حوار| الروائية منى العساسى: قراءة الواقع الثقافي المصري ليست سهلة.. والمشهد غائم ومثقل ومكتظ بالصراعات

الروائية منى العساسى
الروائية منى العساسى

    
- الرواية المصرية تستحق أن تكون موجودة بالقائمة العالمية

- المبدعون ثروة مصر الحقيقة.. وتم استهلاكهم فى السعى خلف لقمة العيش

 


قارئة نهمة منذ الطفولة.. أحبت الأدب بشكل عام، والأدب الروائي بشكل خاص، تأثرت بعمق بما تقرأ.. وتمعن النظر في الحياة، وبكل ما يدور فيها من أحداث، ظلت تكتب ملاحظاتها على حواف الصفحات، وتطرح أسئلة حول النصوص، إلى أن كتبت أولى رواياتها «جبل التيه».. الروائية «منى العساسي» سيدة مصرية  قروية زوجة وأم لطفلين، ولدت وعاشت في إحد قرى محافظة الشرقية، وعشقتُ القراءة والكتابة منذ الصغر، هي واحدة من كثيرين أصابتهم لعنة عبث هذا الزمان، حتى وقت قصير جدا، رضيت بدور ربة الأسرة الذي فرضته عليها الحياة، الشئ الوحيد الذي لم تتخل عنه منذ صباها هو القراءة، وبدأت في كتابة الروايات.. فهى الروائيات الشابات المتميزات، قدمت 3 أعمال روائية في الفترة مابين 2018 حتى 2020 " وهم «نقش على خاصرة الياسمين» ورواية «جبل التيه»، و«ليالي الهدنة» وكلاهما صدر في 2020، وقريبا يصدر لها مجموعة قصصية قيد النشر.. وحول تجربتها الإبداعية ورأيها في العديد من القضايا الثقافية أجرت معها «بوابة أخبار اليوم» هذا الحوار..

كيف بدأت تجربتك الروائية؟

لا أستطيع أن أشير لنقطة بداية محددة انطلقت منها تجربتي، كنت قارئة نهمة منذ طفولتي، وأتذكر أول شيء كتبته كان في عمر الثماني سنوات «كانت أنشودة صغيرة لتحية العلم، كتبتها علي أخر ورقة بدفترالمدرسة، قدمتها لمدرسة الفصل، وأظنني وجدتها في آخر اليوم ملقاة أسفل كرسيها، لا أحد يعيرها اهتماما غيري.. احتفظت بها كأنشودة أولى في دفتر خواطرى حتى وقت قريب».
 ونشأت على حب الأدب بشكل عام، والأدب الروائي بشكل خاص، أتأثر بعمق بما أقرأ وأمعن النظر في الحياة، وبكل ما يدور فيها من أحداث أكتب ملاحظاتي على حواف الصفحات، أطرح أسئلتي حول النصوص، وأبدل مسار الأحداث وأغير مصائر الشخوص، إلى أن كتبت أولى رواياتي «جبل التيه»، التي بدأته ببنية واقعية تتناول القرية المصرية القديمة بكل ما يسيطر عليها من ميثولوجيا، من ثم أتبعت مخيلتي فصنعت نقلة «زمكانية»، قادتني للعالم الحالي، تناولت القرية الحديثة إبنة اللحظة الراهنة وأبطال من أبناء هذه اللحظة بكل ما يعانوه من اغتراب وعوز، من ثم «جبل التيه» المدينة الفاضلة التي انتصرت فيها للقيم العليا للعلم والقانون والعمل المشترك والديمقراطية والتسامح والإحترام والكفاءة.
أما في ليالي الهدنة فقد تبنيت الحديث عن ذات أنثوية تشعر طوال الوقت بالاغتراب والخزلان من الجميع، فالنص هو صرخة داخلية لتلك الذات الانثوية المأزومة، التي ترى  نفسها طوال الوقت ضحية يتم استغلالها بمنتهي الإمتهان من قبل مجتمع ذكوري، الأنثى فيه هي ذبيحة الخطيئة، أو ذاك التيس الذي يقرون فوق رأسه بذنوبهم، ثم يرسلوه محملا بها إلي البرية، ويتركونه هناك  وحيدا يلاقي مصيره في هذه الأرض المقفرة، يعد الرجل الخمسيني في هذا النص هو رمز للمجتمع الذكوري، ليصل النموذج إلي أعلى درجة من الشمولية والسقوط، فالنص هو علاقة حب بين سيدة شابة ورجل خمسينى، ظنته المخلص بعد أن خذلها الجميع، فلم تجد منه أيضا سوى السلبية والخذلان، فقتلته «قتلت المجتمع الذكوري بكامله»، قتله رمزية بشعة عبر مشهد مسرحي صاخب، حاولت أن أظهر فيه مدي التدمير والعنف الذي قد ينتج عن حالة الغليان والغضب مهما بلغ الانسان من ضعف، خرجت بعدها البطلة حرة تواجه العالم وحدها، متسلحة بذاتها، لتكون الحرية هي أعظم انجاز حصلت عليه.

