أهل «الرافدين» وجدوا الأمان فى مصر:«النيل» يروى أرواحنا

المطاعم العراقية منتشرة فى مدينة ٦ أكتوبر
المطاعم العراقية منتشرة فى مدينة ٦ أكتوبر

ياسين صبرى

العلاقات المصرية العراقية قديمة وذات طبيعة خاصة، وقبل أكثر من 30 عاما سافر مئات الألوف من المصريين إلى العراق للعمل كمزارعين وعمال وفنيين، والآن انعكست الصورة وفى ظل فترة عدم الاستقرار الأمنى فى العراق وما تبعه من مشكلات لجوء وهجرة آلاف العراقيين لمصر، ووفق بعض الإحصائيات فإن أعدادهم وصلت إلى عشرة آلاف عراقى، لكن مهما كان عددهم، فإنهم تأثروا بالمجتمع المصرى الذى يتشابه فى تفاصيل كثيرة مع مجتمعهم، كما اندمجوا سريعا فى قطاع العمل وتمركزوا فى مناطق بعينها.. آخرساعة رصدت أوضاع أهل بلاد الرافدين فى مصر وأماكن تجمعاتهم وطبيعة  أنشطتهم.

فى مدينة 6 أكتوبر استقر أغلب العراقيين الذين اختاروا القدوم إلى مصر والإقامة بها، حتى أن هناك شوارع تتصور للوهلة الأولى أنك انتقلت فوراً وعبر الزمن إلى إحياء وضواحى بغداد والبصرة، ستجد الأطفال العراقيين حولك يلهون وينادون على بعضهم باللهجة العراقية، بينما بجوارهم مقهى تخرج من جهاز التسجيل الموجود به أغانٍ لكاظم الساهر ورضا العبدالله أو مواويل شعبية قديمة لناظم الغزالي، وإن دخلت وجلست فى المقهى وجلست ستجد أغلب الحوارات حولك تتم بلهجة محلية عراقية شديدة الخصوصية، ويوجد للعراقيين فى 6 أكتوبر محلاتهم ومطاعمهم ومخابزهم الخاصة وتحمل أسماء لمناطق أو مصطلحات عراقية. 

بعد هروبه من الأحداث المختلفة فى العراق والتى اتسمت بالدموية، اختار خالد راشد إبراهيم، وشهرته أبوحسين العراقى، أن يشد الرحال إلى مصر بحثاً عن الأمان، واختار العمل فى مهنة الطهى التى كان يجيدها فى بلده، فافتتح مطعماً متخصصاً فى تقديم الأكلات العراقية بعد أن استقر به المقام فى الحى السابع بمدينة 6 أكتوبر عام 2006.

يتابع: كغيرى من العراقيين الذين انتقلوا إلى مصر نتيجة الفوضى الأمنية هناك واجهتنى بعض المشاكل  تمثلت فى كيفية الحصول على الإقامة، وبعد محاولات متعددة  تمكنت من الحصول على إقامة مؤقتة عبر مساعدة من منظمة الأمم المتحدة ما سهل لى فتح المطعم وإلحاق أبنائى بالمدارس ثم الجامعات المصرية، وفى البداية عملت فى أكثر من مهنة، لكن مع زيادة أعداد العراقيين الموجودين فى مدينة 6 أكتوبر سواء للسكن أو العمل أو الدراسة خطرت لى فكرة إقامة مطعم متخصص بالأكلات العراقية الشعبية، وساعد على نجاح الفكرة وقتها هو عدم وجود منافسين لى آنذاك، فاستمريت فى العمل بالمطعم لمدة اثنى عشر عاما وبعد أن كان العمل به  مقتصراً على أفراد الأسرة توسع ليشمل العمالة المصرية..

حالة أخرى رصدتها آخرساعة وهى حالة محمد ماجد الهاشمى، الذى أوضح لنا ظروف لجوئه من العراق إلى مصر فيقول: اضطررت لترك بيتى فى بغداد والفرار إلى القاهرة لاستفحال الاضطرابات فى بلادي، التى غادرتها فى عام 2005  لانتشار أعمال السلب والنهب وظهور عصابات تقتل الأبرياء على الهوية والديانة فى حوادث لم نكن نألفها من قبل خاصة أن  المنطقة التى كنا نسكن بها كانت تتمتع بأمان نسبى.

ويوضح محمد ماجد سبب اختياره لمصر قائلاً: كان والدى مرتبطاً فى السابق بأعمال التجارة والاستيراد مع التجار المصريين واستقر بالقاهرة لفترة قصيرة ثم انتقل بعد ذلك إلى الأردن وعمل بها  ثم عاد إلى العراق، وعند وقوع الاضطرابات فضل والدى الذهاب إلى مصر..

ويقول محمد فالح، طالب جامعى: منذ عشر سنوات وأنا مقيم بمصر فى مدينة السادس من أكتوبر، ومصر هى وطننا الثانى وتشبه العراق فى تفاصيل كثيرة، وربما لأن نيلها يذكرنى بالفرات.. 

ورغم وجود العديد من المطاعم العراقية فى المدينة إلا أننى أفضل تناول الطعام رفقة أصدقائى عند مطعم أبو حسين كونه يقدم العديد من الأكلات الأصيلة مثل مثل الكفتة العراقية والكبيبات والمقلوبة والبريانى التى تمثل لى ذكرى عطرة  من رائحة العراق.

 كان من الملاحظ أن الفترة الماضية شهدت عودة بعض أصحاب الأعمال العراقيين إلى بلدانهم فى العراق مع بدء الاستقرار النسبى هناك فى بعض المناطق لكن محالهم لاتزال قائمة بنفس أسمائها على الرغم من بيعهم إياها لمصريين الذين قرروا استثمار الشعبية التى حققتها تلك المحلات لتحقيق الأرباح وتنمية نشاطهم التجارى، يوضح هذا الأمر لنا محمد سلامة، مدير مخبز الذى أشار إلى استمراره فى إنتاج نفس النوعية من الصمون الحجرى − الخبز  العراقى − الذى كان ينتجه المخبز سابقاً وهو يختلف عن الخبز المصرى العادى فى مكوناته وطريقة تحضيره حيث مازال هناك من يحرص على شرائه.