدم إخبار زوجى لى بهذه السيدة، لكن حزنت على نسيان أبى لوالدتى، تلك السيدة التى وقفت بجواره سنوات وسنوات.


أخبرت أبى برفضى زواجه من هذه السيدة، ذكرته بوالدتى، لكنه كان مصراً على الزواج منها.


حضرت السيدة المغربية وانعقد الزواج، وحتى لا يغضب أبى وافقت وأخبرته أن ما يهمنى هو سعادته، لكن ظهرت حقيقة هذه السيدة سريعاً، استطاعت أن تولد عداوة بينى وبينها، ورثت هذه الكراهية إلى أبى الذى تعمد إهانتى أكثر من مرة، وقام بطردى من المنزل بناء على طلب زوجته دون أى سبب، وتوالت بعدها  أسباب الطرد والإهانة، حتى حدثت الشقاق مع أبى.


قررت أن ابتعد كثيراً عن منزل أبى، أعرف أخباره من شقيقتى الصغرى ومن زوجى، حتى علمت بمرضه، وأنه بدأ فى تلقى جرعات الكيماوى من السرطان.


حاولت الوصول إليه، ذهبت إلى منزله، خرجت إلىَ زوجته المغربية، وأخبرتنى أن والدى يرفض رؤيتى.


بعد شهرين  تلقيت تليفوناً من شقيقتى تخبرنى أن والدى فى المستشفى يصارع الموت .


تركت كل ما فى يدى وتوجهت للمستشفى ، وهناك كانت الصدمة ، الدماء تغرق وجه أبى ، لايستطيع أن يتكلم ، لقد هزل جسده ،وأصابته الشيخوخة ، أصبح هيكلاً عظمياً ، لا يستطيع أن يفتح فاه ، كل ماكان يستطيع  فعله ،هو تحريك إصبع الإبهام إلى الأعلى وكأنه يستغيث بى .


اقتربت من أبى ، صرخت فى وجه الجميع ، ماكل هذه الدماء ؟ ، أبى يحتضر ، ماذا حدث ، أمسك زوجى يدى وأخبرنى بهدوء أن والدى سقط على الأرض واصطدمت رأسه بأحد المقاعد فى البيت .


لم أصدق هذه الرواية ، أبى يحتضر أمام عينى ، يريد أن يخبرنى بشيء ، اقتربت منه ، وأمسكت بيده ، لكنه كان يكتفى بالنظر إلىَ فقط ، تتحرك حدقة عينيه يميناً ويساراً ، أطبق على يدى بيده ، أراد أن يحرك شفتاه ليتكلم لكنه لم يستطع ، حاولت التحدث معه ، شجعته على الحديث ، طلبت منه أن يقول حقيقة ماحدث ، وأن يكشف عن السر الذى قد يودى بحياته ، لكنه لم يستطع النطق ، ظل مطبق يديه على يدى ، حتى أمسك بى زوجى ،وطلب منى أن أغادر الحجرة ، زاعماً أن الحديث فيه خطر على أبى ، رفضت كلامه وصرخت فى وجهه ، بعدها أحضرت زوجة..


أبى الأطباء والممرضين ،وقاموا بإخراجى عنوة من الحجرة .


دقائق وسمعت صراخ شقيقتى ، مات أبى ، فارق الحياة قبل أن يخبرنى بحقيقة ماحدث له ، 3سنوات لم أره إلا فى المستشفى ، ضعيفاً ، مريضاً ، عاجزاً عن الكلام ، يلتف حوله ذئاب ترتسم على وجوههم فرحة مكتومة لم أعرف سببها سوى الآن .


تحدثت مع زوجى ، أخبرته أننى أشك فى سبب وفاة أبى ، لا أصدق رواية زوجته المغربية ، هناك مكروه وقع فيه أبى أودى بحياته ، مازلت لا أصدق روايتها بأنه سقط على الأرض من تأثير جلسات العلاج الكيماوى ، وأتذكر جيداً أن شقيقتى أخبرتنى أن أبى يكون قوياً بعد الجلسات يتحدث ويذهب للعمل .
لكن زوجى كان له رأى آخر ، كثيراً ما دافع عن زوجة أبى ، وكثيراً ما كال لها المديح ، تعجبت من العلاقة بينهما، فزوجى لايغادر منزلها بعد وفاة أبى ، وكان يتحجج بإنهاء أوراق الميراث ..حتى وقعت الكارثة .


