فى الذكرى الـ 69 لثورة 1952

أهداف «23 يوليو» تتجدد فى ثوب «30 يونيو»

الرئيس جمال عبدالناصر يحيى الشعب المصرى
الرئيس جمال عبدالناصر يحيى الشعب المصرى

كتب: حسن حافظ

مع حلول الذكرى الـ 69 لثورة 23 يوليو 1952، يدور الحديث عن المبادئ التى جاءت بها وسعت لتحقيقها، والميراث الحقيقى لهذه الثورة، لنرى أن التاريخ المصرى الوطنى حلقات تكمل بعضها البعض، وموجات تتوالى لتحقيق نفس الأهداف، فما بدأت فيه مصر مع ثورة يوليو عبر مبادئها الستة الشهيرة، عادت إليه وبدأت مما انتهت إليه فى انطلاقة ثورة 30 يونيو 2013، فكأن مصر بين الثورتين بعد أن تاهت منها البوصلة أحيانا عادت لجادة الطريق واستكملت تحقيق الأفكار والمبادئ التى نادت بها ثورة يوليو.
شهدت ثورة يوليو بناءً حقيقيا لمصر على صعيد التصنيع الوطنى والاستقلال السياسي، ويرى الكثير من المراقبين، أن عصر أنور السادات وحسنى ومبارك شهد ابتعاداً لنحو ما عن مبادئ ثورة يوليو، ما أدى إلى تراكمات أسفرت عن ثورة 25 يناير 2011، التى رفعت شعارات قريبة من شعارات يوليو، لكن مع انحراف مسار "يناير" وقفز "الإخوان" على الحكم وفشل الجماعة فى إدارة الجماعة الوطنية، جاءت ثورة "30 يونيو" التى صححت المسار من ناحية وأعادت بعث الحياة فى مبادئ ثورة يوليو والمسار الوطنى الذى بدأته، وكانت النقطة الرئيسية فيه هى الاستقلال الوطنى بمعناه الشامل، فى مجالات التصنيع والتوسع الزراعي، ومجالات تسليح الجيش على أعلى المستويات، وضمان استقلال القرار السياسى، فلا يخضع لتوجيه من جماعة أو دولة أو ميليشيا، بل ينحاز إلى قرار الشعب المصري، لذا يتحول الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو، إلى احتفالية إعادة بعث لأهدافها التى هى أهداف كل مصرى فى غدٍ أفضل.
نجحت حركة الضباط الأحرار فيما فشلت فيه الحركة الوطنية خلال فترة الأربعينيات من القرن العشرين، فقد قاد حزب "الوفد" محاولات سياسية لتحرير مصر من الاحتلال البريطاني، بينما قادت تنظيمات الطلبة والعمال واليسار الحراك على الأرض لنزع الاستقلال وتكبيد الاحتلال خسائر هنا وهناك، لكن رغم هذه الجهود إلا أنها لم تستطع أن تحقق الهدف المنشود بسبب الخيانة التى جاءت من طرف القصر وأحزاب الأقلية وجماعة "الإخوان"، وهم حلفاء الاحتلال البريطانى الذين عملوا على إحباط أى حراك وطني، ومع تأزم الوضع بعد هزيمة 1948 فى فلسطين، والأزمة الاقتصادية الخانقة التى ضربت البلاد، تحرك الجيش ليحل العقدة المزمنة ويدفع فى الطريق الصحيح، عبر قيادة الحراك الوطنى الذى انتهى بالتخلص من احتلال الخارج وخونة الداخل، ما تجلى فى مبادئ الثورة الستة التى عبرت عن إرادة شعب.


صاغت ثورة يوليو أفكارها التى عكست آمال وطموحات الشعب المصرى فى ستة مبادئ رئيسية، وهى القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة جيش وطنى قوي، وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، ونجحت الثورة سريعا فى الحصول على الاستقلال والقضاء على الاستعمار والإقطاع، ثم تم إنشاء الجيش الوطنى على أسس علمية حديثة بعد هزيمة 1967، ما قاد لانتصارات حرب الاستنزاف ثم انتصار أكتوبر المجيد، فيما تأخرت إقامة حياة ديمقراطية سليمة، ورغم جهود تحقيق عدالة اجتماعية فى الستينيات والقضاء على السيطرة الغربية على الاقتصاد، إلا أن فترة السبعينيات وما تلاها شهدت تراجعا فى هذين الملفين، ما أدى إلى تراكمات قادت إلى ثورة 25 يناير 2011، التى رفعت مجددا شعار "عيش حرية عدالة اجتماعية".
وعندما استلمت ثورة يونيو 2013، الراية من يناير وصوبت المسار، عادت لاستكمال الفرص الضائعة منذ ثورة يوليو، وبدأت فى البناء على المبادئ الستة واستكمال ما لم ينجز والعمل على مواكبة التطورات التى شهدتها مصر والعالم بعد عقود من ثورة يوليو ما فرض تحديات جديدة على الدولة المصرية، وعن أوجه التشابه بين الثورتين، تقول الدكتورة لطيفة سالم، أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة بنها، لـ"آخرساعة": "هناك الكثير من التشابهات بين الثورتين، ففى التاريخين خرج الشعب المصرى وتوافق حراكه مع الجيش الذى انحاز للأجندة الوطنية، ضد القوى التى وقفت أمام الشعب وحراكه الوطني، ففى المرة الأولى خرج الشعب ضد الاحتلال البريطانى وانفصال القصر عن الشارع ومارس الاستبداد السياسي، وفى المرة الثانية خرج الشعب لمواجهة الاستبداد باسم الدين ممثلا فى جماعة الإخوان".
ولفتت لطيفة سالم إلى أن الثورتين جاءتا فى فترة مفصلية فى تاريخ مصر، ونجحت كل ثورة فى انتشال البلاد من مصير أسود، ففى ثورة يوليو نجحت الأخيرة فى إنقاذ البلاد من أزمة الاحتلال وفساد النخبة القريبة من القصر، بينما نجحت ثورة يونيو فى انتشال البلاد من مصير الحرب الأهلية والأزمة التى دخلت فيها البلاد بسبب حكم الإخوان الكارثي، والمشهد الأبرز فى الثورتين هو حالة الترابط بين الجيش والشعب، بل إن أهداف ثورة 30 يونيو فى مجملها هى نفسها أهداف ثورة 23 يوليو، خصوصا فى الشق الخاص بتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتحقيق حياة أفضل للمصريين جميعا، بل إن هناك تشابهات فى الأهداف السياسية، ففى الثورتين خرجت مصر أكثر قوة واستقلالا فى القرار السياسي، وظهرت الشخصية المصرية واضحة وصريحة على المسرح الدولي، فالملاحظ أن كلمة مصر على مستوى الإقليم والملفات العالمية أصبحت حقيقة بعد كل ثورة، وكان الوضع قبلها يشهد عادة تآكلا فى الدور المصرى الخارجي، حتى يظن الجميع أن صوت مصر غير مهم، ثم تأتى الثورة وتقلب الأمور رأسا على عقب وتعيد توجيه الدفة إلى الجهة الصحيحة، ويعود صوت مصر مسموعا من جديد".
وأشارت أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر إلى أن أحد جوانب التشابه بين الثورتين يتمثل فى نتائجها، وهى الاهتمام بالعلاقات الأفريقية، فالملاحظ أن مصر بعد ثورة يوليو 1952، انفتحت على القارة الأفريقية وقادت موجة التحرر على صعيد القارة، وهو ما رسخ الزعامة المصرية بسبب هذا الدور العظيم والريادي، وهو ما تكرر بعد ثورة يونيو 2013، التى عادت بعدها مصر على الصعيد القارى بعد غياب استمر لعقود وأثر سلبا على علاقات مصر مع محيطها الأفريقي، لكن السنوات الأخيرة شهدت عودة مصر بالعديد من مشروعات التنمية فى مختلف أنحاء القارة، بما يكشف التشابه ووحدة البوصلة بين الثورتين، كما أن شعار الإصلاح كان حاضرا وبقوة فى الثورتين، فالثورة الأولى اتخذت من إصلاح الأوضاع المتردية بسبب الإقطاع نقطة انطلاق للوصول إلى الإصلاح الزراعي، بينما وضعت ثورة 30 يونيو الإصلاح الاقتصادى نصب عينيها لتحقيق الرخاء الاقتصادي.
من جهته، قال الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان، لـ "آخر ساعة"، إن ثورة يوليو أصبحت ثورة للعرب جميعا وليس مصر فقط، فبعد الثورة نجحت مصر تحت قيادة جمال عبد الناصر فى قيادة العمل العربى المشترك، فساندت الثورة الجزائرية حتى نال الشعب الجزائرى الاستقلال، الأمر الذى حاولت فرنسا عرقلته عبر الاشتراك فى العدوان الثلاثى على مصر، كما ساعدت مصر الثورة فى اليمن حتى تأسست الجمهورية هناك، كما قادت مصر جهود الوحدة العربية ما تجلى فى الوحدة مع سوريا لمدة ثلاث سنوات، وهو نفس الموقف فى ثورة 30 يونيو التى تحولت إلى ثورة لكل العرب، فقد نجحت الثورة المصرية فى إسقاط أطماع جماعة "الإخوان" وكشف أطماعها وأطماع تيار الإسلام السياسى فى السلطة، وإسقاط البلاد فى الفوضى، فجاء سقوط الجماعة مدويا فى مصر ليمتد هذا الأثر فى العديد من الدول العربية التى سقطت فيها الجماعة وتنظيماتها تباعا، فمسار الثورتين واحد فى القضاء على العملاء والخونة فى كل عصر.
وأشار الدسوقى إلى أن ثورة 23 يوليو حققت أهدافها المتمثلة فى المبادئ الستة الشهيرة، إذ نجحت فى "القضاء على الإقطاع وطردت الاحتلال لتحقق مطلب الجماعة الوطنية بالاستقلال التام، كما قضت على سيطرة رأس المال على الحكم وأقامت تجربة اقتصادية وطنية، وكذلك أسست جيشا وطنيا قويا، وللأسف تم الانقلاب على هذه التجربة فى السبعينيات، وهو ما أدى لإضاعة مكتسبات عصر ثورة يوليو وجمال عبد الناصر، لتدخل مصر فى أزمة مستمرة، لم تخرج منها إلا بفضل ثورة يونيو 2013، التى بدأت المضى قدما على نفس الطريق الذى مضت فيه ثورة يوليو، فرأينا القرار المصرى مستقلا لا ينحاز إلا لمصالح الدولة المصرية وشعبها، ورأينا عودة إلى التصنيع والتوسع الزراعى والمشروعات القومية العملاقة التى أعادت دوران عجلة الاقتصاد المصرى ورسخت استقلاليته".

المصدر: مجلة آخر ساعه