حديث الأسبوع

القادم قد يكون أسوأ

عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة
عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة

بقلم: عبدالله البقالي

لا جدال فى أن الشعوب فى مختلف أرجاء المعمور تعيش فى الفترة الحالية ظروفا فى غاية الصعوبة والحرج، حيث تسود مظاهر القلق والخوف مما قد تحمله الأسابيع والشهور القليلة القادمة، بسبب الإشكاليات الكبيرة التى أفرزتها التطورات المتعلقة بهذا الفيروس الصغير، الذى لا يرى بالعين المجردة، ولا يعلم الناس شيئا ما عن شكله غير الصور العلمية التقريبية التى اكتست مساحات شاسعة من فضاءات الإعلام. وبسبب الأسئلة المقلقة التى لم تتمكن أية جهة، بما فيها الجهات العلمية المتخصصة صياغة مشاريع أجوبة عنها، وبسبب قدرة هذا الفيروس الفائقة والخارقة على التحول وإنجاب سلالات كثيرة ومتعددة. وفى ضوء ذلك وغيره كثير، يمكن الجزم بأن الرأى العام الدولي، من شعوب وحكومات، يتعرض حاليا إلى حملة ضغط عنيفة جدا تغذيها ما تتضمنه تقارير المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة، وتصريحات الخبراء والعلماء ذوى الخبرة والدراية، مما يكثف من أجواء الخوف والقلق مما هو آت.

فهذه منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، التى كان يعول عليها فى قيادة الحرب على هذا الوباء الخطير بالأبحاث والدراسات العلمية، وتشجيع البحث عن آليات وسبل الحسم فى هذه الحرب بواسطة تكثيف البحوث العلمية، وتعبئة العلماء وتحفيزهم ، كما كان معولا عليها القيام بأدوار حاسمة فى تحقيق عدالة عالمية حقيقية فيما يتعلق بتوزيع اللقاحات المضادة للفيروس لتشمل سواسية جميع سكان المعمور، ولكى لا تستخدم سلعة من السلع التجارية التى يتم توظيفها لخدمة مصالح اقتصادية معينة، وسلاحا من الأسلحة الفتاكة المستعملة لتصفية حسابات استراتيجية دولية تؤشر على بداية قيام نظام عالمى جديد مختلف عما هو سائد حاليا، هذه المنظمة قالت فى نشرتها الأسبوعية الصادرة مؤخرا (إن عدد البلدان والأقاليم، التى تنتشر فيها سلالة دلتا المتحولة من فيروس كورونا بلغ 111 دولة)، وأكدت (أن شدة العدوى بسلالة كورونا ارتفعت خلال شهر يوليو الجارى من 6 إلى 13 بمقدار سبعة أضعاف). وختمت بالقول إن (فيروس سارس كوف 2 سيستمر فى الانتشار والتطور، وأن السلالات الأربع - وهى ألفا وبيتا وجاما ودلتا - والمصنفة على أنها متحولات مثيرة للقلق تظهر عدوى شديدة). 

وتعزز هذه المخاوف تقارير أخرى صادرة عن جهات علمية متخصصة، من قبيل التقرير الصادر عن أكاديمية العلوم البريطانية، الذى يكشف عن درجة كبيرة من عدم اليقين حول الكيفية التى سيتطور بها الوباء أو إعادة إنتاج كورونا.