ذهبت إلى منزل زوجة أبى بصحبة شقيقتى للحصول على أوراق خاصة بنا فى الخزينة ، أخبرنى الجيران أن زوجى يأتى يومياً إلى هنا ، وأنهم يشكون بوجود علاقة بينه وبين زوجة أبى .


عدت أدراجى إلى المنزل ، انتظرت زوجى حتى عاد ، أخبرته بحقيقة ما يتحدث عنه الجيران ، أنكر كل ذلك ، لكن بعد أيام ، تلقيت اتصالاً من محامى العائلة ، أخبرنى أن أبى نقل كل أملاكه باسم زوجته المغربية قبل أسابيع من وفاته ،وأن زوجى على علم بذلك .


كاد الجنون يقتلنى ، تواصلت مع زوجى عبر الهاتف ، أخبرنى أن أبى هو من طلب ذلك بكامل إرادته ، وأوصاه ألا يخبر أحداً من عائلته، إلا بعد وفاته.
ساورنى الشك ، توجهت إلى المحامى وأقمت دعوى طعن على صحة أوراق نقل الملكية ،وقدمت ما يفيد أن أبى وقت كتابة هذه العقود كان مريضاً بالسرطان و تجاوز عمره السبعين عاماً ،وأن هناك شكوكاً حول وفاته .


تعجبت كثيراً من رفض زوجى كل خطواتى القانونية ، وعدم اهتمامه باستيلاء زوجة أبى على الميراث ، رغم أنه كان يحلم معى بالميراث الذى سأحصل عليه من أبى بعد عمر طويل .


بدأ فى إثارة المشاكل معى ، أخبرنى أنه لايريد مشاكل مع أحد ، وأن الخطوات التى اتخذتها تحرجه فى المحاكم ، صممت على خطواتى ، ارتفعت وتيرة المشاكل معه ، قام بضربى وإهانتى ، وكرر هذا الفعل أكثر من مرة ، حتى اضطررت إلى طلب الطلاق منه ، لكنه طلب إعطاءه مهلة للتفكير .


وسط هذه المشاكل تلقيت مكالمة من زوجة أبى ، أخبرتنى أنها تزوجت من زوجى ،وأنه سيسافر معها إلى المغرب بعد إنهاء كل الأوراق وبيع الأملاك .


جن جنونى ، واتصلت بزوجى وأكد صدق كلامها ، وخيرنى بين الطلاق أو الاستمرار على ذمته ، فاخترت الطلاق .


منذ يوم الانفصال، وأنا أعيش فى حيرة من أمرى ، أدرك أننى وأبى تعرضنا لخديعة كبرى ، وأن طليقى والأرملة ، رسما الخطة ،ونجحا فى الاستيلاء على كل الأملاك حتى الملايين التى فى البنك.

 

تصرفات مرض الموت.. «باطلة»

 

رسالة غامضة ، تحمل بصحبتها تقارير طبية وصوراً وفيديوهات لأشخاص لهم علاقة بتفاصيل الواقعة ،يصعب علىَ حل طلاسمها، فهى تحتاج إلى خبير أمنى لفك شفراتها ، وقانون للحكم على صحة الأوراق المرفقة بها، لكن الغريب فى الأمر ، أن صاحبة الرسالة لم تذكر أسمها.


د. منى طه عامر المحامية بالنقض قدمت لكِ سيدتى هذه الروشتة القانونية:


عليكٍ عزيزتى تقديم بلاغ للنيابة العامة يتضمن وجود شبهة جريمة بحق والدك..

ووقتها سيتم استخراج الجثه وتشريحها، وقبل هذه الخطوة، يجب أن تحصلى على تقرير من المستشفى بالحالة التى كان يعاني منها الوالد..

اما بالنسبة لكل الأملاك التى كتبها الأب باسم الزوجة، تعتبر بيوعا باطلة قانونا لأنها تمت وقت مرض الموت، ومعروف انه فى مرض الموت كل تصرفاتها القانونية تكون باطلة ،خاصة اذا ان المقصود منها حرمان الورثة من الميراث.