حوار|

أحمد فريد.. المؤلف الذي حاكم «العقوق»: روايتي تصفع كل أشكال الجحود

 أحمد فريد
أحمد فريد

فادية البمبى

أن تجد أفكارك تلتمع فى الأفق، وتتجسَّد على الشاشات، فأمرٌ غايةٌ فى الإثارة، ورؤيتك لشخوص أعمالك وهى تتحوَّل إلى كائنات حية من لحم ودم، فمدعاةٌ للسعادة القصوى والشعور بأنك متفوقٌ ومختلفٌ، وهكذا يشعر دائمًا الأدباء والمؤلفون الذين تُؤثِّر إبداعاتهم فى المتلقين، سواء عبر الكتب الورقية أو الأعمال الفنية المأخوذة عن نصوصهم.

 

والأديب الكبير أحمد فريد، هو أحد المؤلفين الذين أثروا الوجدان العربى وأثروا فى ذائقة قطاع عريض من قُراء الأدب ومثلهم من عُشاق السينما، فهو أحد الأقلام التى أقبل على ثمراتها منتجو الفن السابع، وحظيت باهتمام صُناع الأفلام، وقد عاش فريد تجربةً بالغة الإثارة والتشويق، وهو يرى نتاج إبداعه وطرح قلمه وهو يتحول إلى عوالم مشهودة وآفاق مرموقة، وقد التقينا بالمؤلف لحظة تسلمه النسخ الأولى من أحدث رواياته ذات العناوين العجيبة، إذ حملت عنوان «شيطان الفضيلة»، وهى تعقد محاكمة لقضية العقوق فى كل أشكاله وصوره وتتصدى لشتى ممارسات الجحود.

فسألناه فى البداية :


لماذا قضية العقوق تحديدًا هى ما تشغل بالك دائمًا؟


العقوق داءٌ شرس يستهدف النفوس الضعيفة، ويُحوِّلها إلى كيانات مُتبلدة تحمل قلوبًا مُتحجِّرة تهجرها نبضات الوفاء والحب والانتماء وتصيبها بعمى البصر والبصيرة، العقوق يُحاصر الكيان الأجوف واهمًا إياه بالزهو الزائف والغرور المُقزز والتبلُّد المقيت، وقد لا يدرى ذلك الكيان النكرة أن كل الأديان السماوية سوف تُلاحقه بلعناتها، ويكون مصيره فى النهاية هو العقاب الإلهى فى الدنيا والآخرة، ولكن يبقى الأمل فى سلطان الحب وسطوته، فبالحب وحده يمكن القضاء على شيطان الفضيلة.


 هل يُغضبك وصفك بالأديب الرومانسى؟


بالعكس هذا الوصف يُسعدنى جدًا؛ لأن الإنسان عبارة عن مجموعة مشاعر، وعندما تكون رومانسية، يكون لها تبعات أخرى كثيرة مثل حُب الآخرين، وأن تكون إنسانًا سويًا فى حياتك عمومًا تتصرف بدون غلٍ أو أحقادٍ، ولو فرض وجود تنافس سيكون تنافسًا شريفًا، فالرومانسية أجمل ما فى الحياة.


 ألا تشعر أن هذا قفز على تجربتك الإبداعية ومحاولة لتسطيحها وحصرها فى زاويةٍ واحدةٍ؟


بالعكس الرومانسية لا تنفصل عن الواقع، فأغلب رواياتى واقعية وذات أحداث حقيقية، وتدخلى ينحصر فى حدود قليلة جدًا، فمعظها رصدٌ للواقع، ومن المفترض أن تتغلغل الرومانسية فى كامل تفاصيل حياتنا، وللأسف لم تعد الرومانسية هى السمة السائدة بين الناس الآن، ولذلك يجب أن تلعب الصحافة الأدبية دورها فى صياغة الوعى الثقافى للشباب والأجيال المقبلة، حتى يدركوا معنى الانتماء للبلد والانتماء للأسرة، فالرومانسية هى أساس الانتماء.


 البعض يتهم رواياتك بأنها تحمل عنوانًا جذابًا ولكن المحتوى غارقٌ فى الأحلام.


هذا الاتهام غير حقيقى، والدليل على ذلك بعض المنتجين فى السينما عندما اختاروا بعضًا من رواياتى، التزموا بنفس عناوينها وذات المضمون، وحصل بعضها على جوائز، فعلى سبيل المثال :»الحب وحده لا يكفى»، و»عندما يبكى الرجال»، و»ولا تدمرنى معك «، و»يا صديقى كم تساوى»، جميعها تدور حول الحب والانتماء والرومانسية والواقعية، فهذا الاتهام غير صحيح.


 وسط هذه القضايا التى تتطرق إلى معالجتها فى رواياتك، ألا تشعر بأنك غريبٌ عن أجواء الكثيرين ممن حولك؟


دور الأديب أنه إذا وجد خللًا ما فى النظرة الثقافية الاجتماعية، وجب عليه تصحيح المسار، وألا ينجرف مع التيار، فهذا هو الدور الحقيقى المفترض أن يقوم به الأديب.


 وهل تنتمى روايتك الجديدة إلى نفس نسيج رواياتك السابقة أم تقدم إضافة أخرى جديدة؟


هذه الرواية بالنسبة لى، هى خلاصة تجاربى؛ لأن العقوق الذى أتحدث عنه ليس العقوق بين الأبناء والآباء، لكنى أقصد العقوق كمعنى أعمق فى العلاقات العامة بين الأصدقاء وبين الشركاء، كما أقصد عقوق الأوطان، روايتى تصفع كل أشكال الجحود!


 والدليل على ذلك أننى أسميتها شيطان الفضيلة ،لأن الفضيلة من ضمن الأشياء الجميلة ،فأحيانا نقول الحب المدمر، هل الحب يدمر لا بل شيطان الحب هو من يدمر، ومن هنا فعلينا مقاومة شيطان الفضيلة، ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق الحب والانتماء.


 اختيار عنوان بمثل هذه الغرابة هو سعى إلى  الرواج ؟


نجد فى إهداء الرواية عندما يتناسى الإنسان ماضيه، ويتحايل على واقعه، ويتعالى على مستقبله، يكون ذلك قمة العقوق، واتهامى بأنى أكتب وعينى على السينما، فهذا غير صحيح؛ لأن هناك عناوين عديدة فى رواياتى أكثر جذبًا للسينما؛ مثل «من يشترى عمرى «، و»لن تسرق حبى»، و»عمر عمرى»، كلها أسماء جاذبة، ولو عدنا بالذاكرة إلى إحسان عبد القدوس ويوسف السباعى، سنجد عناوين أفلامهما مثل «نحن لا نزرع الشوك»، و»لا أنام»، و»أنا حرة»، كلها عناوين تُؤثر فيها الصحافة بشكل كبير، فأنا أعتبر أن الله حبانى بميزة حُسن اختيار العناوين.


 ولماذا خاصمك النقاد وبعضهم يقول إن تجربتك الإبداعية لم تلفت نظرهم إطلاقًا؟


أين هم  النقاد الحقيقيون، للأسف غابوا عن المشهد تمامًا، فقد كان الناقد يذهب إلى المكتبات؛ ليبحث عن الأعمال الجديدة دون أن يعرف مؤلفها، ويقوم بدراستها وتقديمها إلى القارئ، أين هم الآن هؤلاء النقاد، هناك حادثة واقعية للأسف الشديد اضطر إلى ذكرها، وهى أن بعض النقاد تصوَّروا أن الأديب عليه أن يكون «كمحصل» يحمل حقيبة بها أعماله ويمر بها على النقاد؛ ليقدم فروض الطاعة، فذات يوم التقيت أحد النقاد الجدد، فسألنى لماذا تخاصم النقاد، فأجبته بالنفى وقلت: ولكننى لن أذهب إليهم طالبًا أن يكتبوا عن أعمالى أبدًا، وللأسف الكفاءات انزوت.