عبدالفتاح عبدالرحمن الجمل: أنا اتحاد كتَّاب متواضع!

عبدالفتاح عبدالرحمن الجمل: أنا اتحاد كتَّاب متواضع!
عبدالفتاح عبدالرحمن الجمل: أنا اتحاد كتَّاب متواضع!

كتبت :عائشة‭ ‬المراغى

مسيرة‭ ‬طويلة‭ ‬شهد‭ ‬معاصروه‭ ‬بعضًا‭ ‬منها،‭ ‬لكن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تفاصيلها‭ ‬لا‭ ‬يعلمه‭ ‬أحد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلنى‭ ‬أقطع‭ ‬طريقًا‭ ‬طويلًا‭ ‬حتى‭ ‬وصلتُ‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬المنصورة،‭ ‬لألتقيه‭ ‬بأحد‭ ‬المقاهى‭ ‬المجاورة‭ ‬لمحطة‭ ‬السكة‭ ‬الحديد،‭ ‬تلك‭ ‬المحطة‭ ‬التى‭ ‬اقتسمت‭ ‬العُمر‭ ‬معه‭ ‬ومع‭ ‬عائلته،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬أبوه‭ ‬وعمه‭ ‬يعملان‭ ‬بها،‭ ‬ثم‭ ‬تسببت‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬مأساة‭ ‬حياته‭ ‬الكبرى‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬طفلًا‭ ‬لم‭ ‬تبلغ‭ ‬سنوات‭ ‬عمره‭ ‬عدد‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة،‭ ‬حينما‭ ‬بُتِرت‭ ‬ذراعه‭ ‬على‭ ‬قضبانها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المحطة‭ ‬صارت‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬الحادث‭ ‬مصدرًا‭ ‬لرزقه،‭ ‬بعدما‭ ‬التحق‭ ‬بالعمل‭ ‬فيها؛‭ ‬يتذكر‭: ‬افى‭ ‬الستينيات؛‭ ‬أسس‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬مكتب‭ ‬التأهيل‭ ‬المهنى‭ ‬لتأهيل‭ ‬ذوى‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬ظروفهم،‭ ‬فتقدمتُ‭ ‬لأتعلم‭ ‬استخدام‭ ‬الآلة‭ ‬الكاتبة،‭ ‬التى‭ ‬لطالما‭ ‬تمنيتُ‭ ‬امتلاكها‭ ‬لأخط‭ ‬عليها‭ ‬أعمالى‭. ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬التعليم‭ ‬ثلاثة‭ ‬شهور،‭ ‬ومكافأة‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬275‭ ‬قرشا،‭ ‬وبعد‭ ‬حصولى‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬وفَّر‭ ‬لى‭ ‬مكتب‭ ‬التأهيل‭ ‬فرصة‭ ‬للعمل‭ ‬بالسكة‭ ‬الحديد‭. ‬ثم‭ ‬تمرّ‭ ‬الأيام‭ ‬والسنون‭ ‬ويعمل‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬أبنائى‭ ‬الخمسة‭ ‬فيها‭ ‬أيضًا،‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬مختلف‭.‬

طفل‭ ‬أزهرى

التحق‭ ‬الجمل‭ ‬فى‭ ‬طفولته‭ - ‬عقب‭ ‬الحادث‭ - ‬بمدرسة‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بالمنصورة،‭ ‬وزامل‭ ‬فيها‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬عبدالله،‭ ‬أستاذ‭ ‬النقد‭ ‬الأدبى‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يكبره‭ ‬بعام،‭ ‬وبالتالى‭ ‬سبقه‭ ‬فى‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الأزهرية‭ ‬فور‭ ‬افتتاحها‭ ‬بالمحافظة‭ ‬عام‭ ‬1950/1951،‭ ‬إذ‭ ‬وجده‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬مرتديًا‭ ‬اعمة‭ ‬وكاكولاب‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الجلباب،‭ ‬فاستفسر‭ ‬منه‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬التقديم‭ ‬وذهب‭ ‬لاجتياز‭ ‬الاختبارات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬شيئًا،‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬وحده‭ ‬فى‭ ‬الخفاء‭. ‬

