ورقة وقلم

كوليرا الاحتلال.. وطاعون الجماعات المتأسلمة!

ياسر رزق
ياسر رزق

لعل اعتراف بايدن بأن القوات الأمريكية لم تذهب إلى أفغانستان (وبالطبع غيرها) من أجل بناء دولة، هو شوكة تفقأ عين المبشرين بجنة موعودة على أيدى الغزاة

 

الخيار بين الكوليرا والطاعون، هو فى واقع الأمر اختيار للموت.


دائما هناك خيار ثالث، لاسيما أمام الشعوب.


فليس معنى أنك ترفض الاحتلال، أنك تؤيد حكم الفاشية تحت أى مسمى ولو كان الدين.


وليس معنى أنك كنت تعارض فرض حكم أقلية مسلحة، متسلحة بمفاهيم جعلت من الإسلام - دين التقدم وإحكام العقل،- مرادفا للقتل والخراب وتصدير الإرهاب، أنك تقبل بالتدخل الأجنبى، والغزو الخارجى لدولة وتحطيم مقدرات شعبها.


هذا الكلام أظنه ضروريا ونحن نتكلم عما جرى فى أفغانستان، الدولة التى غدر بها الجميع..!


< < <


لا أدعى أننى أتحدث باسم الرأى العام العربى فى مجمله.


لكنى استشف مما أطالع عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، شعورا مختلطا لدى قطاعات لا بأس بها من الرأى العام، يمتزج فيه البهجة بالفرار المخزى للقوات الأمريكية، بالقلق من استيلاء حركة طالبان على العاصمة، بسرعة مذهلة لم تجر على مخاطر أحد، بما فى ذلك تقديرات قيادات البنتاجون والمخابرات المركزية الأمريكية، وفقا لاعتراف الرئيس جو بايدن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلى.


أما البهجة فسببها ما جرى على يد الإدارات الأمريكية من تخريب وتدمير، لدول منطقة الشرق الأوسط على اتساعها من العراق إلى أفغانستان إلى دول الربيع العربى التى كانت مسرحا للعبة أمم أمريكية، وكأنها «بازل»، يتم تفكيكه وإعادة تركيبه ليرسم صورا وأشكالا وخرائط مختلفة.!


وأما القلق فمبعثه أن تتحول أفغانستان إلى ملتقى لجماعات الإرهاب المتأسلم من كل حدب وصوب، ومركز لتصدير الإرهاب إلى الدول، والشعوب التى ترفض الفاشية الدينية.


عن نفسى لست قلقا..!


فالإرهاب كان يأتى من أفغانستان فى ظل الاحتلال الأمريكى - وربما بمباركته- إلى مناطق شتى فى العالم العربى خاصة دول الأزمات والحروب الأهلية، بل الثابت أن العناصر الإرهابية التى أتت من الشرق والغرب إلى العراق وسوريا، ولقيت الهزيمة فى العراق، كانت تنقل بمعرفة القوات الأمريكية ووكلائها إلى المناطق الرخوة فى السواحل العربية المنكشفة، لتنطلق منها إلى دول عربية مجاورة بالأخص مصر، لزعزعة استقرارها، بعدما عطلت مخططات التقسيم والتفكيك.


ومع ذلك.. استطاعت الدولة المصرية الصمود، ثم استجمعت قواها ونجحت فى تحطيم العمود الفقرى لجماعات الإرهاب وشل جهازها العصبى وتمزيق أوصالها واحتواء ما تبقى من جيوب وفلول والعمل على تصفيتها.


< < <


الحركات المتأسلمة السياسية والميليشيات الدينية المسلحة، هى صنيعة قوى الغزو والعدوان، وأداة تحقيق مصالحها، فى هذه المنطقة البائسة.


جماعة الإخوان، تعهدها الاحتلال البريطانى بالرعاية منذ مولدها فى مصر،  لمواجهة الحركة الوطنية المدنية المقاومة للاحتلال.


الجماعات المسلحة المتأسلمة فى أفغانستان، هى ربيبة الولايات المتحدة، التى أمدتها بالسلاح ووسائل الإسناد، لمقاومة الغزو السوفييتى منذ عام ١٩٧٩، فى مناخ الحرب الباردة، وانتقاما من الدعم السوفييتى لفيتنام الشمالية فى مواجهة العدوان الأمريكى.


