من هم أصحاب الفتوى المعتمدين؟ .. الإفتاء تجيب

دار الافتاء المصرية
دار الافتاء المصرية

أكدت دار الإفتاء أن المفتي هو الفقيه الذي يتصدى لبيان الأحكام الشرعية لمن سأل عنها، لافتة إلي أن الأصل في المفتي أن يكون فقيهًا مجتهدًا، وهو على مراتب قسمها العلماء وهي كالأتي: 

المفتي المجتهد على أربعة أقسام: 

  • مجتهد مستقل
 • ومجتهد مذهب (وله أحوال أربعة)
 • ومجتهد في نوع من العلم 
  • ومجتهد في مسألة منه أو مسائل.

وعرفت دار الإفتاء القسم الأول- المجتهد المستقل: 
 - هو الفقيه الذي يستقل بإدراكه للأحكام الشرعية(1) من الأدلة الشرعية العامة والخاصة، ولا يقلد أحدًا، ولا يتقيد بمذهب أحد. ويسميه بعض العلماء: المجتهد المطلق(2).

شروط المجتهد المستقل:

من الشروط التي تشترط في المجتهد المستقل ما يأتي: 
-أن يعرف من نصوص الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام، وأن يعرف حقيقة ذلك ومجازه وأمره ونهيه ومجمله ومبيَّنه ومحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه ومطلقه ومقيده وناسخه ومنسوخه والمستثنى والمستثنى منه. 
 - وأن يعرف صحيح السنة من ذلك وسقيمها ومتواترها وآحادها ومرسلها ومسندها ومتصلها ومنقطعها. 
- وأن يعرف الوفاق والخلاف في مسائل الأحكام الفقهية في كل عصر. 
- وأن يعرف الأدلة والشبهة والفرق بينهما. 
 - وأن يعرف القياس وشروطه وما يتعلق بذلك. 
- وأن يعرف العربية المتداولة بالحجاز واليمن والشام والعراق ومن حولهم من العرب، ولا يضر جهله ببعض ذلك؛ لشبهة أو إشكال، لكن يكفيه معرفة وجوه دلالة الأدلة وكيفية أخذ الأحكام من لفظها ومعناها.

واوضحت  دار الإفتاء  ان هناك شروط شخصية نص عليها بعض العلماء، قال ابن الصلاح في تعدادها: " أن يكون مكلفًا مسلمًا، ثقة مأمونًا، متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة، لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد، وإن كان من أهل الاجتهاد.
ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط مستيقظًا")

هل يشترط حفظه لأكثر الفقه؟
قال ابن الصلاح: «ما اشترطناه فيه من كونه حافظًا لمسائل الفقه، لم يعد من شروطه في كثير من الكتب المشهورة؛ نظرًا إلى أنه ليس شرطًا لمنصب الاجتهاد، فإن الفقه من ثمراته فيكون متأخرًا عنه، وشرط الشيء لا يتأخر عنه.
واشترطه أبو إسحاق الإسفراييني، وصاحبه أبو منصور البغدادي، وغيرهما.

واشتراط ذلك في صفة المفتي الذي يتأدى به فرض الكفاية هو الصحيح، وإن لم يكن كذلك في صفة المجتهد المستقل ...؛ لأن حال المفتي يقتضي اشتراط كونه على صفة يسهل عليه معها إدراك أحكام الوقائع على القرب من غير تعب كثير، وهذا لا يحصل لأحد من الخلف إلا بحفظ أبواب الفقه ومسائله، ثم لا يشترط أن تكون جميع الأحكام على ذهنه، بل يكفي أن يكون حافظًا للمعظم متمكنًا من إدراك الباقي على القرب».

قال النووي: "ثم إنما يشترط اجتماع العلوم المذكورة في مفتٍ مطلق في جميع أبواب الشرع، فأما مفتٍ في باب خاص- كالمناسك والفرائض- فيكفيه معرفة ذلك الباب. كذا قطع به الغزالي وصاحبه ابن بَرهان- بفتح الباء- وغيرهما، ومنهم من منعه مطلقا، وأجازه ابن الصباغ في الفرائض خاصة، والأصح جوازه مطلقًا."
وأشارت دار الإفتاء علي أن هذا يجوز أن يختص المفتي بباب يفتي الناس في مسائله، كالطلاق أو المعاملات المالية ونحو ذلك.

