حديث الاسبوع

الأقوياء يتصارعون و الضعفاء يدفعون فاتورة التكلفة

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

تستمر عملية كسر العظام بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى من جهة، وجمهورية الصين الشعبية من جهة أخرى، فى سيناريو مواجهة يظل مفتوحا على جميع الاحتمالات. فبعد الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة التى أسقطت أحد الصقور القوية التى كانت معادية للصين، و يتعلق الأمر بالرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، الذى يعتبر أحد أكثر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إثارة للجدل على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، ترقب و انتظر المراقبون و المتتبعون ما ستعرفه الحروب الاقتصادية العنيفة التى اندلعت بين القوى الاقتصادية التقليدية، وقوة صناعية وتجارية جديدة، اقتحمت حلبة الصراع الاقتصادى العالمى، وما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستغير من طبيعة المواجهة الصاخبة بين الطرفين، و ما إذا كانت ستفتح العلاقات بين القوى المتحاربة على آفاق جديدة، أم أنها ستمضى فى نفس المسار وستضيف كمية جديدة من الحطب فى النيران الملتهبة بين الجانبين؟ ولم يدم الانتظار طويلا، حيث أعلن للرئيس الأمريكى المنتخب بعد أقل من ثلاثة أشهر على حلوله بالبيت الأبيض، وتحديدا فى نهاية شهر مارس الماضى عن رزمة من العقوبات الجديدة ضد جمهورية الصين، حيث قام بإضافة أكثر من ثلاثين شركة صينية إلى قائمة الشركات الصينية المشمولة بالعقوبات التجارية والاقتصادية، كما أكد تثبيت 59 شركة صينية ضمن (اللائحة السوداء) التى يحظر التعامل معها، و بذلك أعلن بصفة رسمية عن استمرار احتدام الحرب التجارية والاقتصادية المندلعة بين الطرفين. وسارع الاتحاد الأوروبى إلى مساندة القرارات الأمريكية الجديدة، و بدا من خلال مؤشر التزامن، أنه كان بدوره ينتظر ما ستقدم عليه الإدارة الأمريكية الجديدة فى مواجهة كرست التحالف الأمريكى، الأوروبى، حيث أعلن الاتحاد الأوروبى، تزامنا مع ما أعلنت عليه الإدارة الأمريكية الجديدة عن عقوبات ضد منظمة صينية وأربعة مسئولين صينيين، اعتبرهم الاتحاد متورطين فى أحداث منطقة ياغور. و لم تنتظر الصين طويلا للرد عن الرسائل، المستعجلة الواضحة التى وصلتها من الغرب، حيث أعلنت من جهتها عن عقوبات ضد أربع منظمات أوروبية وضد مركز تفكير ألمانى، وضد عشرات الشخصيات والمسئولين الأوروبيين من ضمنهم برلمانيون، منعتهم من الإقامة فى الصين وفى هونغونغ وفى مكاو. وزادت بكين من حدة تصديها للقرارات التى اتخذها خصومها فى الولايات المتحدة الأمريكية و فى الاتحاد الأوروبى بأن استبقت قمة الدول السبع التى انعقدت فى العاشر من شهر يونيو السابق بيوم واحد، وأخرجت إلى حيز الوجود قانونا لم يخضع إلى مسطرة التشريع المعتادة، مما أضفى عليه طابع الاستعجال سمى بـ(قانون ضد العقوبات الأجنبية) تكون من 16 فصلا، و جاء فى مقدمة هذا النص التشريعى الذى دخل حيز التنفيذ يوم إشهاره للعموم (إذا قامت دول أجنبية بخرق القانون الدولى والمعايير الأساسية للعلاقات الدولية، واتخذت تدابير تمييزية ضد مواطنين أو منظمات صينية، و تدخلت فى الشئون الداخلية الصينية، فإنه يحق للصين اتخاذ تدابير مضادة ملائمة) وشملت التدابير الصينية الجديدة الواردة فى هذا القانون الحرمان من الحصول على التأشيرة، وطرد غير المرغوب فيهم من التراب الصينى، ومصادرة أملاك شخص أو منظمة داخل الصين، و منع شخص أو منظمة من القيام بعمليات تجارية داخل الصين، كما أشار القانون الجديد إلى إمكانية اتخاذ تدابير أخرى، دون أن يحدد طبيعتها، مما يترك يد الحكومة الصينية مطلوقة فى اتخاذ تدابير وإجراءات أخرى قد تكون أكثر حدة و قوة فى مواجهة التحالف الأوروبى، الأمريكى ضدها.
و يتضح فى ضوء كل ذلك، أن المواجهة بين الطرفين ستزداد شراسة، وتفسير ذلك يكمن فى أن الأمر يتعلق بالصراع العنيف بين القوى الاقتصادية العالمية. فمن جهة هناك قوى اقتصادية تقليدية ليست مستعدة للتخلى و التنازل عن موقعها فى خريطة النظام الاقتصادى العالمى، الذى مكنها من التحكم فى مسار و توجه هذا النظام، بما يكرس الحفاظ على مصالحها المالية و التجارية، وبين قوى اقتصادية جديدة اقتحمت ساحة الوغى الاقتصادية العالمية، واتضح أن نفوذها يتزايد بما يضيق من مساحة سيطرة وهيمنة القوى الاقتصادية العالمية التقليدية، و فى هذا السياق فإن كل المنظومة الاقتصادية العالمية المعززة بالقوانين وبالمعاهدات وبالاتفاقيات تتهاوى وتصبح فى غاية الهشاشة، لأن طبيعة الحرب الشرسة تقتضى أولا و قبل كل شيء، إضعاف الخصم، و تجريده من جميع إمكانيات ومؤهلات الاستقواء.
والأكيد أن هذه المواجهة ستزداد احتداما،لأن كل طرف من أطرافها لن يغمض له جفن إزاء ما يجرى و يحدث، و يعد خطوات الخصم و يقوى عدة التصدى، فالتنين الصينى يستعرض عضلاته فى اكتساح اقتصادى يشمل مختلف القطاعات والمجالات العلمية والصناعية والتجارية، ويعتمد دبلوماسية مصالح متينة البنيان، بينما القوى الاقتصادية التقليدية تلاحقه بالمحاصرة فى مسعى إلى الحد من امتداد النفوذ و انتشاره، بما يضمن استمرار الهيمنة والتحكم فى مقود نظام عالمى اقتصادى لا يعترف إلا بالقوى.
وفى خضم التصعيد المتواصل بين الجانبين يتوقع أن يزداد النظام الاقتصادى العالمى تعقيدا و تشابكا، و ترتفع فيه حدة المواجهة، بينما يبقى فيه الصغار مجرد صغار، يدفعون فاتورة هذه المواجهة غاليا، مما ينعكس على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لشعوب الجزء الغالب من خريطة العالم، و يلقى بظلاله على علاقات دولية لا يتوقف مؤشر الاحتدام فيها عن الصعود، و تشرع أبواب المستقبل لمصير مجهول بدأت معالمه تتضح وتتجلى بولوج عالم حروب جديدة.
فهم يتواجهون، يتحاربون من أجل مصالح اقتصادية ومالية كبرى، بينما يكتفى الصغار بالتفرج ودفع تكاليف الفاتورة متى طلب منهم ذلك.
نقيب الصحافيين المغاربة