تنظيم القاعدة وتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية فى العراق والشام، أو «داعش»، كانت نشأتهما برعاية أمريكية، كوكيلين لها فى تنفيذ سياستها الخارجية عبر أداة إرهابية عابرة للدول.


أما وصول الإخوان إلى السلطة م

ن تونس، إلى مصر، فى عواصف الربيع العربى، فكان بدعم سياسى أمريكي، بدأ بزعزعة الأنظمة الحاكمة، وتقديم الجماعة إعلاميا على أنها وجه إسلامى معتدل يلقى قبولا فى الشارع، ظنا بأن جماعة الإخوان تستطيع أن تبيع للرأى العام العربي، تسوية سلمية إسرائيلية الصنع، لا تعبأ فيها بالتفريط فى التراب المصرى والفلسطينى تحت مسمى «تبادل الأراضى»..!


لذا فإن دروس التاريخ والقراءة المتعمقة لمجريات الحاضر وربط الأحداث بجذورها، تدعونا إلى عدم الأخذ بظواهر الأمور والظن بأن الحركات المتأسلمة هى نقيض للاحتلال الأجنبى، بل حتى فى فلسطين المحتلة تبدو أصابع إسرائيل وراء صنع بعض الجماعات التى تناهض الاحتلال فى الظاهر بينما ممارساتها تتركز على إلحاق الضرر بالقضية الفلسطينية وداعميها خارج الأرض المحتلة..!


< < <


ثمة حقائق تأكدت مما جرى فى أفغانستان خلال الأيام القليلة الماضية، وثمة مشاهد تداعت إلى الذاكرة، كلها أفضت إلى ما صار أشبه بالمسلمات فى الشئون العسكرية والعلاقات الدولية.


أولا: الأرض تدافع عن نفسها مع البشر بتضاريسها وأجوائها، لذا تحطمت فى جبال أفغانستان الوعرة قوات الاحتلال البريطانى فيما سمى بـ«حرب الشتاء المهين»، فى القرن التاسع عشر، وانكسر الجيش السوفييتى الرهيب فى عملية غزو واحتلال أفغانستان (١٩٧٩- ١٩٨٩)، وكانت الهزيمة أحد أسباب تفكك الاتحاد السوفييتى بعد عامين فقط من الانسحاب، وأخيرا.. لقيت الولايات المتحدة الهزيمة وانسحبت انسحابا مهينا بعد ٢٠ عاما من غزو أفغانستان، بدعوى ملاحقة تنظيم القاعدة «المسئول عن أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١».


ثانيا: سقط الادعاء الكاذب بأن القوات الأمريكية تغزو الدول الأخرى من أجل إسقاط النظم المستبدة ونشر الديمقراطية، ولعل اعتراف الرئيس بايدن بأن

الولايات المتحدة لم تذهب إلى أفغانستان (وبالطبع غيرها) لبناء دولة، شوكة تفقأ أعين وتخرق آذان أولئك المبشرين بالجنة الموعودة على أيدى الأمريكان.
ثالثا: السياسة الأمريكية لم توفر أبدا غطاء للذين تعروا من الوطنية فى كل التجارب التى شهدها العالم على مدار نصف قرن على الأقل، بدءا من فيتنام الجنوبية، مرورا بنظام الشاه فى إيران. ودعاة الغزو الأمريكى فى العراق، وحتى ما جرى أخيرا فى أفغانستان.


ولعل صورة الطائرة الهليكوبتر التى تحلق هاربة بركابها الأمريكيين من فوق السفارة الأمريكية فى سايجون عاصمة ما كان يسمى بفيتنام الجنوبية عام ١٩٧٥ استنسخت منها صورة فرار الهليكوبتر من فوق السفارة الأمريكية فى كابول منذ أيام.


أى أن المتدثر بالاحتلال الأجنبى فى وطنه، لا يجد منه غطاء يستر عورة الخيانة، فالغازى يرحب بمن يتعاون معه، لكنه يشمئز منه ويحتقر خيانته..!


