«أحلام فترة النقاهة» لـ«محفوظ».. اهتزت وربت وأنبتت ثمارها

اديب نوبل نجيب محفوظ
اديب نوبل نجيب محفوظ

فى دراسة نقدية أعدها الأديب سيد الوكيل الروائي والناقد الأدبى ومؤسس موقع ذاكرة القصة القصيرة (صدى), إذا نظرنا إلى أحلام فترة النقاهة، سنرى أن الرغبة في سبر الواقع الداخلي للإنسان، الذي يتجاوب مع المعنى الواسع للواقعية الإنسانية، يتشكل في صور مختلفة، تومض على نحو غامض في ثنايا النص الإبداعي سردًا وشعرًا، وتصوفًا، وفلسفة.. إلخ.. لكنه ينتهي إلى شكل أدبي جديد ومستقل، بل ومتفرد بذاته في نهاية رحلة الجمال المباركة عند نجيب محفوظ ، إن النشاط الحلمي المتميز، يمكن أن يعتبر نوعًا من الإبداع في ذاته، إذا وسعنا تعريف الإبداع بما يستحق، كما أن الحلم من إبداع الحالم، وهو الذي يحدد حبكته كما يذهب إريك فورم.

ويقول الناقد الدكتور حمدى النورج أستاذ الأدب العربى، في وصف السرد الذي يسعى إلى تقديم الواقع الداخلي للإنسان “إننا نستقبل كل لحظة، بنية سردية جديدة، تسعى في صمت إلى كسر الحواجز بين الأنواع الأدبية، مع تفجير أنواع أدبية أخرى، وهي على النوع الروائي، أو القصصي، أو حتى تقنيات السردية الروائية التقليدية أكثر، فضلاً عن الطرق التقليدية في تصوير الشخصيات، وتصوير الزمان، والمكان، بل وتفتيت الحبكة والحكاية معًا، في وقت، يستوجب على القارئ ألا يهبط على النص المقدم له بمخططات ذهنية مسبقة، فيقرأ النص ويتلقاه طبقًا لنوع التخطيط المحفور في الذهنية.

وإذا كان سرد الأحلام يسعى إلى تصوير الواقع الداخلي للإنسان، وإذا كان الواقع الداخلي وثيق الصلة بالواقع الخارجي، فنحن لا يمكننا أن نعرف، إذا كان الحلم هو أصل الحقيقة، أم أن الحقيقة هي أصل الحلم؛ وعبر تاريخ الإنسان كانت الأحلام جزءًا من واقع الحياة اليومية، حتى أن قبائل الأشانتي كانت تعتقد بأنه يتوجب على الرجل، الذي حلم بأنه زنا بامرأة رجل آخر، أن يدفع له غرامة الزنا، أي أن الحلم هو وجود موازٍ للواقع الحقيقي. فإذا كان السرد في صورته الخالصة، يفيد من الواقع المعيش ويعود إليه، فما المانع في أن يعود إلى الواقع الداخلي، الذي نختبره ونراه في يقظتنا ونومنا؟ فمن ناحية، ثم اتفاق بين علماء الدماغ على ذاتية الأحلام، وارتباطها بواقع الحياة اليومية، ومن ناحية أخرى فإن الأحلام تأتي في نوبات مستمرة طوال وقت النوم (عشرون دقيقة، كل تسعين دقيقة) أي أن لدينا يوميًا ساعتين نتفرغ فيهما للتحديق في صندوقنا الأسود، عالمنا الداخلي.

 التحديق في الداخل أثناء الكتابة مختبر، ومجرب، ونتائجه الإبداعية تشيع في كثير من فنون الأدب، لكننا لم نلتفت إلى إمكانية انفراده بطبيعة الحلم، إلا مع نجيب محفوظ، ورغم ذلك فلدينا تجربة فريدة في هذا الصدد، سنشير إليها على نحو مفصل لاحقًا، وهي تجربة (أحلام سرية) للكاتب مصطفى بيومي، التي صدرت عام (1998م) في طبعة خاصة محدودة لم يقدر لها الانتشار، وهي رواية قصيرة تتألف من تسع وتسعين حلمًا.

