سؤال طرح نفسه بعد إنتاج أول إنزيم صناعى عام 1969

هل اقترب الإنسان من سر الحياة والموت؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

الموت هو الحقيقة الواحدة التى يتفق عليها كل البشر، ولا موت من دون أن تسبقه حياة، وقد انشغل الناس بقصة الموت والحياة منذ الأزل، فى محاولة لفهم أهم أسرار هذا الكون، وقبل نحو خمسين عاماً نشرت «آخرساعة» تقريراً كتبه الصحفى الراحل سعيد نعمة الله تحت عنوان «هل اقترب الإنسان من سر الحياة والموت»، حيث تناول الحديث عن كشف طبى مهم فى ذلك الوقت، وهو إنتاج أول إنزيم صناعي.. التفاصيل نعيد نشرها بتصرف فى السطور التالية:-

ما معنى وصول الإنسان لإنتاج أول إنزيم صناعي؟ هل تعنى هذه الخطوة وصول الإنسان إلى اكتشاف أسرار الحياة وحل أخطر ألغازها؟ وهل يعنى إنتاج الإنزيم وصول الإنسان إلى علاج لأمراض السكر والسرطان والأمراض الأخرى؟ وما الآفاق الجديدة التى يفتحها إنتاج الإنزيم الصناعى فى عالم الطب والعلاج وتشخيص الأمراض؟

أخيراً.. توصل الإنسان للمرة الأولى إلى إنتاج أول إنزيم صناعي.. تم الوصول للاكتشاف فى معملين منفصلين تماماً وبطريقتين مختلفتين.. ومع هذا الخبر الهام الذى تناقلته كل وكالات الأنباء فى العالم.. والذى أكدت أنه يعد ثورة جديدة فى عالم الطب.. وبداية جيل جديد فى وسائل العلاج.. كانت هناك تساؤلات عديدة حول أسرار الإنزيم وفوائده وآثاره فى جسم الإنسان.

يقول الدكتور أحمد غريب، الأستاذ بكلية الطب بجامعة عين شمس، إن الخطوة العلمية الجديدة هامة من دون شك، لكن التطبيقات الخاصة بها لن تبدأ خلال شهر أو شهرين.. إن إنتاج الأنزيم الصناعى لأول مرة يعنى أن الباب قد فتح أمام العلماء لمعرفة المزيد عن الإنزيم ووظيفته فى جسم الإنسان.. وحينما يصل الأطباء لهذه المعلومات الخاصة بالإنزيم التى ما زال جزء كبير منها مجهولاً حتى الآن فإن هذا يعد إيذاناً ببدء التطبيقات العملية للإنزيم الصناعى فى الطب والعلاج.

ما هو الإنزيم؟

والإنزيم هام جداً إلى حد نستطيع معه أن نقول إن أية معلومات جديدة تعرفها عنه يمكن استخدامها على الفور فى وسائل العلاج.. وقد ظلت الإنزيمات تمثل نوعاً من التحدى للأطباء لأنها لغز عجزوا لسنوات طويلة عن اكتشاف كل المجاهيل حوله رغم تطور وسائل البحث العلمى خلال السنوات الماضية، والأنزيم مُحيِّر وغامض لأنه يساعد الجسم على أن يقوم خلال جزء واحد من الثانية.. وفى درجة الحرارة العادية بعمليات كيميائية معقدة لا يستطيع العلماء إجراءها خارج الجسم إلا فى درجات حرارة عالية وتحت ضغوط مرتفعة، وبأحماض مركزة عديدة وقوى وعوامل مساعدة خارجية!

