صاحبة «فستان فرح»: طنطا لم تبح لي بسرها.. والقاهرة بددت غربتى!

رباب  كساب
رباب كساب

تبدو الأديبة رباب كساب كطائر يبحث عن عالم يخصه، لكنه يظل على صلة بعالمه القديم ولا يهجره، فالاتجاه من دراستها للزراعة، حيث حصلت على الدكتوراة، إلى الأدب بمثابة هجرة أولى، لم تمنع استمرارها فى تخصص دراستها وعملها بوظيفتها الحكومية، ولم تنه انتقالها من محافظة الغربية للإقامة فى القاهرة حالة المزاوجة تلك وهى تعى جيدًا أن الرغبة فى الاستقرار والاستقلال تحتم العمل بجانب الأدب

وكان صدور روايتها الأخيرة «على جبل يشكر» عن دار النسيم بعد أربع روايات: «قفص اسمه أنا»، «مسرودة» و»الفصول الثلاثة» و»فستان فرح»، ومجموعة قصصية واحدة بعنوان «بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية»، بمثابة إعلانُ عن توجه مختلف، نتج عبر خبراتها فى مدينتها الجديدة، لكن عالمها الجديد هو الأقرب لها، سواء أكان بمعناه الجغرافى «القاهرة»، أو بمعناه المهنى «الأدب»، وتقول رباب: «شغفى بالقاهرة القديمة يعود لأول رحلة اصطحبنى فيها والدي، تعلقت بالأماكن التى زرتها حينها، ثم بدأت فى سنوات لاحقة أقرأ وأشاهد برامج تليفزيونية تتحدث عن الكثير من الأماكن القديمة، فبت أزورها كلما جئت إلى القاهرة، أسير هناك وأشعر بأننى امتلكت كل هذا، وتمنيت ذات يوم أن أسكن سطح بيت فى قلب المدينة الفاطمية، وحين زرت بيت الكريتلية لأول مرة فى عام 2005 قلت لصاحبتى يومها سأكتب رواية عن هذا المكان، حلم لم يتحقق إلا بعد سنوات طويلة لم أكن أعلم أننى سأنتقل للسكن فى القاهرة فى هذا التوقيت رغم تخطيطى الطويل لذلك، ولم أكن أعلم أننى سأسكن بجواره، لم أكن أعلم أنه سيكون فى طريقى إلى العمل كل يوم، بعدما سكنت حى السيدة زينب قرب نهاية عام 2014 مع انتقالى الدائم إلى القاهرة بدأت الكتابة ورحلة البحث، كأننى كنت بحاجة إلى هذا الاقتراب حتى أكتب، أنا مدينة لتلك الرواية التى أعانتنى على التماسك كلما بحثت عن تاريخ المكان، وقرأت أساطيره، لقد اكتشفت معها القاهرة من جديد وزادت محبتى لها وتعلقى بها، وللمفارقة انتقلت من سكنى فى حى السيدة بعد الانتهاء من كتابة «على جبل يشكر!» هناك خيوط تربط بين رباب كساب وبين شخصيات أعمالها، كتاباتها فى نصوصها السابقة كانت مرتبطة بواقعها الإجتماعي، وواقع نساء يشبهونها، لكنها فى هذا العمل اتجهت نحو التاريخ والأسطورة، ومع ذلك هناك خطوط خفية بينها وبين شخصية «راجية» التى بدأ تعقد الأحداث من نقطة استقلالها عن أسرتها وحياتها بجوار بيت عائلتها القديم، بيت الكريتلية» تعلق رباب: «راجية كانت تهرب من حياة لم تكن لها،فهى تحيا بين إمرأتين إحداهما نور والأخرى ظلام، مثلما كنت أهرب من موت مدينتى الصغيرة إلى صخب العاصمة، راجية بعض مني، ألبستها ثوبى وأسكنتها نفس المكان، بينما كنت أبحث عن الكتابة والحياة، كانت تبحث عن بيت عائلتها وتتحقق من حواديت جدها، مثلما كنت أعيش على حواديت أبي.»
 كتب نجيب محفوظ عن القاهرة القديمة التى عاينها وعاش فيها بينما تحاول رباب الكتابة عن القاهرة القديمة التى انتقلت إليها كمغتربة من مدينة أخرى، ولم تحاول الكتابة عن مدينتها الأم، رغم أن محافظة الغربية خرج منها عدد كبير من الأسماء الكبيرة فى عالم الأدب، لكن رباب لم تكن جزءا من هذا الحراك، تعلق قائلة: قد يكون شيخنا نجيب محفوظ كتب عن الأماكن التى عاش بها طفلا وشابا، هو ابن القاهرة وهى مدينته، لكننى عشقتها طفلة، وتمنيت السكن بها وتعلقت بشوارعها وحواريها من روايات محفوظ والأفلام التى أخذت عنها، القاهرة النداهة التى ندهتنى فأحببتها، لا أخفى يوما أننى لم أحب مدينتى الصغيرة فى قلب محافظة الغربية، عشت سنوات أتحين اللحظة التى أهرب فيها منها، ولأننى لم أحبها لم تعطنى سرها، اكتشفت ذلك قبل أعوام حين أردت أن أكتب عنها وفشلت فى ذلك لأننى اصطدمت بغربتى عن المكان، اكتشفت أننى كنت أعيش فيه بلا روح فلم تعلق بروحى أى شيء عنه، وصعبت الكتابة، قبل عام تقريبا تطرقت فى عملى الجديد إلى تلك المدينة كانت نظرة من بعيد بعد سنوات من مفارقتها، لم تكن لإنصافها بل محاولة لمعرفة لماذا كرهتها! قد لا نختار مكان الميلاد لكننا نستطيع اختيار مكان العيش، وأنا أنتمى إلى مدينتى التى أحب، وأعيش فى حى قديم من أحيائها ولم أشعر لحظة بأننى غريبة.