«آخرساعة» كانت معهن

هموم اللاجئات «راحت» بجلسات القهوة ورسم الحنة

رسم الحنة
رسم الحنة

آية فؤاد 

لا شك أن ملف اللاجئين فى مصر يحتاج إلى كثير من الإثراء، إذ لا يوجد قانون واضح ومحدد للاجئين، وإن كانوا يحصلون على دعم من عدة جهات أبرزها المفوضية السامية لشئون اللاجئين، بخلاف جهات أخرى تحاول جاهدة تقديم الدعم المادى والنفسى لهم، منها مركز المستقبل التعليمى المجتمعى الذى يتفرع عن جمعية الأحلام التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، وهذا المركز أسسته ميسون عبدالسلام المهاجرة من السودان لدعم اللاجئين والمهاجرين، وأصبح ملاذاً لكثير منهم.

عادة ما تنطوى حياة اللاجئات على حكايات وقصص شخصية تقشعر لها الأبدان، لكن فى مركز المستقبل التعليمى المجتمعى للاجئين امتزجت هذه الآلام بابتسامات الرضا والتصالح مع النفس، حيث يحاولن التخفيف عن بعضهن البعض، ويتركن ما خلفته الأيام السيئة التى مررن بها ومحونها من ذاكراتهن بطريقتهن الخاصة.

ما إن تطأ قدمك المكان حتى تستشعر رائحة البخور العطرة، والأغانى السودانية التى تصاحبها أصوات السيدات وتملأ أرجاء المكان، وفى زواية خاصة تتراص فناجين القهوة وبجانبها أطباق الحلوى على كل شكل ولون، لتعلن بدء جلسة نسائية خاصة يروحن فيها عن أنفسهن ويتبادلن الحكايات والأخبار.

وما إن فرغت السيدات من جلسة القهوة حتى كان فى انتظارهن المدربة لإعطائهن دورة تدريبية تنظمها مؤسسة سانت أندروز ستارز فى شئون التعليم، فالمركز فى الأساس هويته تعليمية، إلا أن ما تعانيه السيدات اللاجئات والمهاجرات من مشكلات تضاعفت خلال الفترة الماضية مع أزمة كورونا جعل منه أيضاً مكاناً للدعم النفسى والخيرى من خلال جلسات القهوة ومبادرة مستورة التى تستهدف مساعدة المتضررين من كورونا بتوزيع وجبات ساخنة وتوفير الأدوية وأسطوانات الأكسجين.

فى منطقة عزبة إمبابة حيث يقع مركز المستقبل التعليمى المجتمعى التقت آخر ساعة مجموعة من السيدات اللاجئات من جنسيات مختلفة (سوريات، ويمنيات، وإريتريات، وسودانيات) اللواتى أكدن أهمية الدعم النفسى الذى يوفره لهن المركز.

البداية كانت مع السودانية سمية عادل، التى درست علم النفس وتخرجت فى جامعة الخرطوم، حيث قالت: الظروف المعيشية فى بلدى كانت صعبة بسبب الأحداث السياسية التى مرت بها، فقررنا المجيء إلى مصر وقدمنا من خلال المفوضية كلاجئين وفى انتظار الرد، وحاولنا التأقلم مع النقلة الجديدة، حيث واجهتنا فى البداية مشكلة فى السكن والعمل، فأقمنا لفترة مع أحد أصدقائنا وحصل زوجى على العمل باليومية فى أحد المصانع.

وتوضح أن المركز شكَّل فارقاً كبيراً بالنسبة إليها من حيث الترويح عن النفس من خلال جلسات السيدات لتبادل الأحاديث، وخصوصاً جلسة احتساء القهوة التى تزيل الآثار النفسية السيئة الناتجة عن ظروف فيروس كورونا، بجانب عملها كمعلمة فى حضانة المركز للأطفال من سن 3 إلى 5 سنوات.

سمية تحدثت أيضاً عن أزمة كورونا التى تسببت فى إغلاق المدارس والحضانات، لذلك مرت بظروف صعبة إلا أن تطوعها من خلال المركز فى مبادرة مستورة واحتواء المركز لها سهَّل عليها الأمر إلى حد كبير، لافتة إلى أنها عرفت بالمركز من خلال صديقة لها حين كانت تبحث عن عمل فعرّفتها بمديرة المركز.

