احتفالات الحشاشين تثير قلق البطائحى!

«فرّاش» سابق يحلم بالسطو على الخلافة «2»

قصور الخلافة الفاطمية شهدت الكثير من المؤامرات
قصور الخلافة الفاطمية شهدت الكثير من المؤامرات

تمكن المأمون البطائحى من اقتناص الوزارة، بعد فترة من اغتيال الوزير السابق، وبدأ يطمع فى الخلافة الفاطمية نفسها. كان ذلك مُبررا من الناحية النفسية، فهو المسئول عن كل أمور الدولة، يتخذ القرارات والخليفة الآمر بأحكام الله يُصدق عليها فقط، لهذا بدأت أحلام الرجل تتنامى، وأرسل مبعوثا لليمن، كى يبدأ حملة دعائية، تزعم بأن والده هو نزار ابن الخليفة المستنصر بالله. كان نزار الأحق بخلافة والده باعتباره الابن الأكبر، لكن تم استبعاده منها لصالح أخيه المُستعلى بالله» أبو الآمر». وللاستبعاد قصة تستحق أن تُروى، خاصة أنها انتهت بظهور طائفة» الحشاشين» المثيرة للرعب فى التاريخ الإسلامي، التى يعتبرها البعض واحدة من أقدم التشكيلات الإرهابية المُنظّمة فى تاريخنا.

قبل تولى الآمر الخلافة بسنوات، أخذ نفوذ وزراء الدولة الفاطمية يتسع بشكل غير مسبوق، وثبّت أمير الجيوش بدر الجمالى مكانته كوزير قوى فى عهد الخليفة الجد المستنصر بالله. عقب وفاة الوزير ورث ابنه الأفضل شاهنشاه المنصب، وبعدها بشهور مات المستنصر نفسه، وتدّخل الوزير الجديد ليتلاعب بكرسى الخلافة ويسلبه من نزار، غير أن هناك من يقول إن ذلك تم بوصية من المستنصر. بالطبع ثار نزار وأنصاره وظهر فى القصة اسم جديد، هو حسن الصبّاح الذى صار عنصرا بالغ الأهمية فى قوات النزاريين، وكان قد وصل إلى مصر قبلها بفترة لينال بركة الخليفة المستنصر. بعد شهور تمكن شاهنشاه من هزيمة المعسكر المضاد سنة 1095، وأسر نزار بينما فرّ الصباح ليؤسس طائفة الحشاشين، ومنذ ذلك الوقت تبنّى الشيعة أسطورة تقول إن الخليفة نزار لا يزال حيا وسوف يعود.
تمضى الأحداث بعد ذلك فى مسارين، الأول فى مصر حيث استتبت الأمور لشاهنشاه، وأصبح الحاكم الفعلي، والخليفة المستعلى بالله مُجرد واجهة شكلية، أما المسار الثانى فدارت أحداثه فى إيران، حيث أسّس حسن الصباح طائفة الحشاشين، التى أثارت الرعب فى قلوب حُكّام ثلاثة ممالك كبرى هى الفاطمية والعباسية والسلجوقية، وحاولت قتل صلاح الدين الأيوبى بعد أعوام. لم ينس الصباح ما فعله شاهنشاه به، لهذا شعر بسعادة بالغة بعد أن نجحت مؤامرات الخليفة الآمر بأحكام الله فى قتله، ويُقال أنه أقام احتفالات استمرت أسبوعا فى قلعة آلموت» وتعنى عش النسر»، التى كانت مقرا للتحكم فى طائفته.
وصلت أخبار احتفالات الصباح إلى البطائحي. لم يكن قد تولى الوزارة بعد، لأن الخليفة اكتفى بمنحه منصبا أقل لكنه رفيع. خاف البطائحى من أن تتصاعد طموحات زعيم الحشاشين لتصل إلى محاولة قتله هو والخليفة، لهذا بدأ حملة قمع واسعة النطاق لأتباع نزار، خوفا من أن يكون زعيم الحشاشين قد أرسل لهم مساعدات مالية أو لوجيستية لتدبير مؤامرة. بدأ تأميناته من الحدود الخارجية، فعزل والى عسقلان فى فلسطين، وعيّن آخر يثق به، وأوصاه بأن يتحرى عن كل التجار الوافدين إليه، وتوثيق كل أفراد القوافل بدقة، كى يضمن عدم اندساس أى متآمر بينهم. وفى الداخل أمر واليى الفسطاط والقاهرة بإجراء مسح دقيق للسكان فى الشوارع والحواري، مع عدم السماح لأحد بالانتقال من منزل لآخر، ولم يكتف بذلك بل استعان بـ» شرطة نسائية» تدخل المنازل للتعرف على أحوال النزاريين، وقبض على عدد منهم، كما نجح فى ضبط خمسة من الطائفة الإسماعيلية الشيعية أرسلهم الحشاشون بالأموال لدعم المؤامرة.
الغريب أن الرجل القوى عاد بعدها ليستخدم اسم نزار نفسه لخدمة أهدافه، وبذلك كتب نهايته، وهو ما نستعرضه فى الحلقة القادمة.