في كتابه (عن طبيعة الحلم والإبداع) والذي نعتمد عليه، كونه الكتاب الأكثر إحاطة بتجربة (أحلام فترة النقاهة) من وجهة نظر خبير بالنفس الإنسانية، والإبداع الأدبي، وبشخص نجيب محفوظ معًا، يشير الدكتور يحي الرخاوي أستاذ الطب النفسى، صديق أديب نوبل وعضو شلة حرافيش محفوظ, إلى تتبعه لجذور الطبيعة الحُلمية في مجمل أدب نجيب محفوظ، مؤكدًا على أن مستويات الوعي عند نجيب محفوظ، ذات طبقات وثيقة الصلة ببعضها البعض، حتى لا يمكن فصلها، فهذا الفصل، يحرمنا من سيمفونية إبداعه المتداخلة. ومن ثم يشير إلى حضور تيار الوعي جنبًا إلى جنب مع الواقعية في كتاباته، وإن ظل على نحو محدود في سرده، لكنه كان ينمو مع الوقت، كما نرى في ليالي ألف ليلة، ورأيت فيما يرى النائم، وأصداء السيرة الذاتية، وإذا به يكتمل في أحلام فترة النقاهة؛ ليعلن عن هويته فنًا مستقلاً على غير مثال، يمكن أن نطلق عليه فن سرد الأحلام.

 كما يومئ الرخاوي، إلى أن تجربة الأحلام، اهتزت وربت، وأنبتت ثمارها، خلال الفترة التي انقطع فيها نجيب محفوظ عن الكتابة، أي فترة النقاهة التي عاشها بعد محاولة اغتياله الآثمة، وتعطلت حركة يده اليمنى عن الكتابة لست سنوات. ربما هذه الواقعة المؤلمة التي جاءت في نهاية رحلة أدبية مليئة بالنجاحات المبهرة، يمكن أن تكون أدخلت محفوظ في سحابة اكتئابية، فخاض رحلته الداخلية عبر بنيه حلميه، تسمح بفضاء سردي، جديرة برجل عاش حياته في السرد، وكان الرخاوي يتابعه فيها ليؤهله نفسيًا، ويدرب يده لتعود إلى الحياة، وكان أول ما خطت يداه على نحو شبه مكتمل، ذا طبيعة حلمية، قد يبدو الأمر أقرب إلى المعجزة، ولا مشاحة أن نتوقع المعجزات عندما يتعلق الأمر بنجيب محفوظ، لكنني أرنو إلى المغزى الأعمق في حكاية الدكتور الرخاوي، إن التجربة النفسية التي عاشها محفوظ بعد واقعة العدوان عليه، وتوقفه عن الكتابة، بوصفها طريقة للتحديق في الواقع المعيش، منحته الفرصة ليحدق في واقعه الداخلي.

وأذكر أنني مررت بشيء قريب من هذا، عندما أصبت بمشكلة في العمود الفقري، اضطرتني للرقود على ظهري عدة أشهر بلا حراك ولا فرصة للحياة غير نوم متكرر من أثر المسكنات، وفي هذه الأثناء، انبثقت أول نصوص (لمح البصر) ويبدو أن أحلام نجيب محفوظ كانت في وجداني رغم مرور سنوات عديدة بعد قراءتها، لكن النصوص الثلاثة الأولى التي كتبتها حينها، بدت عصية على التشكيل المميز لطبيعة الأحلام، مع قلق كبير من شبهة التقليد، فصرفت نظر عن الموضوع كله، حتى رأيت في منامي نجيب محفوظ وهو يجلس بين رفاقه على مقهى بترو بالإسكندرية، وكنت ممسكًا بواحدة من أصداف البحر، فأعطيتها له، وفرح بها. ونصيب هذا الحلم من الحقيقة كبير، فقد كنت في عام (1975م) جنديًا في قاعدة أبي قير البحرية، وكان من هواياتي جمع الأصداف، وأثناء وجودي بالإسكندرية سمعت عن جلست محفوظ ورفاقه التي يعقدونها كل يوم جمعة بمقهى (بترو) ذهبت مبكرًا إليه. وربما من قبيل المصادفة، أو من حسن حظ المبتدئين، أن أول من جاء إلى المقهى، كان نجيب محفوظ، وبعد بضع كلمات حذرة عرضت عليه أن اقرأ له قصة قصيرة جدًا فوافق، ثم أثنى عليها باقتضاب.

كانت هذه هي المرة الوحيدة التي إلتقيت فيها بمحفوظ وجها لوجه، لكنها كانت كافية لأعيد كتابة القصة مرات عديدة، وأتقدم بها في أول مسابقة للقصة القصيرة تنظمها القوات المسلحة، وقد أحرزت المركز الثاني. وأذكر أن يوسف السباعي كان وزيرًا للثقافة وقتها، وفيما هو يسلمني شهادة التقدير، همس في أذني أنه يرى قصتي تليق بالمركز الأول، لكن الجيش له تقاليده، فقد كان الفائز بالمركز الأول ضابطًا عاملاً فيما كنت جنديًا مجندًا. 