تفوق‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬فى‭ ‬دراسته‭ ‬بالأزهر،‭ ‬لكن‭ ‬وفاة‭ ‬والدته؛‭ ‬وعائله‭ ‬الوحيد،‭ ‬حالت‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬استكمال‭ ‬طريقه،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬احطمت‭ ‬مجداف‭ ‬سفينته،إذ‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬مجبرًا‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬للحياة،‭ ‬مكافحًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬عيشه،‭ ‬وسط‭ ‬شباب‭ ‬مفتولى‭ ‬العضلات،‭ ‬فعمل‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬المتباينة؛‭ ‬فى‭ ‬مخبز‭ ‬وفى‭ ‬مطعم‭ ‬وفى‭ ‬مقهى‭ ‬شعبى‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬المسار‭ ‬غريبًا‭ ‬عليه،‭ ‬لأن‭ ‬أسرته‭ ‬بأكملها‭ ‬كانت‭ ‬عمالية،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬بها‭ ‬يقرأ‭ ‬أو‭ ‬يكتب،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬اختار‭ ‬تغيير‭ ‬الدفة‭ ‬واتباع‭ ‬صوت‭ ‬داخله‭ ‬يأخذه‭ ‬لطريق‭ ‬آخر؛‭ ‬لدرب‭ ‬الإبداع‭. ‬وأول‭ ‬ما‭ ‬جذبه‭ ‬كان‭ ‬التمثيل،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬صديق‭ ‬يرأس‭ ‬فريق‭ ‬التمثيل‭ ‬بمدرسة‭ ‬الصنايع،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬جزءًا‭ ‬أصيلًا‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬التعليمى‭. ‬صارحه‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬برغبته‭ ‬فى‭ ‬التمثيل‭ ‬فأجابه‭ ‬بأن‭ ‬للفن‭ ‬والإبداع‭ ‬دروبًا‭ ‬متعددة‭ ‬بخلاف‭ ‬التمثيل،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مناسبة‭ ‬له‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬وأحاله‭ ‬إلى‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى،‭ ‬مهديًا‭ ‬إياه‭ ‬مسرحية‭ ‬امجنون‭ ‬ليلىب‭ ‬لأحمد‭ ‬شوقى،‭ ‬لكن‭ ‬الخلفية‭ ‬الثقافية‭ ‬لعبدالفتاح‭ ‬وضعف‭ ‬محصلته‭ ‬اللغوية‭ ‬لم‭ ‬يعيناه‭ ‬على‭ ‬فهمها،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يستسلم‭: ‬اكنتُ‭ ‬مثابرًا،‭ ‬فبدأتُ‭ ‬أقرأ‭ ‬وأميّز‭ ‬وأشترى‭ ‬الكتب‭. ‬كان‭ ‬الشائع‭ ‬حينذاك‭ ‬روايات‭ ‬الجيب،‭ ‬لكنى‭ ‬عندما‭ ‬حاولتُ‭ ‬قراءتها‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬هوى‭ ‬فى‭ ‬نفسى،‭ ‬وأحسستُ‭ ‬أن‭ ‬معالجتها‭ ‬لا‭ ‬تلائمنى‭. ‬صِرتُ‭ ‬تلقائيًا‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬الكاتب‭ ‬الذى‭ ‬أشعر‭ ‬بتجاوبه‭ ‬مع‭ ‬مشاعرى،‭ ‬فاكتشفتُ‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الخمايسى‭ ‬فى‭ ‬اقمصان‭ ‬الدمب‭. ‬بمجرد‭ ‬قراءتى‭ ‬له‭ ‬شعرتُ‭ ‬أنه‭ ‬كاتب‭ ‬كبير‭ ‬جدًا‭. ‬ثم‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الشرقاوى،‭ ‬وبدأتُ‭ ‬أنتقل‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭. ‬كنتُ‭ ‬أذهب‭ ‬لدار‭ ‬الكتب‭ ‬على‭ ‬البحر،‭ ‬وأقرأ‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬شراءه‭ ‬من‭ ‬الكتب،‭ ‬أبحث‭ ‬فى‭ ‬فهرس‭ ‬الأدب‭ ‬عن‭ ‬المجموعات‭ ‬الروائية‭ ‬الكاملة،‭ ‬ليوسف‭ ‬السباعى‭ ‬وتوفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬وغيرهما،‭ ‬أقرؤهم‭ ‬واحدًا‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭. ‬كانت‭ ‬الدار‭ ‬تفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬فى‭ ‬الثامنة‭ ‬والنصف‭ ‬صباحًا‭ ‬وتُغلَق‭ ‬فى‭ ‬الواحدة‭ ‬والنصف،‭ ‬أذهب‭ ‬لتناول‭ ‬االغداءب‭ ‬وأعود‭ ‬فى‭ ‬الثانية‭ ‬والنصف‭ ‬عصرًا‭ ‬حينما‭ ‬تُفتح‭ ‬مجددًا‭ ‬حتى‭ ‬السابعة‭ ‬مساء،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يوجهنى‭ ‬أحد،‭ ‬أصبحتُ‭ ‬فى‭ ‬وسط‭ ‬العائلة‭ ‬شاذا‭ ‬وخارجا‭ ‬على‭ ‬الإطار‭ ‬الاجتماعى‭ ‬الذى‭ ‬رسمه‭ ‬القدر‭ ‬لهذه‭ ‬الأسرة،‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬استبدت‭ ‬به‭ ‬فكرة‭ ‬الكتابة‭ ‬والرغبة‭ ‬فى‭ ‬التعبير‭.‬

بداية‭ ‬شعرية‭ ‬

استهل‭ ‬الجمل‭ ‬كتابة‭ ‬نصوصه‭ ‬الأولى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬شكلًا،‭ ‬فكانت‭ ‬البداية‭ ‬مع‭ ‬شعر‭ ‬العامية،‭ ‬وهو‭ ‬اللون‭ ‬الأدبى‭ ‬ذو‭ ‬التأثير‭ ‬الأول‭ ‬فى‭ ‬وجدانه‭ ‬خلال‭ ‬طفولته،‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬يدخل‭ ‬أحدهم‭ ‬إلى‭ ‬شارعه‭ ‬ذ‭ ‬وقتما‭ ‬كان‭ ‬التسول‭ ‬بالغناء‭ ‬ذ‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬الزمان‭ ‬والجور‭ ‬والظلم،‭ ‬ثم‭ ‬يبدأ‭ ‬فى‭ ‬غناء‭ ‬اأنا‭ ‬اللى‭ ‬ببيع‭ ‬ياسمين‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬مين‭ ‬راح‭ ‬يجنى‭ ‬الوردب،‭ ‬يتذكر‭: ‬اكان‭ ‬صوتًا‭ ‬شجيًا،‭ ‬أشعر‭ ‬معه‭ ‬بأننى‭ ‬أنزف،‭ ‬ولايزال‭ ‬يرن‭ ‬فى‭ ‬أذنى‭.‬