والإنزيم هو الذى يحول المواد السكرية، والمواد الغذائية الأساسية الأخرى إلى مواد أخرى لا حصر لها يحتاجها الجسم فى القيام بوظائفه المختلفة.. والإنزيمات أيضا تدخل فى تكوين الأنسجة وبنائها.. وهى أيضاً عامل هام فى تغيير كرات الدم واستبدال التالف منها.. كما أنها هى التى تقدم للجسم الطاقة التى يريدها عندما تتحرك العضلات لبذل أى جهد، والإنزيم الذى تم إنتاجه صناعياً هو Rlbonuolosse ومكوَّن من 124 جزءاَ.. تعرض باسم الأحماض الأمينية وهى متصلة كيميائيا فى سلسلة واحدة تشبه قطار السكة الحديدية بعرباته.

وهذا الإنزيم كسائر الإنزيمات الأخرى جزء من المجموعة الكيميائية الكبيرة المعروفة باسم البروتينيات.. وتصنيع الإنزيم يشبه تجميع القطار الذى ذكرناه فى العربات العديدة المكونة من ١٩ نوعا من الأحماض الأمينية.. وتصنيع الإنزيم يعنى أن العلماء تمكنوا من تجميع هذا القطار الذى يجر ١٢٤ عربة من ١٩ نوعا مختلفا، وعملية تجميع هذا القطار أو بمعنى آخر عملية تصنيع الأنزيم هى فى حقيقتها تحليل للطريقة التى تم بواسطتها تجميع هذا القطار وهذه الطريقة هى التى تحدد وظيفة الأنزيم وشكله أيضًا.

وحتى سنوات قليلة مضت ورغم الحقائق الرئيسية التى عرفها العلماء عن الإنزيمات ووظيفتها فى الخلية البشرية، فإن الإنزيمات لم تلعب دورا هاما فيما يتعلق بالعلاج ومعرفة أسباب الأمراض، ولكن الدكتور ماكس تشيللر، أحد المشتركين فى إنتاج هذا الإنزيم الصناعى صرح لصحيفة «نيويورك هيرالد لربيون» الأمريكية بأن موقف الإنزيم فى معرفة أسباب المرض والعلاج قد تغير تماما بعد التوصل إلى أول إنزيم صناعي.

إنتاج الإنزيم

ولكن هل يعنى إنتاج الإنزيم صناعياً حل كل المشكلات؟ وهل يعنى ذلك حتى بعد التطبيق الوصول لما يشبه الثورة فى عالم الطب والعلاج.. إن مشكلة ما زالت تواجه العلماء والباحثين وهى إنتاج الإنزيم بكميات كبيرة، لكن هذه المشكلة سهلة الحل تماما.. ولا تشكل عقبة رئيسية لأن العقبة الرئيسية كانت الوصول إلى الطريقة التى يتم بها تركيب الإنزيم نفسه.. أو الطريقة التى تصف بها عربات القطار الـ١٢٤ وهى مكونة من ١٩ نوعا من العربات.. خاصة أن هذا التركيب هو الذى يدفع القطار إلى الحركة.. ويمنحه الحياة.

بل إن العلماء يرون أن الوصول إلى إنتاج أول إنزيم صناعى معناه أن العلماء قادرون الآن على تطوير الإنزيم أو إنتاج إنزيمات ذات صفات معينة.. لا توجد فى الإنزيمات الطبيعية.. وهذه النقطة بالذات هى أهم ما فى الاكتشاف العلمى الجديد فما رأى عدد من الدوائر العلمية العالمية؟

الإنزيم والحياة

وقد وصف العلماء الإنزيمات فى فترة ما بأنها الكتل البانية للحياة.. وكان العلماء، قد عرفوا الترتيب الذى توضع به المواد البروتينية لتصنع الإنزيم ولكن خطوة صنع الإنزيم نفسه لم تبدأ إلا فى أوائل هذا العام (1969) فى معهدى ميربك وكاليفورنيا للأبحاث.