حررني الحلم بنجيب محفوظ من قلقي تجاه كتابة أحلام (لمح البصر) لكن يهمني التأكيد على أن كتابتي للحلم بنجيب محفوظ، الذي راودني أثناء مرضي، جاءت شيئًا مختلفًا عن الحلم نفسه، فأثناء الكتابة، نعيش حالة تداعيات لهمسات وأصوات بعيدة وخافتة، إذ تداخلت في كتابة الحلم أصداء التجربة الذاتية، وذكريات الحياة بالإسكندرية، فضلاً عن حرفية السارد، وفاعلية التخييل، وشعرية أحلام اليقظة. هكذا أدركت أن كتابة الأحلام، تجربة إبداعية، تخص كاتبها وحده.         

أذكر هذه الحكاية، لأن تصورنا أن نجيب محفوظ، كان يحلم ويسجل أحلامه، لا يقل بساطة عن اعتبار البعض أن أحلام فترة النقاهة، تهويمات رجل تائه في ضباب الشيخوخة، ولا مشاحة في أن كتابة الأحلام قد تبدأ بتهويمات، أو نغبشات كما يسميها نجيب محفوظ والعهدة على يحي الرخاوي، لكن إذا كان الحلم نفسه، مهمة اللاوعي، فإن كتابته، هي مهمة واعية بالدرجة الأولى، حيث يقوم العقل الخبير بطرائق السرد، بعملية استبدال فني، لتصوراتنا عن ماهية الحلم، وهذه العملية التي تتم أثناء الكتابة، تضع الحلم المكتوب في أقصى نقطة ممكنة عن حلم النوم، ومع الوقت، يستطيع كاتب الأحلام، أن يستنطق أحلام النوم في يقظته، لتصبح إبداعًا خالصًا، منسوجًا من مادة الحلم وآليات عمله.  

وإن للحلم بنية كلية مثل أي نص، تترابط علاماته فيما بينها. وفي هذا السياق، يرى (الرخاوي) في معرض قراءة الحلم رقم (4) من أحلام فترة النقاهة: «إن الأهم من البحث عن الرمز هنا وهناك، هو رصد هذه النهايات المفتوحة بشكل تشكيلي محرك لوعي المتلقي والشاهد في كلام يحيى الرخاوي» وأن التعامل مع  الأحلام المسرودة كتابةً، لا يكون بتفسيرها الرمزي فحسب كتفسيرنا لأحلام النوم، ولكنها قراءة تشمل كل طرائق وأساليب تشكيل الحلم، بوصفه نصًا أدبيًا.  

وعلى أية حال، فالتشابهات في موضوعات الأحلام لا تنفي ذاتيتها، نتيجة لتماهي المسافة بين الذاتي والموضوعي في الحلم. وهذا التماهي جزء مهم في تجربة الإبداع أيضًا، عندما يصبح موضوع النص مرادفًا لذات المبدع، ومن ثم يتمكن من التعبير عن ذاته في نفس الوقت الذي يعبر فيه عن موضوعه الواقعي.

مما سبق، نفهم أن الأحلام هي الممارسة الإنسانية الأقرب إلى تجربة الكتابة، وكأننا نكتب ذواتنا كل ليلة في الأحلام. وإذا كنا اعتدنا أن نحكي أحلامنا ونحاول تفسيرها، فهذا لقابليتها للحكي والتأويل، كأي تجربة واقعية معيشة. لهذا، ففكرة كتابة الأحلام ممكنة ومقبولة، ليس فقط لتوظيفها في العمل الأدبي، ولكنها يمكن أن تكون سردًا مستقلاً ومميزًا في حد ذاته، على نحو ما كتب نجيب محفوظ (أحلام فترة النقاهة) فأنتجت شكلها الخاص سواء في كثافتها ودلالتها الوامضة، أو في لغتها الرمزية المفتوحة على التجربة الإنسانية الشخصية والعامة في نفس الوقت، أو في طاقتها التخييلية المتجاوزة لحدود الواقع.