ومن‭ ‬أشعاره‭ ‬التى‭ ‬خطّها‭ ‬فى‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬الو‭ ‬تطعم‭ ‬الفم‭ ‬لقمة‭/ ‬صاحبه‭ ‬ليك‭ ‬ينقاد‭/ ‬ويميل‭ ‬على‭ ‬غيتك‭/ ‬وإن‭ ‬مِلت‭ ‬برضه‭ ‬يميل‭/ ‬شمع‭ ‬الولاء‭ ‬لك‭ ‬فى‭ ‬قلبه‭ ‬دايمًا‭ ‬ينقاد‭/ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬مسكّن‭ ‬عواصف‭ ‬معدته‭ ‬بجميلب‭. ‬وبعد‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬كتابة‭ ‬القصة‭ ‬والرواية،عاد‭ ‬الجمل‭ ‬إلى‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬عام‭ ‬2006‭ ‬بديوان‭ ‬فصحى‭ ‬عنوانه‭ ‬اإشارة‭ ‬من‭ ‬الخرس‭ ‬كلام‭.‬

أما‭ ‬النشر‭ ‬الحقيقى‭ ‬فبدأ‭ ‬بقصتين‭ ‬فى‭ ‬مجلة‭ ‬صباح‭ ‬الخير‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬عقب‭ ‬االنكسة‭. ‬ما‭ ‬شعر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬انكسار‭ ‬جعله‭ ‬يحمل‭ ‬أوراقه‭ ‬وأقلامه‭ ‬متجهًا‭ ‬إلى‭ ‬جنينة‭ ‬اشجرة‭ ‬الدرب‭ ‬الشهيرة‭ ‬بالمنصورة،‭ ‬فكتب‭ ‬ارجل‭ ‬واحد‭ ‬ينازع‭ ‬البقاء‭ ‬واأعشاش‭ ‬العصافير‭ ‬الميتة‭ ‬وأرسلهما‭ ‬إلى‭ ‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬بعدما‭ ‬عهدوا‭ ‬إليه‭ ‬برئاسة‭ ‬مجلة‭ ‬صباح‭ ‬الخير؛‭ ‬نُشرت‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬عدد‭ ‬13‭ ‬يوليو‭ ‬والثانية‭ ‬فى‭ ‬عدد‭ ‬20‭ ‬يوليو‭ ‬بدون‭ ‬كلمة‭ ‬االميتةب‭. ‬يتذكر‭ ‬الجمل‭: ‬اكتبتهما‭ ‬دفقة‭ ‬واحدة،‭ ‬ووضعتهما‭ ‬فى‭ ‬ظرف‭ ‬عليه‭ ‬ورقة‭ ‬ابوسطةب‭ ‬بعشرة‭ ‬ملاليم،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أبدِّل‭ ‬فيهما‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬حرفا،‭ ‬وهذا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬سوى‭ ‬مرتين‭. ‬كانت‭ ‬صباح‭ ‬الخير‭ ‬تصل‭ ‬إلينا‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أسبوع،‭ ‬فهاتفنى‭ ‬صديق‭ ‬على‭ ‬مكتبى‭ ‬وقال‭ ‬لى‭: ‬مبروك،‭ ‬قصتك‭ ‬نُشرت‭. ‬وفى‭ ‬الأسبوع‭ ‬التالى‭ ‬وصلتنى‭ ‬نفس‭ ‬المكالمة‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الصديق‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ينشر‭ ‬حينها‭ ‬فى‭ ‬صباح‭ ‬الخير‭ ‬سوى‭ ‬الأسماء‭ ‬والعمالقة،‭ ‬لا‭ ‬شخص‭ ‬مثلى‭ ‬من‭ ‬الريف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أشعرنى‭ ‬بالهم‭ ‬والمسئولية؛‭ ‬لقد‭ ‬ضغط‭ ‬الهم‭ ‬الثقافى‭ ‬والأدبى‭ ‬على‭ ‬أنفاسى‭.‬

أدب‭ ‬الجماهير

واصل‭ ‬الجمل‭ ‬النشر‭ ‬فى‭ ‬المجلات‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية،‭ ‬مثل‭ ‬االقبس‭ ‬الكويتية‭ ‬والمجلة‭ ‬واروزاليوسف‭ ‬والمنصورة،‭ ‬ثم‭ ‬جمع‭ ‬قصصه‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬أسماه‭ ‬اأحلام‭ ‬ترانزستورب؛‭ ‬باكورة‭ ‬إصدارات‭ ‬أدب‭ ‬الجماهير‭ ‬التى‭ ‬أسسها‭ ‬مع‭ ‬الراحلين‭ ‬فؤاد‭ ‬حجازى‭ ‬ومحمد‭ ‬يوسف‭ ‬وزكى‭ ‬عمر،‭ ‬بهدف‭ ‬النشر‭ ‬للأدباء‭ ‬الشبان‭ ‬فى‭ ‬مختلف‭ ‬محافظات‭ ‬مصر،‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬لهم‭ ‬حظًا‭ ‬ويقفون‭ ‬فى‭ ‬طوابير‭ ‬النشر‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭. ‬يستفيض‭ ‬الجمل‭: ‬ااتفقنا‭ ‬نحن‭ ‬الأربعة‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬المادة‭ ‬التى‭ ‬تصل‭ ‬لأدب‭ ‬الجماهير‭ ‬ونتخذ‭ ‬بشأنها‭ ‬قرارًا،‭ ‬لكن‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬كان‭ ‬مستواها‭ ‬متدنيًا،‭ ‬واختلفتُ‭ ‬على‭ ‬نشرها‭ ‬مع‭ ‬حجازى،‭ ‬إذ‭ ‬كنت‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬واجبنا‭ ‬توجيه‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬لتطوير‭ ‬كتاباتهم‭ ‬لا‭ ‬نشرها‭ ‬بهذا‭ ‬المستوى،‭ ‬وبسبب‭ ‬ذلك‭ ‬تركتُ‭ ‬الدار‭. ‬