أما إيمان عامر، من اليمن، فقد جاءت إلى مصر منذ ثلاث سنوات، وحين تحدثنا إليها قالت: تخرجت فى كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الحديدة، وحاليا أعمل بالتدريس، وحصلت على درجة الماجستير من معهد البحوث والدراسات العربية، وقد اضطرتنى ظروف الحرب الطاحنة فى اليمن، والوضع غير الآمن إلى مغادرة بلادى مع أسرتى، وكان أول خيار لنا هو مصر التى نشأ وتوفى بها والدى ويعيش بها أخى ويحمل الجنسية المصرية، وعندما جئت إلى مصر شكلت أول 6 أشهر تحدياً كبيراً بالنسبة لى بحكم اختلاف العادات والثقافات ثم سرعان ما تأقلمت مع الوضع الجديد.

تتابع: عملت فى أماكن كثيرة تخدم اللاجئين كمتطوعة بأجر رمزى، وكنت غير قادرة على العمل فى وظائف بالجهات الحكومية المصرية، نظراً لعدم وجود تأمينات لى وعدم امتلاكى أوراقاً رسمية، وكانت كل هذه الأمور تمثل صعوبة بالنسبة إليّ، ولم ينقذنى منها سوى وجود أسرتى معي.

وتشير إيمان إلى أن أكثر الأمور التى يعانيها اللاجئون عموماً هو العامل النفسى السيئ لشعورهم طوال الوقت أنهم ضيوف ولا ينتمون للمكان، لكنها فى الوقت ذاته تقول: أعتقد أن محاولات إدماجهم فى المجتمع تمثل دعماً كبيراً لهم، كما أتمنى النظر فى أمر الإقامة وتكاليفها ومدتها، التى أصبحت كل 6 أشهر.

توجهنا بعد ذلك إلى إكرام محمد من السودان، التى كانت مندمجة فى شغل التطريز لتقص علينا حكايتها، حيث قالت: أنا متزوجة ولدى ثلاثة أولاد وبنت أكبرهم عمره 12 سنة، جئت إلى مصر عام 2018 بعد مجزرة الغيادة فى السودان التى خلفت أوضاعاً سيئة للغاية، حيث أغلقت الأسواق والمستشفيات، وأنا لدى اثنان من أولادى مرضى، يعانى الأول التهاباً بالكلى والثانى تصيبه حالة من التشنجات، لذلك نحن بحاجة إلى خدمة طبية طوال الوقت، فانتبانى الخوف على أولادى ووجدت أن ترك بلادى فى هذه الظروف لا مفر منه، وكانت مصر مقصدنا، وقدمت بالمفوضية كلاجئة وحصلت على الموافقة، وحاولت تدبير مسكن بأقل التكاليف، وبدأت رحلة البحث عن عمل، وحالياً أعمل أحياناً برسم الحنة للعرائس والفتيات، وأعمل بمدرسة مركز المستقبل معلمة للصف الثاني، حيث كنت أدرس الشريعة والقانون وإن كانت الظروف حالت دون إتمامى التعليم.

تتابع: لدى عقبات كثيرة حاولت تجاوزها بالاندماج فى العمل والأعمال التطوعية من خلال المركز، حيث اختلفت مع زوجى بسبب حملى الأخير وتركنى هنا بمفردى أتحمل مسئولية الأولاد كاملة ولا أعلم عنه شيئاً، وأهلى ما زالوا فى السودان أحاول الاطمئنان عليهم كل فترة. وبخصوص المركز أكدت أن جلسات القهوة ورسم الحنة مع صديقاتها من اللاجئات تخفف من ضغوطهن النفسية وتساعدهن على مواصلة الحياة.

أما لطيفة معاد، من سوريا، فجاءت إلى مصر منذ 7 سنوات جراء الأحداث السياسية المتلاحقة فى سوريا وتسببت فى فوضى عارمة بالبلاد، ما أفقدها الإحساس بالأمان، حيث تقول: لم أجد بلداً كمصر قريبا منا فى العادات والتقاليد والطباع لأقصده، بعد ما تعرضنا له من خوف وتدمير أحياء كاملة فى سوريا، فقررت اللجوء لمصر، وبالفعل وصلت ووجدت ما تمنيته من إحساس بالأمان، وبدأت تأسيس حياة جديدة أهم ما فيها الأعمال التطوعية التي حاولت أن تخدم قطاعا عريضا من اللاجئين.

تتابع: شاركت بالعمل التطوعي من خلال جمعية مصر بكرة أحلى التي تأسست لدعم اللاجئين بدعم وجهود فردية، حيث يعانى اللاجئون مشكلات بالسكن والعمل، وقد منحنا الاندماج فى العمل التطوعي روح العائلة، وهو شعور يزيد لدينا خلال جلسات القهوة وتبادل الأحاديث.