كما أن قراءة الأحلام مثل كتابتها، فهي من ناحية تنطق بتجارب إنسانية مشتركة، لكنها تبقي على الجزء الذاتي لكاتبها. وهذا الجزء الذاتي، هو الذي يعطيها قابلية التأويل المتعدد عند القراء، ويشملها بالسحر الذي قد نجده في النص الأدبي. فمثلاً، الكثير من قراء نجيب محفوظ استخدموا آلية الإسقاط على الواقع الاجتماعي لتفسير أحلام فترة النقاهة؛ ففي الحلم رقم (4) ثم من اعتبر أن شخصية الزعيم التي ظهرت في الحلم، تحيل إلى شخص جمال عبد الناصر، وهو تفسير مقبول ولكنه مباشر وضيق؛ أما الدكتور (يحي الرخاوي) الذي جمع بين خبرة عالم النفس والأديب، يدرك أن رمزية الحلم قد تمتد إلى زمن سحيق في الفكر الإنساني. فالزعيم يمكن أن يكون له بعد إنساني واسع لأسطورة البطل المنقذ، التي تتجلى في فكرة النبي، أو المهدي المنتظر، أو المسيح المخلِّص، كما يمكن وفقًا لآلية التمويه في الأحلام، أن يتماهى المسح المخلص، بالمسيخ الدجال، وفقًا للأسطورة أيضًا. أي أن الرمز قد يحمل المعنى ونقيضه، بفضل آلية التمويه التي يمارسها اللاوعي، على نحو ما رأيت في منامي، مقهى (بترو) متماهيًا مع التكية. 

أما الحلم فله سمات أكثر مرونة وتعقيدًا في نفس الوقت، حيث يلتبس بالوقائع والحقائق والأشكال المعينة، المرئية بالعين؛ لهذا قد تبدو بعض الأحلام منطقية ومتماسكة فيمكن تذكرها وحكيها، ومن ثم محاكاتها سردًا. لكن علماء النفس يعتقدون أن ما نتذكره من أحلامنا لا يمثل سوى نسبة ضئيلة جدًا، أي أن ما نحكيه من الحلم بعد استيقاظنا، ليس هو بالضبط ما حلمنا به، بل تداعياته، بتدخلات من الوعي، وخبرات لأحلام سابقة لنا أو لآخرين، ووقائع نكون طرفًا فيها، فضلاً مهاراتنا الخاصة في الحكي وتأويله، لهذا فحكي الحلم ممارسة إبداعية. أما كتابته، فهي إعادة إنتاج لرموزه وآلياته بشروط أدبية كاملة.

لكن عندما يصبح سرد الأحلام فنًا، نتمكن من السيطرة عليه، وإدارته وفق شروط أدبية، فلسنا في حاجة إلى أحلام النوم لنكتبها، بل يمكننا صناعة نص حلمي كاملاً عبر استنطاق اللاوعي، وتوظيف آليات إنتاج الأحلام. ولابد أن نجيب محفوظ في شيخوخته ونقاهته، لم يجلس ليتذكر كل هذا العدد من الأحلام ليكتبها، إنما هو أفاد من خبرته في استنطاق اللاوعي وتوظيف آليات الحلم، وتلك أساليب، وتقنيات، نراها في كثير من أعماله السابقة على أحلام فترة النقاهة، مكنته من اعتبار كتابة الحلم فنًا أدبيًا مستقلاً بذاته.        

وأحلام (فترة النقاهة) نجحت في أن تجعل كتابة الأحلام عملاً فنيًا مستقلاً في بنيته ولغته، يحقق مستويات من التعبير أكبر مما تتيحه القصة بانهماكها في الواقع اليومي والمعاش، فلم تعد تجربة وحيدة تخص نجيب محفوظ وحده، بقدر ما هي دعوة  للالتفات إلى أن كتابة الأحلام شكل سردي جديد، يقف على التخوم بين الأقصوصة في بنيتها المكثفة، والحلم في فضائه التخييلي، والشعر في فضائه اللغوي. إنها دعوة رائدة، لنكتب أحلامنا، كما كتبنا قصصنا، وقصائدنا.

أبرز 10 نصوص من عالم «أحلام فترة النقاهة»

حلم «5»

«أسير على غير هدى وبلا هدف ولكن صادفتنى مفاجأة لم تخطر لى فى خاطرى فصرت كلما وضعت قدمى فى شارع انقلب الشارع سيركا، اختفت جدرانه وأبنيته وسياراته والمارة وحل محل ذلك قبة هائلة بمقاعدها المتدرجة وحبالها الممدودة والمدلاة واراجيحها وأقفاص حيوانتها والممثلون والمبتكرون والرياضيون حتى البلياتشو، وشد ما دهشت وسررت وكدت أطير من الفرح، ولكن بالانتقال من شارع إلى شارع وبتكرار المعجزة مضى السرور يفتر والضجر يزحف حتى ضقت بالمشى والرؤية وتاقت نفسى للرجوع إلى مسكنى، ولكم فرحت حين لاح لى وجه الدنيا وامنت بمجىء الفرح. وفتحت الباب فإذا بالبلياتشو يستقبلنى مقهقها.