 

 

ما هى أخر أعمالك الإبداعية؟

أعمل على مجموعة قصصية تتناول طابعا متمردا صارخا يبحث عن الحرية والعدالة الاجتماعية تتناول مشاهد من الريف المصري ونماذج متنوعة من البطلات من أعمار وأزمنة وظروف إجتماعية وإقتصادية وتعليمية مختلفة، قد تم نشر بعض القصص منها بالصحف مثل ستان أحمر التي جسدت نموذج زينب الزوجة المهملة المستكينة التي تتحمل إهمال زوجها لها وتجاهله لحقوقها لكي تربي أولادها فيعيش الزوج حياته ولا يتذكرها الا في لحظاتها موتها الأخيرة، وكما أن هناك زينب هناك رحاب الحفيدة المتمردة الساخطة على الوضع، والتي تثور على المجتمع الذكوري المستبد المتمثل في الجد جابر، وفي قصة مقبرة الأحلام التي انتصرت فيها للمرأة الطموحة الموهبة التي علقت الخولي رمز السلطة الذكورية علي مشنقة الواقع بإصرارها على تحقيق أحلامها وهناك قصة مسك الشهداء التي تحكي قصة أم فقدت ابنها شهيدا في الحرب ضد الارهاب كما تسلط الضوء على مشهد جديد من حياة المرأة المصرية وجوري مانكي التي تتناول أزمة الاغتراب والعنف الذي يمكن أن يتولد داخل النفس البشرية بسبب القهر المجتمعي مهما كانت الجنسية أو الثقافةأو الدين

أهم من تأثرت بهم من الكتاب؟

ليس هناك ثمة كاتب بعينه، فكل كتابة جيدة تترك أثرها، فنحن لا نعود بعد كل كتاب نقرأه كما كنا في السابق، كل شيء يتغير بالمعرفة، طريقة الادراك والتفكير الآراء والانتماءات، كما أن القراءة أحد أهم الاشياء التي تحرر الطاقة الخلاقة المبدعة وتصقلها، وهذا لا ينفي الأثر الكبير للعديد الكتاب العظام، أمثال فوكنر وماركيز ودستوفيسكي وبيكتوكا زنتزاكس وكولون ويلسون وغيرهم كثر.

ما رأيك في المشهد الثقافي في مصر؟

إن قراءة الواقع الثقافي المصري ليس بالشيء السهل فالمشهد يبدو سرياليا غائما ومثقلا بالكثير من الالتباسات، فهناك المؤسسة التي تقدم الكثير من الأنشطة والفاعليات الناجحة من خلال المجلس الأعلى للثقافة وما تقدمه هيئة قصور الثقافة على امتداد أقاليم مصر وكذلك الهيئة العامة للكتاب الذي يمثل معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة والذي انعقد في ظل جائحة كورونا العالمية أحد أهم نجاحاتها، من جانب أخر ربما يكون هناك نوع من البيروقراطية التي ينبغي تلافيها.
أما على نطاق الأنشطة الحرة التي يقوم بها المجتمع الثقافي فهناك الكثير من الصالونات والورش والملتقيات والندوات الأدبية والفنية التي يقوم بها العديد من المثقفين المرموقين الذين يبذلون ما في وسعهم لإثراء الحياة الثقافية وبالرغم من ذلك  فهناك ثمة عشوائية تبدد الكثير من هذه الجهود التي ربما تحتاج لما يشبه بروتوكول عمل مشترك ليجني ثمارهبينما في زاوية أخرى نجد بعض من عوالم المثقفين تتسم بكونها مكتظة بالصراعات السلبية المستهلكة بشلليتها وعلاقاتها المتكلسة المفتقرة للمساحة الاستيعابية لمختلف الآراء والحوار الواسع البناء بدلا من الانقسامات التي تصل الى حد التراشق بالتهم التي تشهدها وسائل التواصل.