رابعا: ليس من حق أحد فى الولايات المتحدة أن يحاضر دول العالم فى مسألة حقوق الإنسان، ولا أن يدس أنفه فى شئون الدول الأخرى بدعوى الدفاع عن حقوق مواطنيها، 


فالولايات المتحدة هى أكبر منتهك لحقوق الأفراد والشعوب التى غزت دولها بدعوى مقاومة الشيوعية كفيتنام وبذرائع ملفقة مثلما حدث للعراق وبادعاءات لم تثبت صحتها كما جرى فى أفغانستان.


وربما مشهد تعلق مواطنين أفغان ينشدون الهروب من كابول بعد دخول قوات طالبان، بأجنحة الطائرات الأمريكية وهى تستعد للإقلاع بعدما أغلقت أبوابها دونهم، ثم سقوطهم منها وهى تحلق فى السماء، فى منظر مفزع، يكشف مدى احترام الولايات المتحدة لأبسط حق للانسان وهو الحياة.


ولعل هذا المشهد الذى أذاعته محطات التليفزيون بعدما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعى، هو شذرة من جملة مشاهد لم يكتب لها التصوير والبث..!


خامسا: الاحتفاظ بقوام الدولة الوطنية، وتماسك الكتلة المدنية الديمقراطية التى لاتخاصم الدين بل تحسن فهمه بأكثر مما تدعى الجماعات المتأسلمة لنفسها، مع بناء الجيوش الوطنية غير الطائفية وغير الجهوية وغير الفئوية، كلها حجر الزاوية فى صون استقلال الدول، وسيفها فى ردع التدخلات الأجنبية، وضرب جماعات الإرهاب، ومنع جماعات التخريب السياسى المتأسلمة، وأعنى بها جماعة الإخوان المسلمين والجماعات التى ولدت من رحمها، من اقتناص السلطة.
وماحدث فى مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو وفى ظل نظامها الوطنى، نموذج حى ودليل دامغ على صحة ما أقول.


< < <


لعل شعوبنا العربية قد أخذت العظة مما جرى بها ويجرى من حولها، ولعل الإدارات الأمريكية الآتية تكون قد استوعبت آخر الدروس فى أفغانستان. 
الأحداث التى مرت بالمنطقة على مدار ٣ عقود، بالأخص فى السنوات العشر الأخيرة، تدعونا الى توجيه التحية إلى جيشنا الوطنى القوى الباسل وقائده الأعلى الرئيس السيسى.
 

سن القلم 

 

 الإنصاف يقتضى، أن أوجه التحية للدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، الذى وقف صامدا يدافع عن مشروعه لإصلاح التعليم قبل الجامعى، ويمضى فيه بكل عزم وإصرار، تحت وطأة انتقادات واسعة من جانب أسر تريد لأبنائها شهادة ودرجات أكثر مما ترغب فى أن يتعلموا ويكونوا مؤهلين لدراسة جامعية تتفق مع استعدادهم، وأيضا تحت وطأة هجوم شرس مدفوع من جماعة الكراهية ومن مافيا الدروس الخصوصية.


قوبل برنامج إدخال التابلت والتعليم الإلكترونى بسخرية وتهكم، غير أن أزمة تفشى فيروس كورونا، أثبتت سلامة رؤية الدكتور طارق شوقى، فلولا التعليم عن بعد، ما استطاع الطلاب تلقى العلم ولدخلنا فى كارثة توقف أى نوع من التعليم لمدة عامين على الأقل.


حادثت الدكتور طارق شوقى قبيل إعلان النتائج، وكان حديثنا ليس للنشر فى ذلك الحين، وكان يتوقع من المؤشرات انخفاض المجاميع عما عهدناه فى سنوات طويلة مضت، وكان يتوقع بالتالى انخفاض درجات القبول بالكليات إلى حدود مقبولة، غير ما كان يحدث منذ عقود ويتخطى المنطق والعقل.

بدا يومها الدكتور طارق متأهبا لاستقبال موجة عالية من الهجوم، لكنه كان فى نفس الوقت يرى أنها سوف تتراجع وتتوارى سريعا عندما تتكشف الحقائق بشأن القبول بالجامعات.


