نقطة فوق حرف ساخن

أَلْهاكُمُ التكَاثُرُ

عمرو الخياط
عمرو الخياط

فى سيرة السلف الصالح قدوة لنا وإذا ما تأملنا سيرتهم وتمعنا فيها، سنكتشف أن فهمهم لقضية تنظيم النسل يختلف كثيراً عن المنتشر بين بعض علمائنا الذين زعموا ضرورة الإنجاب دون أن يقدموا لنا سنداً على ما يقولون سوى لباسهم الدينى الذى يخطف عقول من لا يعطى لعقله فرصة للتفكير أو لبصره قدراً من الوقت للاطلاع والقراءة. 
 

فلو تأملنا حال كبار الفقهاء وعلماء الحديث، بل بعض كبار الصحابة لوجدنا انهم كانوا يعزلون، ومنهم من صرح بذلك بشكل صريح، فلم تجد لهم من الأولاد إلا القليل، فقد أجاز العزل ابن عباس وابن مسعود الذى كان لديه أبوعبيدة وعبدالرحمن وسارة أما أبو هريرة فليس له إلا ثلاث وإن قيل أن له إبنة، أما كبار الفقهاء فنجد لأبى حنيفة ولدا واحداً واثنين للشافعى وواحداً لابن حنبل ومثله لمالك فمن شاء عزل ومن شاء لم يعزل وقال عبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر مثل ذلك وروى أبوسعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن العزل فذكر نحو ذلك وقال عطاء بن جابر (كنا نعزل فى عهد الرسول، والقرآن ينزل وما منع من العزل).
وفى كتابه العزيز قال الله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء الاية ٢٩ وفى سورة البقرة الاية ١٩٥ قال الله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).


كل هذه الآيات توضح بما لا يدع مجالاً للشك ان تنظيم النسل والإنجاب ليس ضد الدين أو كتاب الله بل هناك آيات تؤكد ذلك بوضوح وجلاء ففى سورة التكاثر يقول المولى عز وجل (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) فالتكاثر فى الأموال والأولاد قد يكون سببا فى اللهو والإلهاء.
أما القول الذى يردده من يدعون أنهم الأعلم والأحرص على تعاليم الدين بأن الكثرة والتكاثر من أوامر المولى عز وجل فمردود على ذلك فى الآية ٦٥ من سورة الانفال (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مُّنكُمْ مِّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا) آيات من القرآن الكريم تتحدث صراحة عن أهمية القيمة الحقيقية للفرد وقدرته على العطاء والإنتاج والتميز وفى ذات الوقت تنفى نفيا تاما أهمية القيمة العددية لأشخاص غير مؤهلين للقيام بادوار حيوية فى مجتمعاتهم. 
فالآيات القرآنية حملت صيغا قرآنية محددة شديدة التكثيف لوصف قيمة الفرد وذاته وكيف يتم إعداده الإعداد الجيد لأداء دوره فى المجتمع الذى يعيشه فى الوقت الذى تنفى الآيات أى اعتبار للقيمة العددية لأشخاص لا يمتلكون أى مهارات فيتحولون إلى أعباء بشرية لا تنتج إلا مزيدا من الجهل والفقر والتخلف.
هنا نحن أمام تصوير إلهى عكسته آيات محددة ومباشرة وضعت القيمة الفردية فى سمو عن القيمة العددية لأفراد المجتمع الذى إذا ما زاد على الحد تحول أفراده إلى تكتلات بشرية غير منتجة ولا فائدة مجتمعية منها وتصبح استهلاكية متضخمة تفرز مرضاً وجهلا وفقراً فى المجتمع. 
الزيادة السكانية العشوائية التى تفوق حجم قدرات الدولة تؤدى دوما إلى أزمات وهو هدف استراتيجى تصدره جماعات الإرهاب فى لغوهم مستغلين الدين كغطاء وهم أبعد من ذلك ولكن لهدفهم هم ماضون لإرباك الدولة وتصدير الأزمات لها، وعلى جانب آخر يجدون الأرض الخصبة فى أجيال هدها الفقر والمرض والجهل وهؤلاء هم من تبحث عنهم الجماعات الإرهابية ليوظفوهم فى أغراضهم ومآربهم ضد كيان الدولة. 
فى مواجهة دعوات «الإرهابية» بالتكاثر العددى العشوائى فان العقل البشرى الذى تطور بشكل مذهل فى السنوات الماضية والذى حصل على حقه فى رعاية الدولة فى العلم والرعاية أنتج الكثير من الاختراعات من بينها الطائرة التى بدون طيار والتى أصبحت ذراعا لحسم المعارك بدون تدخل بشرى أو أعداد بشرية كبيرة للحسم فى المعارك كما يدعون، فالعقل البشرى وصل إلى محطات من التقدم كان هدفها حفظ النفس البشرية باعتبارها مقصداً أساسياً وهاماً فى الشريعة فى مواجهة دعوات تكاثر عشوائية تتخفى وتتستر وراء مفاهيم سطحية لنصوص دينية كى تصبح هذه الزيادة العشوائية منبعاً أساسياً لضحايا الجماعات الإرهابية ممن تم تجنيدهم تحت وطأة العوز والفقر والجهل والمرض لتصبح هذه الزيادة العشوائية هى البوابة الأوسع لامتهان الفرد وانتقاص حقوقه إذا ما تكلمنا عن حقوق الإنسان فى العيش والحياة السليمة.
لقد أوضحت الأبحاث الدينية والاجتماعية وكذلك المقالات والندوات مأساة الزيادة السكانية فى مواجهة دعوات المتطرفين وأصحاب المصالح الذين تناسوا عن عمد أن العدالة الاجتماعية التى يتشدقون بها ليلاً ونهاراً فى مواجهة دعواتهم بالزيادة السكانية تفقد الدولة قدرتها على التوزيع العادل للثروة والتنمية.
فعندما تدعو مصر وقيادتها لمواجهة هذه الزيادة العشوائية فإنها تدعو إلى مستقبل أفضل وحياة كريمة لأجيال تحصل على نصيبها العادل فى شتى نواحى الحياة وتجفف منابع الإرهاب والأهم حماية حقوق الإنسان فى العيش كريما.