صدى الصوت

«يوليو» المفترى عليها!

عمرو الديب
عمرو الديب

شتى الارتحالات المضنية انتهت إلى طرق مسدودة، وكل ملاحم الكفاح المذهلة اصطدمت بنهايات مأساوية فاجعة، وآلاف الخطوات على دروب الخلاص وصلت إلى محطات اليأس القاتلة، المظاهرات المتحمسة، والمفاوظات الشاقة المعقدة، وهدير المشاعر الهادر، كلها باءت بالإخفاقات المريرة، وانسدت الأفق فى وجوه الملايين، ولم يعد هناك بصيص ضوء يحفظ رمق الأمل، ويعد بتحقق الرجاء، ولو بعد حين.

تراكبت الظلمات الثقيلة، وبات المشهد ملفوفا فى أكفان اليأس مريعا، وبدت الأوطان العزيزة فى حالة يرثى لها، تتخبط فى سيرها كالجريحة، بخطوات بائسة يائسة تدور فى الحلقات المفرغة، تبخرت الأحلام، واختفت الآمال فى استرداد الكرامة، ونيل الاستقلال المستحق، وأضحت الأوطان العريقة ذات الجذور الكريمة، والأصول النبيلة، أسيرة محتل شرس ينهب ثرواتها، ويستنزف مقدراتها، ويسرق يومها وغدها، لذابدا مألوفا فى تلك الآونة الكئيبة، أن ترى الرؤوس محنية، وتشاهد العيون ذابلة، فلا أمل، ولا رجاء، والخلاص بات محالا، والاستقلال أضحى كرة تتقاذفها أقدام محترفى الكلام، والمشتاقين إلى الكراسى والمنح والإنعامات، وتمددت الأوطان الشريفة على موائد اللئام، كوليمة من صيد ثمين، يتحلق حوله الطامعون والمفترسون النهمون، وكاد الجميع أن يستسلموا إلى مصير الذل، والبقاء أسرى مقيدين فى قبضة المستعمرين الغاصبين، لولا هذه الهبة الشجاعة بالغة الجسارة والجرأة، التى لم تثنها حسابات المحترفين، وتوازنات المغرضين،عن عزمها فى تحطيم الأغلال، والخروج إلى رحابة الشوارع الغارقة، فى الشوق المكبوت، والموجوعة بأنين الرجاء المخنوق، والأمل المشنوق،خرجت جموع المشتاقين إلى الخلاص، تقودهم مجموعة من الشباب الوطنى النقي،لتندلع أحداث واحدة من أكثر ثورات التاريخ الإنسانى إثارة للجدل، ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952، التى قادها شباب الضباط الأحرار، وساعتها أصبح الرجاء ممكنا، والأمل متحققا فجأة، وبصورة بالغة الحيوية.

 لقد صارت الأوطان حرة حقا، وبدا المستعمر فاقدا لتوازنه، يترنح، واستعاد ملايين المتعطشين إلى الاستقلال مقدرات بلادهم،وثروات أوطانهم، وعلى الرغم من أن الهجوم على ثورة يوليو بدأ منذ اندلاعها، وحتى اليوم، إلا انها استطاعت أن تقدم إلى شعبها الكثير والكثير جدا،ولم تستطع أبواق الموتورين أن تطمس معالم عطائها المرموق.