الناجح الأول بتفوق فى امتحانات الثانوية العامة هو وزير التربية والتعليم، وأظن درجاته العالية - فى اجتياز هذا الاختبار الصعب، تؤهله للمضى قدما بخطى سريعة فى المشروع الوطنى لتطوير التعليم.

 

طالعت تصريحات منشورة لشيخ معمم معروف، أستاذ بجامعة الأزهر نقلا عن حديث تليفزيونى، يقول فيها إنه لا يستطيع أن  يحرم أو يجرم زواج «البارت تايم» أو ما يسمى بزواج بعض الوقت..


لست أفهم معنى زواج بعض الوقت.


هل المقصود به بعض الوقت فى اليوم، أى أنه زواج لمدة ساعات محددة فى كل يوم، أم المقصود بعض الوقت فى العمر أى لمدة شهور أو أعوام؟!
الزواج هو أقدم علاقات الخليقة منذ آدم وحواء ولست أظنه يحتاج إلى تفسير أو اجتهاد أو فتاوى مؤيدة لبدع غريبة.


والإسلام حدد قواعد الزواج، وليس من بينها الزواج المؤقت بساعات يوميا أو المحدد بعام أو أعوام.


لن استغرب إذن لو جاء أحدهم وتحدث بعد «البارت تايم»، عن زواج «التايم شير»..!


هل هذا هو تجديد الخطاب الدينى؟!


أرجو من صاحب الفضيلة العالم الجليل الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية أن يتصدى لهذه البدع وغيرها من خزعبلات تعلق بالدين القويم، وأتمنى أن يرسل لوسائل الإعلام رسالة تحظر على غير دار الإفتاء،  التصدى بإصدار الفتاوى فى أى شأن يتعلق بالدين على أى نحو.
 

 

ولد الطفل رضا عبدالسلام بلا ذراعين، لم يجد أصابع يمسك بها القلم عندما دخل المدرسة لكنه استطاع أن يمسك به بأسنانه ويكتب بخط يفوق فى جماله وانتظامه خطوط أصابع الأذرع والأكف والأصابع.


لم يستطع رضا أن يقود دراجة، لكنه يقود الآن أوسع شبكات الإذاعات العربية انتشارا ووصولا إلى أنحاء العالم الإسلامي، وهى شبكة القرآن الكريم.


قصة الحياة البطولية لرضا عبدالسلام ملهمة لكل إنسان، ورسالة بأن ما يتصوره البعض نقمة إلهية، هو منحة من عند الخالق، البارئ، المصور.


فكم من أصحاب أياد أعاقهم ضعف هممهم، عن بلوغ بعض ما وصل إليه الأستاذ رضا الذى جعله الله قيما على أهم وسائل الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.


أتمنى كل التوفيق للأستاذ رضا عبدالسلام فى مهمته السامية.


وأظن التحية واجبة لصاحب القرار الصائب الصديق العزيز حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام.

 

 

أستمتع كثيرا بمطالعة كتابات المفكر الدكتور مصطفى الفقى. يشدنى أسلوبه الرشيق فى مقالاته، مثلما تجذبنى أحاديثه التليفزيونية العامرة بالقصص ذات العبر وبوقائع الماضى القريب التى تنير طريق المستقبل. لكنى أستمتع أكثر من أسلوبه الغني، بأفكاره الأشد ثراء فى كتاباته بعديد من الصحف، وأغار منها منذ فارق «الأخبار»، احتراما لأسبقية كتابته فى صحيفة شقيقة منافسة.


لسنا فى وفرة من مفكرين كبار أمثال الدكتور مصطفى  الفقى، الذى يجمع بين الثقافة الموسوعية فى السياسة والفنون والآداب وتاريخ الأمم بالأخص التاريخ المصرى عبر عصوره الممتدة إلى فجر الضمير، وبين الخبرة الدبلوماسية العريضة والإلمام بدقائق السياسة الخارجية وخباياها، لاسيما فى عالمنا العربى.


أعتز للغاية، بأننى قريب على نحو ما من الدكتور مصطفى الفقى، وأتمنى أن يجمع كتاباته وأحاديثه بعد تصنيفها إلى موضوعات فى سلسلة مؤلفات لتكون مرجعا لأجيال آتية.