كتب‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل‭ ‬غالبية‭ ‬أعماله‭ ‬بين‭ ‬العمال‭ ‬واالشغيلة؛‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬قصته‭ ‬أغنية‭ ‬العودة‭ ‬التى‭ ‬خطّها‭ ‬فى‭ ‬محل ‬مصر،‭ ‬ونُشرت‭ ‬فى‭ ‬مجموعته‭ ‬القصصية‭ ‬الأولى‭ ‬اأحلام‭ ‬ترانزستورب،‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬تمثيلية‭ ‬إذاعية‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬توفيق‭ ‬الدقن‭ ‬وسهير‭ ‬البابلى،‭ ‬وكذلك‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬اأولاد‭ ‬المنصورة‭ ‬التى‭ ‬كتبها‭ ‬بين‭ ‬العمال‭ ‬فى‭ ‬الورش‭ ‬المتنقلة،‭ ‬وفازت‭ ‬بالجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬نادى‭ ‬القصة،‭ ‬يقول‭: ‬اأصدقائى‭ ‬كلهم‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬االبروليتارياب،‭ ‬أصحاب‭ ‬ورش‭ ‬متنقلة‭ ‬واسمكرية‭ ‬سيارات‭ ‬ودهان‭. ‬كان‭ ‬بجوارنا‭ ‬كشك‭ ‬صغير‭ ‬يصنع‭ ‬قهوة‭ ‬وشايا‭ ‬ودخان‭ ‬امعسل،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬إصلاح‭ ‬سيارته‭ ‬يأتى‭ ‬وأنا‭ ‬جالس‭ ‬معهم‭ ‬أكتب‭ ‬فى‭ ‬الرواية،‭ ‬وكلما‭ ‬أنتهى‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬أقرؤه‭ ‬لهم،‭ ‬أعلم‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يقرأون‭ ‬ولم‭ ‬يذهبوا‭ ‬يومًا‭ ‬للمدرسة،‭ ‬لكنى‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أهتم‭ ‬لرأيهم‭ ‬النقدى‭ ‬وإنما‭ ‬إحساسهم‭ ‬وانطباعهم،‭ ‬كان‭ ‬جميلًا‭ ‬جدًا‭ ‬ويزيدنى‭ ‬اعتدادًا‭ ‬ويشجعنى‭ ‬على‭ ‬الاستمرار،‭ ‬كانوا‭ ‬سعداء‭ ‬بى‭ ‬وأنا‭ ‬سعيد‭ ‬بهم،‭ ‬بإحساسهم‭ ‬الفطرى،‭ ‬فكل‭ ‬منا‭ ‬بداخله‭ ‬ناقد‭ ‬وفنان‭ ‬يكسوه‭ ‬بعض‭ ‬الغبار‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬للنفضب‭. ‬

توالت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أعماله‭ ‬القصصية‭ ‬والروائية؛‭ ‬ارحمة‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬الخيمة،‭ ‬العنف‭ ‬السرى،‭ ‬اشفاه‭ ‬من‭ ‬الملح،‭ ‬االخروج‭ ‬من‭ ‬بئر‭ ‬العطش،‭ ‬اعفاريت‭ ‬الملك‭ ‬سليمان،‭ ‬اصباح‭ ‬الديك‭ ‬الحزين،‭ ‬اموت‭ ‬مبكر‭ ‬جدًاب،‭ ‬االلعب‭ ‬فى‭ ‬الحلقة،‭ ‬ازفة‭ ‬مصرية،‭ ‬اسقوط‭ ‬مدينة‭ ‬معلهش،‭ ‬اهمس‭ ‬القلوب‭.‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مسرحية‭ ‬ابطاقة‭ ‬عائلية،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬السياسية‭ ‬مثل‭ ‬اإسرائيل‭ ‬من‭ ‬الشتات‭ ‬إلى‭ ‬الاستعمار،‭ ‬االإسلام‭ ‬بين‭ ‬الشيعة‭ ‬والقاديانيةب،‭ ‬ابابا‭ ‬الفاتيكان‭ ‬وحديث‭ ‬الساعة،‭ ‬اصعود‭ ‬وسقوط‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬اهواجس‭ ‬ومخاوف‭ ‬لدى‭ ‬المسلمين‭ ‬والنصارى‭ ‬منذ‭ ‬الحملات‭ ‬الصليبية‭ ‬وحتى‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬وايوسف‭ ‬على‭ ‬خزائن‭ ‬مصرب‭. ‬وعن‭ ‬تلك‭ ‬المؤلفات‭ ‬يقول‭: ‬االمرحلة‭ ‬التى‭ ‬أشعر‭ ‬فيها‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬همومى‭ ‬الأدبية‭ ‬أو‭ ‬أجد‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬القحط‭ ‬الأدبى،‭ ‬أتجه‭ ‬إلى‭ ‬ثقافتى‭ ‬وقراءاتى‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬والفكر،‭ ‬وأمارس‭ ‬الكتابة‭ ‬الفكرية،‭ ‬حتى‭ ‬أسترد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬أحاسيسى‭ ‬الإنسانية‭ ‬وأعود‭ ‬لكتابة‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة‭. ‬لا‭ ‬أترك‭ ‬نفسى‭ ‬للفراغ،‭ ‬وإنما‭ ‬أشغلها‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المجال‭ ‬الفنى‭ ‬والأدبى‭ ‬بالكتابة‭ ‬فى‭ ‬الفكر‭ ‬حتى‭ ‬تواتينى‭ ‬فرصة‭ ‬أخرى‭ ‬للكتابة‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬القصصى‭ ‬أو‭ ‬الشعرى‭ ‬أو‭ ‬المسرحى‭ ‬أو‭ ‬الروائى،‭ ‬أجمع‭ ‬بين‭ ‬كتابة‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬والكتابة‭ ‬الفكرية،‭ ‬لأننى‭ ‬مهموم‭ ‬دائمًا،‭ ‬أنام‭ ‬وأصحو‭ ‬بالفكر‭.‬