مخاوف وقلاقل تغذيها مظاهر كثيرة من التناقضات السائدة حاليا، فرغم المعدلات المرتفعة لأعداد الأشخاص الذين تلقوا الجرعات الكافية من اللقاحات المضادة للفيروس، خصوصا فى القارة الأوروبية، فإن معدلات الإصابة به فى دول القارة العجوز عادت إلى تسجيل ارتفاع مهول فى معدلات الإصابة بالعديد من الأقطار الأوروبية، مما يطرح أسئلة مقلقة حول جدوى هذه اللقاحات وفعاليتها بالنسبة للسلالات المتحورة. وفى نفس الوقت الذى تعلن فيه حكومات هذه الدول عن تشديد التدابير الاحترازية للحد من عدوى الانتشار، فإنها فى الوقت نفسه تسمح بحضور عشرات الآلاف من الأشخاص لمباريات بطولة كرة القدم الأوروبية فى فضاءات شبه مغلقة، وفى غياب تام ومطلق لأبسط التدابير الاحترازية، من تباعد اجتماعى وضع الكمامات الواقية. كما أن كثيرا من العلماء والمتخصصين فى عالم الفيروسات والأوبئة لا يترددون فى إلقاء كميات كبيرة من الحطب على نيران المخاوف الملتهبة فى جميع الأوساط، من خلال تصريحات تنبه إلى الخطورة البالغة التى تكتسيها المراحل المقبلة فى حياة البشرية جمعاء ! وكل هذا لا يقتصر على العودة بالرأى العام الدولى إلى نقطة البداية فقط، بل إنه يفتح المستقبل القريب على مخاوف وأخطار كبيرة وحقيقية محدقة بالحياة الإنسانية.

الوضع لم يقف عند هذا الحد، بل إن تقارير متخصصة أخرى تزيد من منسوب الضغط على الرأى العام بالتأكيد على أن الأخطار لم تعد تقتصر عما يكتنف وباء كورونا من غموض والتباس وقلق، بل يتجاوزه إلى مستويات أخطر. ففى مقال افتتاحى نشر فى صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أكد كاتبه أنه «عندما ننتهى من القلق بشأن هذا الوباء، فإننا سنقلق بشأن أوبئة تالية» وهو بذلك يعيد التذكير بالسؤال الذى طرح عقب انتشار كل وباء من الأوبئة التى فتكت بالبشرية عبر مر العصور، وفحواه، هل سيظهر وباء آخر يهدد الحياة البشرية، أم أنه سيكون الوباء الأخير؟

فى هذا الصدد يؤكد العلماء المتخصصون أن الأوبئة السابقة التى عانت منها البشرية كانت معلومة المصدر، ونجح العلم فى القضاء عليها من داخل المختبرات، باكتشاف اللقاحات الفعالة، لكن الوباء الحالى لا يزال لحد اليوم مجهول المصدر، وبالتالى فإن كسب رهان الحرب المعلنة ضده لاتزال مفتوحة، ولا مدى محددا لها لحد الآن. كما أن الأوبئة السابقة خرجت إلى الوجود من تربة السلوك الإنساني، والأنشطة البشرية، خصوصا ما يتعلق بالعادات الاستهلاكية، ومن احتكاك الفرد والجماعة مع محيطهما الطبيعي، وحينما يتحقق رهان تحديد المصدر والمسار فإن العلم يتمكن من محاصرة الوباء والقضاء عليه وتخليص البشرية من أخطاره الكبيرة . لكن فى حالة وباء كورونا فإن فرضية صناعته عمدا فى إطار حرب بيولوجية جديدة تنقل العلاقات الدولية وتدبير المصالح الاقتصادية والمالية فى خضمها بحرب تتجاوز المواجهة فيها الأسلحة التقليدية، بما فيها أسلحة الدمار الشامل، إلى حرب بيولوجية تتنافس فيها القوى العظمى بالفيروسات والجراثيم، تبقى واردة ومرجحة، وهذا الاحتمال، الذى يأمل الرأى العام أن يكون مجرد هراء فرضته حالات الفزع والرعب التى تسبب فيها فيروس كورونا اللعين يفتح القادم من الزمان على احتمالات وسيناريوهات لا يمكن تقدير حجم ومنسوب أخطارها.

وفى جميع الحالات، وبعيدا عن أوجاع الرأس التى يتسبب فيها تكثيف الانشغال بالأوضاع الراهنة، وبالأسباب التى مكنتها من أن تسود إلى الآن، تأكد أن فيروس كورونا استطاب المقام بين ظهرانينا، وأن مقامه معنا، وفى تفاصيل حياتنا، سيستمر لأجل معلوم، على الأقل، وسيجبرنا على قبول التعايش معه كعدو فتاك يترصد فرصة الانقضاض، وهذه الفرصة تتسلل من حالات التراخي، والرفض، وحتى من الاحتماء فى نظرية المؤامرة.