مصر الجديدة:

أمريكا وطالبان و ... نحن ..

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

لن أتحدث عن الماضى، ولا أذكركم بشىء أكثر من أن بن لادن وتنظيم القاعدة، ومن ثم طالبان، كانا صناعة أمريكية فى إطار حربها الباردة مع الاتحاد السوفييتى، حين وقع فى الخطأ الكبير واحتل افغانستان، بحجة دعم الحكومة الموالية له من هجمات الثوار المعادين للاتحاد السوفييتى والشيوعية. لقد دخلها عام 1979 وخرج منه مهزوما تماما عام 1989. فى هذه السنوات العشر كانت أمريكا والسعودية ومصر من الدول التى ساعدت بن لادن وتنظيم القاعدة بالمجاهدين ومثلها باكستان والصين، وكان انسحاب الاتحاد السوفييتى وهزيمته بداية لتفسخه ونهايته. الكل يعرف كيف قام بن لادن وتنظيم القاعدة بعد ذلك بتفجير برج التجارة العالمى فى سبتمبر عام 2001  ومن هنا بدأ الغزو الأمريكى لأفغانستان. بعد عشرين سنة تنسحب أمريكا من أفغانستان بعد أن فشلت فى القضاء على طالبان، بينما تنظيم القاعدة تمدد فى أشكال أخرى خارج أفغانستان، منها داعش فى العراق وسوريا. كيف يمكن تفسير هذا الانسحاب الأمريكى؟  مؤكد لفشلها، لكن لا أعتقد أن هذا هو السبب الوحيد. هناك تفسير براجماتى وهو أن أمريكا لم تعد قادرة على تحمل المصاريف التى فاقت التريليونات دون فائدة. والعقلية الأمريكية هى عقلية أمريكية براجماتية ويمكن أن يكون الكلام مقنعا.
تفسير آخر يقول إن افساح الطريق لطالبان السنة يعنى شوكة فى ظهر إيران الشيعة لصالح إسرئيل ودول الخليج. أمر وارد خاصة أن أحد المسئولين فى طالبان ظهر فى التليفزيون الإسرائيلى يطمئن إسرائيل أنهم ليسوا مع حماس. لكنه أيضا أمر بعيد الاحتمال، فلم يساعد طالبان أحد مثل إيران  بصرف النظر عن اختلاف المذاهب. لا يمكن أن تكون باكستان مثلا ولا الهند ولاروسيا طبعا التى لن تنسى هزيمتها. البعض يقول إن للصين مصلحة فى إطار صراعها الاقتصادى مع أمريكا، لكن الصين قاتلة جماعات الايجور المسلمة، كيف تثق فيها طالبان مثلا. 
البعض يقول إن  ترامب هو صاحب فكرة الانسحاب من أفغانستان، ويقول إن القرار صدر فى أيام رئاسته، لكن من نفذه هو بايدن والحزب الديمواقراطى. وتاريخ الحزب الديموقراطى مع الأحزاب الدينية فى المنطقة العربية هو تاريخ الدعم لها، لكن هل يمكن أن يدعم فريقا كان وراء تدمير برج التجارة يوما فى أمريكا ويخوض الحرب منذ عشرين سنة مع أمريكا التى ذهبت تحتلها. هل كان الأمر بالنسبة لأمريكا هو مجرد خسارات مالية ومعدات. ألم يكن هناك ضحايا من الجنود عبر عشرين سنة؟  ولماذا إذا كان ترامب هو صاحب فكرة الانسحاب لم يفعله؟ هل عطلته الانتخابات والفشل فيها؟ ربما. لكن لماذا أسرع فيها بايدن هكذا، وأربك العالم كله حتى أوربا. كيف حقا لم تستطع أمريكا عبر عشرين سنة أن تترك وراءها تيارا قويا من العلمانيين يواجه طالبان. الرئيس الأفغانى هرب والجيش هرب والناس تبحث عن طائرات لتغادر البلاد فماذا كانت أمريكا تفعل هناك ؟ 
 يمكن أن يأخذنا العقل إلى أنه فى السنوات الأخيرة بدأت هجمة كبيرة عملية وفكرية ضد جماعة الإخوان المسلمين والتيارات المتشددة دينيا، آخرها ما نراه فى تونس، وما حدث فى مصر. فهل يكون الانسحاب الأمريكى دعما من بعيد لهذا التيار لنظل فى أزمتنا. مؤكد نحن لا نرى أثرا لطالبان الآن، لكن لأنها لم تكن مستقرة فى الحكم. هى الآن تستقر. بعدها يمكن أن يظهر أثرها وتنتهى الروايات المختلفة. وأرجو ألا يظهر من يبرر لها بأن جمال الدين الافغانى كان من أفغانستان، فالرجل لم يكن كذلك أبدا.