الفارق بين كتاب وكتاب، أو بين كاتب وكاتب، أو بين مبدع ومبدع آخر، ليس فقط الموهبة والإبداع، لكن حجم التأثير وامتداده.. هكذا يتضاعف الإحساس بالخسارة، مع فقد الفنان نور الشريف، خسارة الإنسان والفنان والقيمة والأثر الذي لا يزول... لا نستطيع التأريخ للسينما المصرية والعربية، منذ أواخرالسبعينيات إلي اليوم، دون أن يكون نور الشريف علامة مضيئة ومؤثرة.. ولا نستطيع الكلام عن الفنان نور الشريف دون أن يكون مثالا وقدوة، وتجسيدا حرفيا لكلمة أديسون (العبقرية هي الاجتهاد).

اجتهد نور الشريف علي امتداد مشواره الفني.. حريص دائما علي المعرفة بكل أشكالها.. معرفة أدواته كممثل، تقنيات العمل الفني، الشغف بالكاميرا والتصوير والإضاءة، الشغف بالإخراج المسرحي والسينمائي.. عشق السينما، والحلم بسينما جديدة ومختلفة تتميز بالعمق والمتعة والتجريب والابتكار.. لا يتوقف نور عن القراءة حتي في لحظات الراحة بين مشهد ومشهد، أثناء تصوير..
في لقاء معه بأحد المهرجانات في المغرب، كان يمسك في يده رواية (ميرامار) لنجيب محفوظ.. قلت: لسه بتقرأ ميرامار؟ ضحك وقال: إنني أعيد قراءة نجيب محفوظ كله بين فترة وأخري.. فهو الكاتب الفيلسوف.
نور الشريف أكثر الفنانين دعما للمواهب الشابة ومساندةً لهم.. كان بطلا لأول أفلام المخرج الراحل عاطف الطيب، ثم بطلا لعمله الثاني (سواق الأتوبيس) 1982 إحدي علامات السينما المصرية.. كان أيضا داعما للعديد من المخرجين في بداياتهم: سمير سيف، محمد خان، داود عبد السيد، محمد النجار، أمير رمسيس.. وفي كل أعماله، خاصة التليفزيونية، دفع بالعديد من الوجوه الشابة، وأتاح الفرصة والخبرة والنصيحة، ومن قبل القدوة والمثال.