طالبان وإيران.. أعداء الأمس أصدقاء اليوم

قتلى الشيعة من الهزارة بأيدى طالبان
قتلى الشيعة من الهزارة بأيدى طالبان

أعدت الملف:  دينا توفيق

الصين وروسيا وإيران هى الدول الثلاث التى من المتوقع أن تكون من بين أول من يعترف بطالبان. فى حين أن مواقف بكين وموسكو مفهومة إلى حد ما، فقد أثيرت تساؤلات حول مدى سرعة احتضان إيران لعدو سابق كانت علاقتهما متوترة منذ التسعينيات، خاصة أن الرئيس الإيرانى «إبراهيم رئيسي» اكتفى بالإشارة إلى الإخفاق الأمريكى كفرصة لتحقيق السلام فى البلاد، دون الإشارة مباشرة إلى حركة طالبان فى دعوته الأطراف الأفغانية للعمل على تحقيق وفاق وطنى.
 

منذ سقوط كابول الأيام الماضية - وقبل ذلك بوقت طويل - درس المسئولون الإيرانيون طرق استغلال انتصار طالبان لتعزيز أهدافهم فى الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أنهم مازالوا قلقين بشأن مصير الشيعة الأفغان. ومنذ أن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب» العام الماضى عن خطط للانسحاب الكامل من أفغانستان، تسارعت اتصالات إيران مع طالبان وتجددت مرة أخرى خلال الأسابيع الأخيرة مع سيطرة طالبان السريعة على العديد من المدن الأفغانية. 


ووفقًا لوكالة «بلومبيرج» الأمريكية، مثل بقية العالم، تبحث إيران عن دلائل على كيف تنوى طالبان ممارسة السلطة فى أفغانستان. وكجارٍ مباشر، لديه خبرة قيمة فى التنقل فى الحكم السابق للحركة الأصولية. وعندما حكمت طالبان آخر مرة عام 2001، أدى قمعها للأقلية الشيعية فى أفغانستان إلى اشتعال الموقف بين الطرفين. وقبل ذلك، وفى ذروة الحرب الأهلية عام 1998 فى البلاد، اقتحمت طالبان مدينة «مزار الشريف» فى 8 أغسطس وقتلت 11 دبلوماسيًا إيرانيًا ما أدى إلى إشعال نزاع مسلح. تدفق اللاجئون والمخدرات عبر الحدود، ووجد الجهاديون السنة منزلاً أفغانياً بجوار نظام إيرانى يحتقرونه. وخلال العام ذاته، كادت إيران تخوض حربًا مع طالبان بعد سنوات من تسليح وتمويل الخصم المحلى للحركة، قوات المقاومة الأفغانية «التحالف الشمالى الأفغاني» بزعامة برهان الدين رباني» وقيادة «أحمد شاه مسعود»، وبعد أن سيطرت طالبان على مدينة «مزار شريف» وقُتل الدبلوماسيون الإيرانيون بعد حصار القنصلية فيها. وحتى أواخر عام 2015 ، كان المرشد الأعلى «على خامنئي» لايزال يشير إلى طالبان على أنها «مجموعة من المرتزقة المتعصبين الذين لا يعرفون شيئًا عن الإسلام أو الأعراف الدولية». وفى الهزارة، ارتكبت حركة طالبان السنية فظائع لا توصف ضد الشيعة. وسبق لوزير الخارجية الأمريكية السابق «مايك بومبيو» أن طالب طهران بإنهاء دعمها لطالبان فى أفغانستان، ووقف إيواء كبار قادة تنظيم «القاعدة». ومن هنا أدرك الجميع أن إيران على الرغم من عدائها الشديد لطالبان التى اعتبرتها خصماً منذ عام 1996 وحتى 2001؛ جمعها مع الحركة السنية عامل واحد مشترك- هو العداء تجاه الولايات المتحدة بعد أن أطاح الجيش الأمريكى بطالبان، طورت إيران علاقات سرية مع الحركة لمواجهة نفوذ واشنطن. واتهم مسئولون فى الحكومة الأفغانية وقتها طهران بتزويد التمرد بالمال والسلاح. وعلى مدى سنوات، استمرت إيران فى تمويل متمردى طالبان، وفقًا لمسئولين أمريكيين، مما شكل رابطة غير قوية ولكنها مرنة بين القادة الشيعة فى طهران والجماعة الأصولية السنية الشرسة المتمردة فى أفغانستان. 


إن فهم زواج المصالح الإيرانى يعنى فهم العلاقات المتقلبة بين الجمهورية الإسلامية وأفغانستان، والمعالم المعقدة لسياسات آسيا الوسطى. وبحسب ما نشرته مجلة «ذى ويك» الأمريكية، نقلًا عن أستاذ العلوم السياسية فى جامعة جنوب فلوريدا «محسن ميلاني»، أنشأت إيران «مناطق نفوذ» داخل أفغانستان، خلال الاحتلال السوفيتى (1979-1988)، ومجال نفوذ أيديولوجى من خلال تمكين الشيعة، ومجال نفوذ سياسى بتوحيد الأقليات الناطقة باللغة الدارية/الفارسية، التى صعدت بعد ذلك إلى السلطة. وكانت السياسات الإيرانية بمثابة الوقود إلى الحرب الأهلية الشرسة فى التسعينيات. وحتى أواخر التسعينيات، ساعدت إيران فى إنشاء مجال للمقاومة لمواجهة محور كابول وإسلام أباد من خلال دعم التحالف الشمالي.


وتعتمد إيران الآن على تلك السنوات لتصل إلى شكل من أشكال التوافق مع الواقع الجديد؛ إن أولويات إيران الرئيسية متعددة الجوانب، الأول هو ضمان بقاء العلاقات الأمنية والاقتصادية قوية - إيران وأفغانستان شريكان تجاريان مهمان، والعمل كنقطة ارتكاز للتجارة عبر آسيا الوسطى- بمنع نزوح أى عناصر أخرى مزعزعة للاستقرار عبر الحدود التى يبلغ طولها 900 كيلومتر، خاصة تنظيم الدولة الإسلامية، واحتواء التهديد الذى يشكله جيل جديد من المسلحين المنتمين إلى الدولة الإسلامية، وحماية تجارة طهران المتنامية مع أفغانستان حيث لايزال اقتصادها يخنقه العقوبات الأمريكية. وتخشى طهران من أن تؤوى طالبان مجموعة من المتمردين والإرهابيين الذين يتسببون فى اضطرابات فى مناطق مثل سيستان وبلوشستان؛ هناك مؤشرات على أن طالبان مستعدة للعب الكرة مع إيران بشأن هذه القضية. 


ووفقًا للوكالة الأمريكية، من المتوقع أن يكون المسئولان الأساسيان لنهج إيران المستقبلى تجاه عودة طالبان إلى الظهور هو خليفة جواد ظريف، المحارب المخضرم فى وزارة الخارجية «حسين أمير عبد اللهيان»، والجنرال «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإسلامي.