إنها مصر

الأديان والسياسة !

كرم جبر
كرم جبر

خلط الدين بالسياسة، يسيء إلى الأديان ويفسد السياسة، وتعاني المجتمعات العربية من إصرار التيارات المتطرفة احتكار السلطة بتفويض من السماء، فتركوا الدعوة وتفرغوا للكراسي، والحروب والصراعات والقتل وإراقة الدماء، ونصّبوا أنفسهم أوصياء على البلاد والعباد، وفسروا القرآن الكريم والسنة النبوية بما يخدم أطماعهم السياسية.

لا يستطيع أحد أن يزايد على المصريين في تدينهم، وفي الاقتداء بالشريعة الإسلامية في مناحي الحياة وقوانين الدولة وتشريعاتها، أما أن يتسلل المتطرفون تحت عباءة الدعوة، ليحكموا بأنفسهم ويوظفوا الإسلام لاقتناص السلطة، فهذا هو مكمن الخطر  ويتناقض مع مبدأ المساواة بين المصريين، لأن تيارات معينة تريد أن تحتكر الدين وتستحوذ على الحكم، فتكون النتيجة هي الفتاوى العنيفة والدموية التي تستبيح القتل والتكفير، وتقسيم أبناء الوطن الواحد إلى مؤمنين ورويبضة ومسلمين وكفار كما فعلها الإخوان.

تجارب المسلمين تنزف دماً بسبب هذه الفتن الدينية، التي بدأت شرارتها الأولى عندما شج السفاح "ابن ملجم" رأس الإمام علي كرّم الله وجهه فى صلاة الفجر، صارخاً فيه "الملك لله وليس لك يا علي"، وما زالت دماء الإمام الشهيد ساخنة حتى الآن، في كثير من البلدان التى وقعت فى أتون الفتن الدينية ، بعد أن أُريقت على سيوف الصراع بين الولاية والملك.

الإخوان الذين وصلوا للحكم فوق عربة الديمقراطية، حاولوا حرقها بمن فيها بعد أن قفزوا منها، وأشاعوا فى قلوب وعقول المصريين ممارسات السيف والجلاد في عصور التخلف والرجعية، فثاروا عليهم وأنقذوا وطنهم، قبل أن يدخل نفقاً مظلماً لا خروج منه ولا فرار، وأصبح طريقهم الآمن إلى المستقبل هو درء المخاطر، وترسيخ الدولة المدنية الحديثة وأن ينضوي جميع المصريين، تحت مظلة الدولة الوطنية القوية التي تحقق العدل والمساواة لجميع أبنائها.

لا نريد لمصرأن تنسى أبداً الدروس، وأقصر طريق هو أن استمرار تفعيل مواد الدستور التي تحظر تسلل الأحزاب الدينية من جديد، بعد أن تفشت مساوئها في حكم الإخوان، وقدمت نموذجاً فاشياً إقصائياً، فتح الجراح واستحضر الفتن وكاد يمزق النسيج الوطني، ووضع المصريين لأول مرة في تاريخهم وجهاً لوجه، وكأنهم أعداء أشرار وليسوا أبناء وطن واحد، دافعوا عن ترابه الوطني بدمائهم الزكية ضد العدو الحقيقي.