وهل تُشترط معرفة الحساب ونحوه في المسائل المتوقفة عليه؟
قال ابن الصلاح: « هل يشترط فيه أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟ حكى أبو إسحاق وأبو منصور فيه اختلافًا للأصحاب، والأصح اشتراطه؛ لأن من المسائل الواقعة نوعًا لا يعرِف جوابَه إلا من جمع بين الفقه والحساب».

هل عدم المجتهد المطلق؟
قال ابن حمدان: ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق مع أنه الآن أيسر منه في الزمن الأول؛ لأن الحديث والفقه قد دونا، وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات والآثار وأصول الفقه والعربية وغير ذلك، لكن الهمم قاصرة، والرغبات فاترة، ونار الجد والحذر خامدة؛ اكتفاء بالتقليد، واستعفاء من التعب الوكيد، وهربا من الأثقال، وأَرَبا في تمشية الحال وبلوغ الآمال ولو بأقل الأعمال، وهو فرض كفاية قد أهملوه وملوه، ولم يعقلوه ليفعلوه.

لكن لم يرتض السيوطي القول بانعدام المجتهد المطلق، فقال: « لهج كثير من الناس اليوم بأن المجتهد المطلق فقد من قديم، وأنه لم يوجد من دهرٍ إلا المجتهد المقيد. وهذا غلط منهم، ما وقفوا على كلام العلماء، ولا عرفوا الفرق بين المجتهد المطلق والمجتهد المستقل، ولا بين المجتهد المقيد ولا المجتهد المنتسب، وبين كل مما ذكر فرق؛ ولهذا ترى أن من وقع في عبارته (المجتهد المستقل مفقود من دهر) ينص في موضع آخر على وجود المجتهد المطلق، وللتحقيق في ذلك أن المجتهد المطلق أعم من المجتهد المستقل، وغير المجتهد المقيد، فإن المستقل هو الذي استقل بقواعد لنفسه بنى عليها الفقه خارجًا عن قواعد المذاهب المقررة, وهذا شيء فقد من دهر، بل لو أراده الإنسان اليوم لامتنع عليه، ولم يجز له، نص عليه غير واحد.

قال ابن برهان في كتاب الأصول: أصول المذاهب وقواعد الأدلة منقولة عن السلف، فلا يجوز أن يحصل في الأعصار خلافها.

وقال ابن المنير: أتباع الأئمة الآن -الذين حازوا شروط الاجتهاد- مجتهدون ملتزمون ألا يحدثوا مذهبا: أما كونهم مجتهدين فلأن الأوصاف قائمة بهم، وأما كونهم ملتزمين ألا يحدثوا مذهبا فلأن إحداث مذهب زائد -بحيث يكون لفروعه أصول وقواعد مباينة لسائر قواعد المتقدمين- متعذر الوجود؛ لاستيعاب المتقدمين لسائر الأساليب... وأما المجتهد المطلق غير المستقل فهو الذي وجدت فيه شروط الاجتهاد التي اتصف بها المجتهد المستقل ثم لم يبتكر لنفسه قواعد، بل سلك طريق إمام من أئمة المذاهب في الاجتهاد، فهذا مطلق منتسب، لا مستقل ولا مقيد ، هذا تحرير الفرق بينهما، فبين المستقل والمطلق عموم وخصوص، فكل مستقل مطلق، وليس كل مطلق مستقلا».

وأشارت الإفتاء الي أن العطار حكى عن بعض الشافعية أنه لا يخلو زمان من مجتهد قائم لله بالحجة، وأن ما حكي عن المتقدمين من انعدام المجتهد المطلق يراد به: عدم وجود مجتهد قائم بأعباء القضاء؛ لأن فحول المجتهدين في هذه الأزمنة كانوا يربئون بأنفسهم عن القضاء