 قصة العلماء الثلاثة

وقصة الأبحاث الخاصة بالإنزيمات طويلة ترجع إلى عدة سنوات مضت، لكن الخطوة الحاسمة جاءت منذ أربعة أعوام حينما أعلن معهد كارولين السويدى منح جائزة نوبل لعام 1965 فى الفسيولوجى والطب لثلاثة باحثين فرنسيين لأبحاثهم الهامة التى أجروها على الوسائل التى تقوم الجينات بواسطتها بتنظيم العمليات الكيميائية والبيولوجية المتعددة فى جسم الإنسان.. ويوم توصل العلماء الثلاثة إلى الحقائق الجديدة حول وظائف هذه الجينات لم تكن لهذه الحقائق أية تطبيقات فى مجال العلاج والتشخيص، لكن هذه الحقائق ألهمت الباحثين الآخرين لاستكمال ما بدأه زملاؤهم الفرنسيون الثلاثة.

وكان هؤلاء الثلاثة الذين يعملون فى معهد باستير هم:- 

- أندريه لوف وعمره ٦٧ عاما ولد فى فرنسا من أصل روسى بولندى وأمضى معظم سنوات حياته فى معهد باستير وعين منذ عام ١٩٥٩ أستاذا للميكروبيولوجى فى جامعة السوربون.

- فرانسواز جاكوب ويبلغ من العمر ٤٥ عاما عمل فى صف القوات الفرنسية التى حررت فرنسا من الاحتلال النازى فى الفترة من ١٩٤٥/١٩٤٠ والتحق بمعهد باستير منذ عام ١٩٥٠ ويعمل الآن أستاذا لعلم الجنيات ووظائف الخلايا فى الكوليج دى فرانس.

- جاك مونود ويبلغ من العمر ٥٧ عاما وهو من مواليد باريس.. تلقى تعليمه فى أمريكا وحصل على ميدالية برونزية أمريكية فى عام ١٩٣٦.. والتحق بمعهد باستير منذ عام ١٩٤٥ ويعمل أستاذ للكيمياء الحيوية فى كلية العلوم الفرنسية.

وكان أساس العمل الذى بدأه هؤلاء العلماء الثلاثة هو أن أى جسم مهما كان.. سواء ميكروبا.. أو فأرا أو إنسانا.. فإن وظائفه الكيميائية تحددها الجينات التى تنضم مع بعضها البعض لتكون الكروموزومات.. وكل واحد فى هذه الجينات العديدة رغم الصغر المتناهى لحجمه فإنه عملاق ضخم يضم حامضا يرمز له بالرمز RNA وكل واحد من هذه الجينات العديدة يتحكم بصورة مباشرة فى توليد الخلايا وإنتاجها لمادة كيميائية معينة اسمها الأنزيم يدخل فى كل العمليات الكيميائية ويدخل فى جميع الوظائف التى يؤديها جسم الإنسان.. وقد اختار العلماء الثلاثة أبسط أشكال الخلايا.. فقد اختار لوف مثلا جسيما ذات خلية واحدة كالبكتريا التى يوجد فيها كروموزوم واحد.

بينما جسم الإنسان يحتوى على 46 كروموزوما، وبالنسبة للجنيات اختار لوف الفيروسات التى تصيب البكتريا بعدوى معينة لأن هذه الفيروسات فيها نسب أعلى من الحامض المشار إليه.. وقد وجد لوف أن ما حدث خلال تجاربه كان أكبر وأكثر مما توقعه.. وصل إلى معلومات هامة حول الوظيفة التى يؤديها حامض DNA فى الخلية... وكانت أبحاث جاكوب ومونود تسير فى نفس الاتجاه مع الوصول لمزيد من النتائج الهامة، وكانت هذه الأبحاث التى انطلق منها علماء معهدى «روكفلر» و«ميرك» لإنتاج أول إنزيم صناعى فى تاريخ البشرية.

وفى تعليق على الاكتشاف الأخير، قالت مجلة «تايم» الأمريكية: «يفخر الإنسان أحياناً بأنه يسيطر على الطبيعة، ولكن الطبيعة تظل دائماً ومع كل كشف علمى جديد القوة التى تسيطر على الإنسان وتتحكم فيه».