إبداع‭ ‬الحرية‭ ‬واتحاد‭ ‬الكتاب

أثناء‭ ‬استكماله‭ ‬لكتاباته‭ ‬وإبداعه،‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬الجمل‭ ‬حلم‭ ‬دار‭ ‬النشر‭ ‬ومؤازرة‭ ‬الشباب‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم،‭ ‬فأسس‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬ابتعاده‭ ‬عن‭ ‬اأدب‭ ‬الجماهيرب‭ ‬سلسلة‭ ‬أخرى‭ ‬سمَّاها‭ ‬اإبداع‭ ‬الحريةب،‭ ‬نشر‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬عنوانًا‭ ‬بين‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬والرواية‭ ‬والشعر‭ ‬والمسرح‭ ‬والنقد،‭ ‬ويتذكر‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬منهما‭ ‬بتفاصيله‭ ‬كأنه‭ ‬يخصه،‭ ‬إذ‭ ‬سافر‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬القرى‭ ‬والمراكز‭ ‬والمدن؛‭ ‬فيذكر‭ ‬من‭ ‬كفر‭ ‬الزيات‭ ‬روايتى‭ ‬امواقف‭ ‬الصباب‭ ‬وامشمش‭ ‬الرابع‭ ‬عشرب‭ ‬لمحمود‭ ‬عرفات‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬التشجيعية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬على‭ ‬الفقى‭ ‬والحسينى‭ ‬عبد‭ ‬العاطى‭ ‬وشكرى‭ ‬رمضان‭ ‬ومحمد‭ ‬عزيز‭ ‬وفاروق‭ ‬الشيخ‭ ‬وغيرهم،‭ ‬ومن‭ ‬كفر‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬ماضى،‭ ‬ومن‭ ‬طنطا‭ ‬على‭ ‬عبيد‭ ‬ومحمد‭ ‬عبد‭ ‬السميع،‭ ‬ومن‭ ‬بلقاس‭ ‬حنان‭ ‬فتحى‭ ‬وفيصل‭ ‬عبده،‭ ‬ومن‭ ‬أسوان‭ ‬هيام‭ ‬عبد‭ ‬الهادى‭ ‬ومحمد‭ ‬حسنى‭ ‬يوسف،‭ ‬يقول‭ ‬الجمل‭: ‬اكنتُ‭ ‬أذهب‭ ‬لمن‭ ‬يريدون‭ ‬النشر‭ ‬ولا‭ ‬يستطيعون،‭ ‬ومن‭ ‬يكتبون‭ ‬ولم‭ ‬يصلوا‭ ‬بعد‭ ‬لدرجة‭ ‬الجهر‭ ‬بكتاباتهم،‭ ‬يطلعوننى‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬استحياء،‭ ‬وحين‭ ‬أجد‭ ‬بها‭ ‬النبض‭ ‬وبذرة‭ ‬الفن‭ ‬أقوم‭ ‬بتنقيحها‭ ‬ونشرها‭. ‬كنتُ‭ ‬أسهر‭ ‬على‭ ‬مراجعة‭ ‬أعمالهم‭ ‬والذهاب‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬المطبعة‭ ‬ومراجعة‭ ‬البروفات‭ ‬والاهتمام‭ ‬بإخراج‭ ‬الأغلفة‭ ‬حتى‭ ‬حصل‭ ‬هؤلاء‭ ‬جميعهم‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب،‭ ‬وحصل‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬جوائز،‭ ‬شعرتُ‭ ‬كأننى‭ ‬من‭ ‬فزتُ‭.‬

الغريب‭ ‬فى‭ ‬الأمر؛‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬حصول‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬ساعدهم‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب،‭ ‬لكن‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل‭ ‬ليس‭ ‬عضوًا‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تكريمه‭ ‬فى‭ ‬مؤتمرات‭ ‬وفوزه‭ ‬بجوائز‭. ‬حين‭ ‬سألته‭ ‬أجابنى‭ ‬كما‭ ‬يجيب‭ ‬من‭ ‬يسألونه‭ ‬دائمًا،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬تساءل‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭: ‬اماذا‭ ‬سيضيف‭ ‬لى‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب؟‭ ‬هل‭ ‬سيعلمنى‭ ‬الكتابة؟‭ ‬لقد‭ ‬علّمتُ‭ ‬نفسى‭ ‬باجتهاد‭ ‬ذاتى‭ ‬حتى‭ ‬صِرتُ‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬عليه،‭ ‬كما‭ ‬أننى‭ ‬أنأى‭ ‬عن‭ ‬الشللية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬مواليًا‭ ‬لأحد‭. ‬أنا‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاتى‭ ‬اتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬متواضع،‭ ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظرى‭ ‬الضيقة؛‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬سيستنزفنى‭ ‬ويجعلنى‭ ‬أتبع‭ ‬المجاميع‭ ‬وأفقد‭ ‬إبداعى،‭ ‬فأى‭ ‬مجهود‭ ‬آخر‭ ‬بخلاف‭ ‬أن‭ ‬أنكب‭ ‬على‭ ‬الورقة‭ ‬والقلم‭ ‬لأكتب‭ ‬سيشتتنى‭. ‬أنا‭ ‬هكذا‭ ‬أتوحد‭ ‬مع‭ ‬ذاتى‭ ‬وقلمىب‭.‬

