فى الصميم

إشارات الخطر من «مجتمع الساحل»!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

ليس جديداً هذا السيل من حكايات مجتمع الساحل الشمالي. الظاهرة موجودة منذ سنوات طويلة حيث تحول الصيف عند فئة من المجتمع.. إلى موسم لاستعراض الثراء وللتصرفات الجامحة والمستفزة، بدلا من أن يكون استراحة نستعيد فيها الهدوء ونجدد النشاط، لنعود ونحن أكثر استعداداً للعمل والانتاج.
ربما يكون «العيار الفالت» أكثر وضوحاً هذا العام، خاصة مع نسيان أو تناسى أن هناك «كورونا» مازالت تهددنا وتهدد العالم «!!» وربما تكون المفارقة صارخة بين ما تتباهى به هذه الفئة وبين حياة غالبية المجتمع.. لكن علينا أن نتذكر دائما الحقيقة الأهم وهى أن هذه الفئة لم تهبط على حياتنا من المجهول، وإنما هى جزء أساسى من نسيج المجتمع، قد لا تظهر بصورتها الكاملة وسط مائة مليون مصرى تتوزع بينهم، لكنها حين تتجمع فى الساحل وتمارس حياتها هناك، تعطينا «لقطة مكبرة» تقول الكثير لكل من يمعن النظر فيها!!
مجتمع الساحل موجود بيننا فى كل أنحاء مصر، هناك فئة قليلة تعرف الطريق السهل لكسب الأموال الكثيرة. فئة تختلف عن الرأسماليين المنتجين الذين يعرفون دورهم فى المجتمع، ويجدون سعادتهم مع كل فرصة عمل يخلقونها وكل ماكينة تدور فى مصانعهم، وتحكمهم على الدوام ثقافة الانتاج والعمل، ويظلون على الدوام يعيشون داخل مجتمع طبيعى لا يتباهون بالثراء ولا يسعون إلى إظهار التميز فى كل ما هو غريب ولو كان هابطا ومستفزاً وبعيداً عن الشعور بأى مسئولية شخصية أو مجتمعية!
المشكلة هنا أن هذه الفئة لا تصدر للمجتمع فقط عمق الفوارق بين الثراء السهل وبين المعيشة الصعبة، وإنما تصدر أيضا حالة من البؤس الثقافى ومن غياب الوعى بأن ما يحمى المجتمع هو نفسه ما يحميك شخصياً!
أكثر ما يزعج حقا فى ظاهرة الساحل هو أنها تقدم صورة تستفز المجتمع لفئة لا تقدم أى مبرر للثراء ولا أى مقومات حقيقية للنجاح. فئة تتبارى فى استعراض الثراء وفقر الثقافة وقلة الوعي. فئة تدفع الآلاف لدعم الانتقال من غناء حليم إلى ضجيج حموبيكا «!!» فئة لا تقرأ وربما لا تكتب، لكنها - والحمد لله - ترطن ببضع كلمات  أجنبية وبالكثير من تفاهة الأدعياء!
«مجتمع الساحل» تجسيد لواقع لابد من دراسته علمياً باعتباره كاشفا لما يمكن أن يؤدى إليه الخلل فى توزيع الثروات، وسنوات من سيادة الفهلوة  والشطارة بدلاً من العلم والعمل، والتراجع الخطر للطبقة الوسطى صانعة التقدم ورمانة الميزان فى المجتمع.
لو نظر مجتمع الساحل حوله، لأدرك أن هذا الخلل لا يمكن ان يستمر طويلاً. المشكلة هنا أنهم مازالوا لا يدركون!!