من جانبها، تقول السودانية ميسون عبدالسلام، مؤسسة المركز: تخرجت فى كلية الإعلام قسم علاقات عامة، خطت قدمى مصر عام 2017، وأنا متزوجة وأم لثلاثة أطفال (ولد وبنتان)، عندما أتينا إلى مصر كان المقرر أن نقدم على هجرة، ووجدنا أنه لا بد أن نمضى فترة من الزمن هنا، كما كان أمامنا طريقان، إما أن نعتمد على أنفسنا اعتماداً كاملاً، أو أن نشارك بالمنظمات والأعمال التطوعية، ومن خلال هيئة إنقاذ الطفولة سيف قدمنا على مشروع حضانة منزلية ضمن المشروعات الصغيرة التى تتبناها للاجئين، والحضانة من المشروعات التى يهتم بها اللاجئون المتعلمون، وتلقينا الموافقة على المشروع عام 2017، العام نفسه الذى أتينا فيه إلى مصر، وبدأنا التدريبات والتأهيل مع المنظمة فى التعليم النشط والحماية والإدارة التعليمية، وفى أثناء ذلك فكرنا فى تطوير المشروع ليصبح مدرسة وليس حضانة منزلية فقط، وبالفعل بدأنا مشروعنا وهو مدرسة لأبناء اللاجئين من مرحلة الحضانة إلى الثانوية، وبعدها قدمنا بهيئة الإنقاذ الكاثوليكية لكى يحصل الأبناء على المنح التعليمية.

وتوضح: من خلال مركز المستقبل التعليمى يتم تقديم خدمات تعليمية للمهاجرين⊇ والمصريين واللاجئين بجميع الجنسيات من السودان والصومال واليمن وسوريا، بالإضافة إلى الخدمات المجتمعية التى تساعد بها منظمة سانت أندروز ستارز لخدمة اللاجئين، حيث تقدم لنا أنواعاً مختلفة من التدريبات لأكثر من حرفة لتوفير فرص عمل أفضل للاجئات فيجرى تدريبهن على التطريز والأعمال اليدوية، بالإضافة إلى مركز خدمات التنمية المستدامة لتقديم خدمات توعية ومهارات حياتية، كما يقدم المركز أنشطة رياضية للأطفال⊇ من سن 10 إلى 15 عاماً، والشباب من 15 إلى 25 سنة.

وتشير ميسون إلى أن أزمة كورونا أثرت بشكل كبير فى النشاط التعليمي، فأغلِقت المدارس وتوقف معظم الأنشطة بالمركز، إلا أننا حاولنا أن يكون لنا دور خلال الأزمة، فأطلقنا مبادرة مستورة وهى فكرة ترجع إلى مصرية تدعى شروق، تعرفنا إليها من خلال هيئة إنقاذ الطفولة سيف،⊇ وتهدف المبادرة إلى مساعدة المرضى والمتضررين من أزمة⊇ كورونا، وقد بدأنا من خلال الدعم الذاتى وبمساعدة بعض الشباب المصريين فكنا نقوم بتوزيع شنط تموينية، ولكن وجدنا أن بعض الحالات غير قادرة على طهو الطعام لظروف مختلفة، فرأينا أنه من الأفضل توزيع وجبات جاهزة، ومن خلال مطبخ المركز والمتطوعات كنا نُجهِّز الوجبات ونوزعها على مستحقيها، بالإضافة لتقديم خدمات طبية كتوفير الأدوية للمرضى ومساعدتهم على تلقى العلاج والرعاية المناسبة والاستشارات الطبية وتوفير أجهزة أكسجين.

وتلفت إلى أن الكثير من اللاجئين يواجهون مشكلات فى السكن والعمل خلال أزمة كورونا مثلهم مثل الكثير من المصريين بسبب الجائحة فقد الكثيرون وظائفهم وواجهوا مشكلات فى دفع إيجار مساكنهم، وعمل المركز على تقديم يد العون لهم، وفى حال كان المبلغ كبيراً نحاول التفاوض مع صاحب الإيجار لتخفيضه⊇أو تقسيطه، وإذا كان المبلغ صغيراً يتولى المركز سداده بالكامل، كما حاولنا توفير فرص عمل لمن فقدوا أعمالهم، وإدخال ثقافة الحرف البديلة، فمعظم اللاجئين متعلمون لكنهم يواجهون مشكلة فى الحصول على عمل بالشهادة، ومعظم الأعمال المتاحة للسيدات يكون فى إطار العمل بالمنازل وهؤلاء يرون أنه عمل مخجل، لذا وفرنا لهن حرفاً يمارسنها من المنزل كالأشغال اليدوية والطهى وبيع الوجبات، أو رسم الحنة وتصفيف الشعر.

وأخيراً ترى ميسون ضرورة انخراط اللاجئين فى المجتمع من خلال توفير فرص عمل لهم، والاستفادة من قدراتهم، بدلاً من أن يشكلوا عبئاً إضافياً على البلد الذى يستضيفهم.