حاول‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحفظ‭ ‬طاقته‭ ‬وصحته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬لكن‭ ‬القدر‭ ‬لم‭ ‬يتخل‭ ‬عن‭ ‬عادته‭ ‬فى‭ ‬مفاجأته‭ ‬بالصعوبات‭  ‬والعراقيل،‭ ‬والتى‭ ‬تمثلت‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬فى‭ ‬ثقب‭ ‬أصاب‭ ‬شبكية‭ ‬عينه‭ ‬اليسرى،‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬منذ‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭. ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬يُخرِج‭ ‬أعمال‭ ‬دستويفسكى‭ ‬لقراءتها،‭ ‬ففوجئ‭ ‬بالسطور‭ ‬سوداء‭ ‬وكأنها‭ ‬امشطوبة،‭ ‬فتوجه‭ ‬الجمل‭ ‬إلى‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للتأمينات‭ ‬لتلقى‭ ‬العلاج،‭ ‬وخضع‭ ‬لعمليتى‭ ‬حقن‭ ‬فى‭ ‬العين،‭ ‬لكن‭ ‬الثقب‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭ ‬بتكلفة‭ ‬كبيرة،‭ ‬تقدر‭ ‬بحوالى‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬أسترليني،‭ ‬لتزداد‭ ‬عزلته‭ ‬التى‭ ‬اختارها‭ ‬طواعية‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭: ‬الا‭ ‬أكذبك‭ ‬القول؛‭ ‬شعرتُ‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصاب‭ ‬شبكة‭ ‬عينى‭ ‬بثقب،‭ ‬أن‭ ‬الحلقة‭ ‬الثقافية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬توزعت‭ ‬بين‭ ‬االشلليةب‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والتناحر‭ ‬على‭ ‬مسائل‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬والثقافة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فالأدباء‭ ‬ليسوا‭ ‬خلصاء‭ ‬لبعضهم،‭ ‬متشرذمون،‭ ‬وغير‭ ‬متواضعين،‭ ‬يحبون‭ ‬المجاملة‭ ‬ولا‭ ‬يقبلون‭ ‬النقد‭ ‬البنّاء‭. ‬شغلتهم‭ ‬الأطماع‭ ‬لا‭ ‬الكلمة‭. ‬وأنا‭ ‬بطبيعتى‭ ‬أحن‭ ‬إلى‭ ‬العزلة‭ ‬الفنية،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬التشرذم‭ ‬والتشتت‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يضيعنى،‭ ‬فصِرتُ‭ ‬أحاول‭ ‬الابتعاد‭ ‬حتى‭ ‬أستطيع‭ ‬الكتابة،‭ ‬ظللتُ‭ ‬أكتب‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬وأنا‭ ‬بعيد‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬الوسط‭ ‬الأدبى،‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يُنشر‭ ‬عنى‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭. ‬أواصل‭ ‬الليل‭ ‬بالنهار‭ ‬فى‭ ‬الكتابة،‭ ‬كان‭ ‬النوم‭ ‬يأتينى‭ ‬لكن‭ ‬فيوضات‭ ‬الإبداع‭ ‬تجعلنى‭ ‬أطرده‭. ‬فكما‭ ‬قال‭ ‬عمر‭ ‬الخيام‭ (‬وما‭ ‬أطال‭ ‬النوم‭ ‬عمرًا‭ ‬وما‭ ‬قصرت‭ ‬الأعمار‭ ‬طولًا‭). ‬كنت‭ ‬أقول‭ ‬لنفسى‭: ‬غدًا‭ ‬تنام‭ ‬كثيرًا،‭ ‬فلتجلس‭ ‬وتكتب‭. ‬أستمر‭ ‬هكذا‭ ‬حتى‭ ‬مطلع‭ ‬الفجر‭ ‬أو‭ ‬شروق‭ ‬الشمس‭. ‬كتبتُ‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬حوالى‭ ‬أربع‭ ‬روايات،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أعمال‭ ‬فكرية‭ ‬واجتماعية‭ ‬أخرى‭.‬

مقترح

تضامن‭ ‬الجمل‭ ‬فى‭ ‬الستينيات‭ ‬مع‭ ‬الكاتب‭ ‬محمد‭ ‬حافظ‭ ‬رجب‭ ‬عندما‭ ‬أطلق‭ ‬شعار‭ ‬انحن‭ ‬جيل‭ ‬بلا‭ ‬أساتذة‭ ‬لأنه‭ ‬كما‭ ‬يقول‭: ‬الم‭ ‬يأخذ‭ ‬بيدنا‭ ‬أحد،‭ ‬ولم‭ ‬يربت‭ ‬على‭ ‬أكتافنا‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الكبارب‭.‬