الحلم رقم «180»

«رايت أستاذي الشيخ مصطفى عبدالرازق – وهو شيخ الأزهر– وهو يهم بدخول الإدارة، فسارعت إليه ومددت يدي بالسلام، فصحبني معه ورأيت في الداخل حديقة كبيرة جميلة، فقال: إنه هو الذي أمر بغرسها، نصفها ورد بلدي والنصف الآخر ورد فرنجي، وهو يرجو أن يولد من الاثنين وردة جديدة كاملة في شكلها، طيبة في شذاها»

الحلم «192»

«هذه حديقة الحرية التي تروي أزهارها بدموع العاشقين، وأنا أتجول في جنباتها بين آهات الحب وهتاف المناضلين، وقد عاهدت نفسي على أن أزود النسيان عن الحب والنضال»

الحلم رقم «201»

«يا له من بهو عظيم، يتلألأ نورا ويتألق زخارفًا وألوانًا.. وجدتني فيه مع إخوتي وأخواتي وأعمامي وأخوالي وأبنائهم وبناتهم، ثم جاء أصدقاء الجمالية وأصدقاء العباسية والحرافيش وراحوا يغنون ويضحكون حتى بحت حناجرهم ،ويرقصون حتى كلت أقدامهم، ويتحابون حتى ذابت قلوبهم، والآن جميعهم يرقدون في مقابرهم مخلفين وراءهم صمتا ونذيرا بالنسيان، وسبحان من له الدوام»

الحلم رقم «350»

«رأيتني بين يدي أبي الهول ويغمرني اكتئاب وخوف من المجهول ولكني علي غير المتوقع وجدت عطفا من الشرق والغرب فشكرت وصليت وتمنيت أن يمن الله علي روحي بقطرة من الماء الصافي وعند ذاك عزفت الموسيقي لحن الطمانينة»

الحلم رقم «275»

«رأيتني أقابلها بعد أن تقدمنا في العمر وتجاوزنا فترة الحياء، فقالت لي إنها في مطلع شبابها تمنت أن تتزوج مني، وإنها أتاحت لي الفرص لكي ألتفت إليها، ولكنني كنت أمر بها كأني في غيبوبة.. وتذكرت أن الغيبوبة كانت غيبوبة الحب الأول، الذي وهبني من المسرات مثل النجوم، ومن الأحزان مثل السحب»

الحلم رقم «377»

«رأيتني استقبل المرحوم الأديب “ي” فعاتبني لأني لم أسأل عنه طوال غيبته، فاعتذرت بسوء صحتي وسألته عما فعل في تلك الغيبة الطويلة، فقال إنه كتب عشر قصص قصيرة هي أجمل قصص الحب في الأدب العربي، ورواية طويلة لا شك في أنها أعظم رواية عربية، ثم طلب مني أن أسمعه صوتي كما كنا نفعل قديما، فغنيت له، عشنا وشوفنا كتير واللي يعيش يشوف العجب»

الحلم رقم «440»

«رأيتني في ميدان بيت القاضي يوم الاحتفال بالمحمل وجاء المحمل يتهادى فوق الجمل ويسحب وراءه حاملات الكسوة الشريفة ويموج الميدان بالناس من جميع الأشكال والألوان ويهتفون بجميع اللغات بالحرية والعدل وحقوق الإنسان ويظلهم السلام والحب»

الحلم رقم «439»

«رأيتني وأنا أحلم برحلة بالعالم الآخر، في حديقة فيها أشجار وبساتين وأزهار وجداول لم أر مثل جمالها أبدا، ورأيت فيمن رأيت المعبودة “ع” والمحبوبة “ب” وسعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد، وكانوا ممن يسبحون في الجداول أو يطيرون بين الأغصان، وإذ بي أرجع إلى مدينتي العشوائية، ولكني سرعان ما اتفقت مع مكتب هندسي فأدخلنا الصرف الصحي والكهرباء والماء وجعلنا لنا سورا من الياسمين والفل وموقفا للمساكن وآخر للمدارس ومستشفى كبيرا ومسرحا عظيما ودارا للعرض السينمائي وآخر للفنون التشكيلية، وأنشأنا بيتهما جداول مائية وبساتين وحدائق وانبهر الناس بما نصنع، ولعلي الوحيد الذي شعر بالفارق العظيم بين الواقع وما حلمت به»