 

 

ماذا يحتاج المبدع في مصر من مؤسسات الدولة الثقافية؟

المبدعون هم ثروة حقيقية إذا تم الاستثمار فيهم بشكل جيد، فالمبدعون مثلهم مثل كل فرد بالمجتمع لديهم حاجات أساسية، يجب أن يؤمنوها لأنفسهم، وهم مستهلكون في السعي خلف لقمة العيش لتأمين حياة كريمة لأسرهم، ربما هم بحاجة لاهتمام أكبر من قبل الدولة، فتوفر لهم حياة كريمة ليتمكنوا من الإبداع، وكما إننا نرتجي من الدولة تكثيف جهودها فيما يخص النشر فأحد أهم الطرق لكي يؤتي الإبداع ثماره، أن يصل إلى جمهوره الحقيقي، وأن ترعى بقوة النشر والتوزيع حتى تصل النصوص إلى جمهورها في مصر وفي الدول العربية. 

وما رأيك في حركة النقد في مصر وهل تساعد حقيقة في اثراء العمل الابداعي؟

في البداية ينبغي أن نلتفت إلى أن أزمة كورنا قد عطلت النشاط النقدي مما أدي إلي إنخفاض حاد في الحركة النقدية، وتوقف الكثير من الندوات والمنتديات، وبالرغم من ذلك فهناك في المشهد  العديد من النقاد المميزين الصادقين الذين يثرون الحركة الأدبية بجهودهم، ولكن من وجهة نظري ربما الإبداع النقدي بحاجة لتشمله المؤسسة بعين النظر، فنحن بحاحة إلي أن ينتقل الواقع النقدي من مجرد رؤى فرديه إلى مؤسسات نقديه وأكاديمية، قادرة على متابعة حركة الإبداع وتعود على النقاد بعائد مجزي يضمن لهم الحيادية وعدم التأثر، ليستطيعوا دعم وتدشين الموهوبين وفقا للجودة والجدارة.

أين الرواية المصرية من الرواية العربية؟

ربما السؤال الصحيح الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا كروائيين مصريين هو أين الرواية المصرية من الرواية العالمية، ففي ظني أن الأدب المصري يستحق أن يكن موجودا ضمن هذه القائمة، وهنا يأتي دور مهم يجب نسأل عنه هو كيف يصل أدبنا للعالم فنحن لدينا وفرة من الإنتاج الأدبي الذي يمكن غربلته بمصداقية وترجمته وتسويقه للعالم أجمع، فهناك نصوصمصرية هي بالفعل نصوص عالمية لكنها لا تعامل بالطريقة اللائقة التي تمكنها من الوصول للعالم وهي نصوص تستحق العالمية بجدارة لذا ربما عليا أن أشير إلى الدور الهام الذي يمكن أن تقوم به الدولة لرعاية هذه النصوص وإيصالها للعالم.

 

رأيك في تقرير الثقافة الذي أصدره اتحاد كتاب مصر في الفترة الاخيرة؟

لقد التحقت باتحاد الكتاب منذ وقت قريب كما أن وجودي خارج العاصمة لا يمكنني الإطلاع على الأحداث الجارية ، ولكني رغم ذلك بان النشاط العام لاتحاد الكتاب المصري بدور فعال مع احتياجات الكتاب المصريين ومن جهة أخري فإن المؤسسة الثقافية تلعب دور واسع النشاط في خدمة الثقافة.

رواياتك تنحاز بشدة للمرأة .. فلماذا التمرد على المجتمع الذكورى؟

نشأت فى قرية ريفية تتبع الزقازيق بالشرقية، وبشكل عام أوضاع المرأة الريفية على وجه الخصوص صعبة وسيئة فإن نصفتها القوانين في أخذ شيء من حقوقها يبقي الموروث «السوسيو – ديني» يطاردها ويبتزها ويقهرها ويسحق هويتها ووجودها لصالح المجتمع الذكوري الإبنوي الذي يدعم الأبناء الذكور على حساب الاناث, فحاولت تناول هذه القضية من منظور قضايا تعانى منها المرأة، لمحاولة تغيير النظرة الذكورية تجهاها، والانطلاق بها إلى آفاق تتسم ببعض الحرية.