ولأنه‭ ‬عانى‭ ‬كثيرًا‭ ‬فى‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬ينشدها،‭ ‬ويلمس‭ ‬حاليًا‭ ‬قدرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬التردى‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬والحالة‭ ‬القرائية‭ ‬العامة،‭ ‬فيناشد‭ ‬المسئولين‭ ‬بمقترح‭ ‬قائلًا‭: ‬اليكن‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬بطاقة‭ ‬تموين‭ ‬كتاب،‭ ‬ومثلما‭ ‬تدعم‭ ‬الحكومة‭ ‬الأرز‭ ‬والسكر‭ ‬والزيت‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تدعم‭ ‬الكتاب‭ ‬وتضيف‭ ‬واحدًا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬بطاقة‭ ‬بسعر‭ ‬بسيط،‭ ‬ليقرأ‭ ‬الناس‭ ‬كما‭ ‬يأكلون‭. ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬سيساعد‭ ‬الكتب‭ ‬على‭ ‬الانتشار‭ ‬وينعش‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية،‭ ‬لأن‭ ‬التقدم‭ ‬ليس‭ ‬مبنيًا‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمبانى‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان‭. ‬الثقافة‭ ‬هى‭ ‬قاطرة‭ ‬الحضارة‭ ‬التى‭ ‬تجر‭ ‬وراءها‭ ‬تنمية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والزراعة‭ ‬والتطور‭ ‬العلمى‭ ‬والتكنولوجى،‭ ‬وهى‭ ‬قبل‭ ‬العلم،‭ ‬لأنها‭ ‬تكتشف‭ ‬وتحرك‭ ‬الوجدان،‭ ‬وتبعث‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬والابتكار‭.‬

يأمل‭ ‬الجمل‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬تحريك‭ ‬الركود‭ ‬الثقافى‭ ‬بالمجتمع‭ ‬وعودة‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬القراءة،‭ ‬ويراهن‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬بقوله‭:‬‭ ‬احين‭ ‬أجاهد‭ ‬نفسى‭ ‬للكتابة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬شاق‭ ‬علىّ‭ ‬حاليًا،‭ ‬يقول‭ ‬لى‭ ‬من‭ ‬حولى‭ ‬امن‭ ‬يقرأ‭ ‬الآن‭ ‬لتجهد‭ ‬نفسك‭ ‬هكذا؟‭. ‬لايهمنى‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬الآن،‭ ‬سوف‭ ‬تأتى‭ ‬أجيال‭ ‬والأيام‭ ‬دوارة،‭ ‬هل‭ ‬أتوقف‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭  ‬لانه‭ ‬أحد‭ ‬يقرأ‭ ‬اليوم؟‭ ‬أنا‭ ‬أكتب‭ ‬للمستقبلب‭.‬

من‭ ‬مواسم‭ ‬العصافير‭ ‬إلى‭ ‬أجنحة‭ ‬الربيع

قبل‭ ‬الختام‭ ‬مع‭ ‬روايته‭ ‬الأخيرة‭ ‬أجنحة‭ ‬الربيع‭ ‬الصادرة‭ ‬مطلع‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب؛‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬البداية،‭ ‬مستهل‭ ‬رحلتى‭ ‬مع‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل،‭ ‬التى‭ ‬قادنى‭ ‬إليها‭ ‬بحثى‭ ‬فى‭ ‬سيرة‭ ‬الراعى‭ ‬الصالح‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الجمل،‭ ‬وذلك‭ ‬التشابه‭ ‬فى‭ ‬الاسم‭ ‬الذى‭ ‬يقف‭ ‬أمامه‭ ‬الكثيرون‭ ‬فى‭ ‬حيرة،‭ ‬وتسبب‭ ‬لكليهما‭ ‬فى‭ ‬مواقف‭ ‬كثيرة،‭ ‬بل‭ ‬ومشاكل‭ ‬أحيانًا‭.‬

التقى‭ ‬الجملان‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة‭ ‬عام‭ ‬1969‭ ‬بدار‭ ‬أخبار‭ ‬اليوم،‭ ‬قبيل‭ ‬صدور‭ ‬الرواية‭ ‬الأولى‭ ‬لعبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل‭ ‬اأحلام‭ ‬ترانزستور،‭ ‬وحينها‭ ‬قابله‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الجمل‭ ‬بانفعال‭ ‬وجهامة‭ ‬قائلًا‭ ‬ايخرب‭ ‬بيت‭ ‬شيطانك،‭ ‬كنت‭ ‬هتودينى‭ ‬فى‭ ‬داهيةب‭. ‬تألم‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل‭ ‬لذلك‭ ‬الاستقبال‭ ‬الجاف‭ ‬وغير‭ ‬المبرر‭ ‬بالنسبة‭ ‬له،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬صاحب‭ ‬امحِبب‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬أسبابه،‭ ‬وملخصها‭ ‬هو‭ ‬القصة‭ ‬الأولى‭ ‬لعبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل‭ ‬التى‭ ‬نُشرت‭ ‬فى‭ ‬مجلة‭ ‬اصباح‭ ‬الخيرب‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬ارجل‭ ‬واحد‭ ‬ينازع‭ ‬البقاءب‭ ‬عقب‭ ‬النكسة،‭ ‬وتم‭ ‬توقيعها‭ ‬آنذاك‭ ‬باسم‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الجمل‭ ‬بعد‭ ‬حذف‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن،‭ ‬فتسببت‭ ‬فى‭ ‬مشكلة‭ ‬لابن‭ ‬دمياط‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكى‭ ‬الذى‭ ‬يتبعه‭ ‬بحكم‭ ‬عمله‭ ‬صحفيًا‭.‬

ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرفه‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الجمل‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬اأحلام‭ ‬ترانزستورب‭ ‬اتخذ‭ ‬موقفًا‭ ‬فور‭ ‬نشر‭ ‬قصته‭ ‬بالاسم‭ ‬الخاطئ،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭: ‬ابعد‭ ‬النشر‭ ‬قلقتُ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يسبب‭ ‬ذلك‭ ‬التباسًا‭ ‬للبعض،‭ ‬فكتبتُ‭ ‬بسرعة‭ ‬لصلاح‭ ‬جاهين‭ ‬أن‭ ‬نشر‭ ‬القصة‭ ‬أسعدنى،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يسعدنى‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أعمالى‭ ‬اسمى،‭ ‬وأنا‭ ‬اسمى‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل‭ ‬لا‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الجمل،‭ ‬أرجو‭ ‬التنويه،‭ ‬فوجدتُ‭ ‬جاهين‭ ‬يرد‭ ‬علىّ‭ ‬فى‭ ‬عموده‭ ‬بالمجلة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬اعبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل‭.. ‬زعلان‭ ‬ليه؟‭!‬ب،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬خطأ‭ ‬طباعة،‭ ‬وأنه‭ ‬مع‭ ‬دخولنا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬الحديثة‭ ‬سوف‭ ‬نتلافى‭ ‬هذه‭ ‬الأخطاء،‭ ‬وأنهى‭ ‬مقاله‭ ‬قائلًا‭ ‬اأنا‭ ‬أنوه‭ ‬وأقول‭ ‬للقراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬التى‭ ‬نُشرت‭ ‬فى‭ ‬العدد‭ ‬المذكور‭ ‬بقلم‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجملب،‭ ‬فحمدتُ‭ ‬الله‭ ‬وتمنيتُ‭ ‬أن‭ ‬يراها‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الجملب‭.‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬ذ‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬ذالتجربة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لهما‭ ‬سويًا،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتشابه‭ ‬اسميهما،‭ ‬ففى‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينيات‭ ‬أعلنت‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬لقصور‭ ‬الثقافة‭ ‬عن‭ ‬نشر‭ ‬عمل‭ ‬بعنوان‭ ‬امواسم‭ ‬العصافيرب‭ ‬لعبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الجمل‭. ‬تتبعتُ‭ ‬أثره‭ ‬فلم‭ ‬أجد‭ ‬كتابًا‭ ‬يحمل‭ ‬هذا‭ ‬الاسم،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أخبرنى‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬روايته‭ ‬التى‭ ‬نُشِرت‭ ‬مرتين‭ ‬باسمين‭ ‬مختلفين،‭ ‬أخرهما‭ ‬اأجنحة‭ ‬الربيعب‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭.‬

يسرد‭ ‬الجمل‭ ‬رحلة‭ ‬روايته‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬قائلًا‭: ‬اكتبتها‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬سنة،‭ ‬ورغم‭ ‬إجازتها‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لجنة‭ ‬لم‭ ‬تُنشَر،‭ ‬ففكرتُ‭ ‬أخيرًا‭ ‬بعد‭ ‬تولى‭ ‬د‭.‬أحمد‭ ‬مجاهد‭ ‬رئاسة‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب،‭ ‬أن‭ ‬أقدّم‭ ‬الرواية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بعنوان‭ ‬اأجنحة‭ ‬الربيعب،‭ ‬وقد‭ ‬صدرت‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭. ‬لكنى‭ ‬حين‭ ‬دفعتُ‭ ‬بها‭ ‬للنشر‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬التسعينيات‭ ‬بالهيئة‭ ‬العامة‭ ‬لقصور‭ ‬الثقافة،‭ ‬كان‭ ‬عنوانها‭ ‬امواسم‭ ‬العصافيرب،‭ ‬قبل‭ ‬أزمة‭ ‬الروايات‭ ‬الثلاثة،‭ ‬أجازتها‭ ‬لجنة‭ ‬القراءة‭ ‬ووصلت‭ ‬للمطبعة،‭ ‬ونُشر‭ ‬عنها‭ ‬تنويه‭ ‬ضمن‭ ‬الأعداد‭ ‬القادمة‭. ‬انتظرتُ‭ ‬نشرها‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭. ‬مرت‭ ‬الأيام‭ ‬وقررتُ‭ ‬نشرها‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬اإبداع‭ ‬الحريةب‭ ‬فى‭ ‬نسخ‭ ‬معدودة،‭ ‬حوالى‭ ‬200‭ ‬نسخة،‭ ‬بعنوان‭ ‬اساعات‭ ‬الانفجارب‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬ووزعتها‭ ‬على‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لكى‭ ‬لا‭ ‬تُسرق،‭ ‬لأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قصصى‭ ‬سُرقت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭.‬

تعّد‭ ‬أجنحة‭ ‬الربيع‭ ‬شبه‭ ‬سيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬لعبدالفتاح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الجمل،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬بثقة‭ ‬إنه‭ ‬بطلها‭ ‬امنيرب،‭ ‬إذ‭ ‬يتطابق‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬مع‭ ‬حياته‭ ‬فى‭ ‬الواقع،‭ ‬ويؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬كلمات‭ ‬الجمل‭ ‬فى‭ ‬وصفه‭ ‬لها‭: ‬الا‭ ‬أكتب‭ ‬من‭ ‬برج‭ ‬عاجى،‭ ‬وإنما‭ ‬أكتب‭ ‬وأنا‭ ‬منغمس‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬وملتحم‭ ‬بواقعى‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬وقد‭ ‬كتبتُ‭ ‬اأجنحة‭ ‬الربيعب‭ ‬أمام‭ ‬الغيطان‭ ‬فى‭ ‬الشرقية‭ ‬نتيجة‭ ‬تجربة‭ ‬حياتية،‭ ‬إذ‭ ‬تزوجت‭ ‬من‭ ‬أخرى‭ ‬هناك‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجتى،‭ ‬هى‭ ‬رئيفة‭ ‬بالرواية‭. ‬وقد‭ ‬ذهبتُ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬طبرق‭ ‬بليبيا‭ ‬وإلى‭ ‬السلوم،‭ ‬لكى‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬يجلس‭ ‬الناس‭ ‬هناك‭ ‬وكيف‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬البنات‭.‬

المصدر : أخبار الادب

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا