23 يوليو| حصن أمان فى وجـه خيانة الإخوان

سيد قطب
سيد قطب

«من يقرأ ما يكتبون، ويطلع على وثائقهم يظن أنهم هم الذين صنعوا تاريخ مصر، ودفعوا النيل العظيم فى أرضها.. لكنهم هم الذين تسببوا فى انقسام الوطن العربى والإسلامى، وغرسوا بذور الحقد فى أرضه الطيبة، وأنبتوا الفتنة التى لا يعلم سوى الله متى تنتهى».. هذه الكلمات جاءت فى مقدمة فصل «الإخوان والثورة» الذى يتحدث فيه اللواء فؤاد علام عن موقف تنظيم الإخوان فى ثورة 23 يوليو، ضمن مذكراته التى نشرت بعنوان: «الإخوان.. وأنا».

أشار فؤاد علام فى مذكراته، إلى أن حقد الإخوان وكرههم لقادة ثورة 23 يوليو، جعلهم يقفون ضد مبادئ وتعاليم الإسلام، بل وضد مصالحهم، فمثلا: عارضوا وبشدة قيام الوحدة مع سوريا، بل وتحركوا فى هذا الإطار ضد الدولة خوفا من تمدد قوة ونفوذ جمال عبد الناصر، لافتا إلى أن خلافهم مع النظام حول الوحدة المصرية السورية لم يكن قائما على منطلقات فكرية وأيدولوجية، وإنما كان يقوم على كراهية النظام الحاكم ومـا يصدر عنه من قرارات أو إجراءات بصرف النظر عن مدى تواؤمها إسلاميا أو عقائديا، رغم أنه من المعروف والثابت أن الإسلام هو دين الوحدة وليس دين الفرقة والتشتت.

يقول: «كان من المفترض أن يكون الإخوان هم الأكثر حرصا على تحقيق الوحدة وتدعيمها، خاصة وأن لهم امتدادا على أرض سوريا -يقصد إخوان سوريا- وكانت الوحدة تمثل فرصة ذهبية لالتقاء الفصيلين -المصرى والسوري- وجمعهما فى بوتقة واحدة، يجعلها أكثر قوة وتأثيرا فى مجريات سياسة الدولة الجديدة.. ولكن كراهيتهم الشديدة للنظام أعمت عيونهم عن تلك الفرصة وجعلتهم لا يرون شيئا عن معارضته بل ومقاومته حتى وإن كان يفعل ما هو فى مصلحتهم على المستوى الخاص، ناهيك عن المصلحة العامة».
القفز على الثورة
حاول الإخوان القفز على ثورة 23 يوليو، تماما كما فعلوا مع ثورة 25 يناير؛ حاولوا ركوب الحدث وإعلان وصايتهم، رغم أنهم لم يشاركوا فى الثورة ولم يعلنوا موقفهم منها إلا بعدما تأكدوا من نجاحها.. فقد سعى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، منذ اللحظة الأولى التى فكر فيها فى القيام بالثورة إلى حشد وتوحيد مختلف القوى، وكان الإخوان من ضمن من سعى إليهم، حتى أنه ضم بعضهم إلى الضباط الأحرار، لكن وكما رأينا فى ثورة 25 يناير، تعمد الإخوان التخلف عن تأييد ثورة 23، حتى إن «حسن الهضيبى» المرشد العام للإخوان فى ذلك الوقت ظل مختفيا فى شقة بالإسكندرية، إلى أن تأكد من نجاح الثوار فى الإمساك بمقاليد الحكم، وحينها ظهر فجأة، ولم يعلن تأييده الواضح للثورة إلا بعدما تأكد من مغادرة الملك فاروق للبلاد.
نجحت الثورة وخرج الملك فاروق إلى إيطاليا، وبدأ الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى التفاهم والحوار مع القوى السياسية الموجودة على الساحة، وأعطى للإخوان فرصة ذهبية للمشاركة فى الحياة السياسية، وطلب من قيادة الإخوان ترشيح عدد من الأسماء الإخوانية ليشاركوا فى الحكم كوزراء، بشرط ألا يكون منهم من شارك فى أعمال إرهابية أو انخرط فى تنظيمات سرية.. ظن أعضاء مجلس قيادة الثورة أنه يمكنهم الوثوق والتعاون مع الإخوان، وحاولت الجماعة بشتى الطرق إظهار قـوتها أمام رجال ثورة ٢٣ يوليو، بسعيها لحشد أكبر عدد من أعضائها لحضور أى لقاء جماهيرى كان يحضره أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، خاصة جمال عبد الناصر ومحمد نجيب، لكن سرعان ما اكتشف أعضاء المجلس ضعف هذه الجماعة، وفضح لعبتها الخبيثة، واكتشفوا وجود مفاوضات سرية تجرى من ورائهم بين الإخوان والسفارة الإنجليزية.
الخيانة الإخوانية
قوة عبد الناصر وصموده فى وجه انتهازية جماعة الإخوان، جعلتهم يعقدون صفقة مع الإنجليز من أجل إثارة القلاقل داخل المجتمع المصري، وهو ما أكده «أنتونى إيدن» رئيس وزراء بريطانيا فى مذكراته، قائلا: «كنا نعتمد على الإخوان فى إثارة القلاقل والاضرابات لإيقاف مفاوضات الجلاء، بدعوى أن الأحوال داخل مصر غير مستقرة». 
كان الإخوان قد شعروا بقوتهم عندما اقتربوا من مجلس قيادة الثورة، وطالبوا المجلس بأن يصدر مراسيم تفرض على المصريات ارتداء الحجاب، وأن يتم إغلاق دور السينما والمسرح، ومنع الأغانى وتعميم الأناشيد الدينية، حتى داخل الأفراح، ومنع السيدات من العمل فى المصالح الحكومية والخاصة، وإزالة كل التماثيل القديمة والحديثة من القاهرة.. حتى إن حسن الهضيبى مرشد الإخوان جاء إلى الزعيم عبد الناصر، وطالبه بضرورة إلزام الفتيات والسيدات داخل مصر بارتداء الحجاب، فكان رد عبد الناصر: «ابنتك تدرس فى الجامعة، ولا ترتدى الحجاب، أنت لم تستطع فرض الحجاب على أهل بيتك، وتريد منى إجبار المصريين على ارتداء الحجاب».
كل تلك المواقف لخصها عبد الناصر فى أحد خطاباته، حين قال: «الإخوان كانوا يريدون التأثير على الثورة، ويعملوا نفسهم أوصياء عليها.. اختلفنا معاهم فأعلنوا الحرب علينا، وأطلقوا الرصاص علىَّ.. كنا بنتفاوض مع الانجليز على الجلاء وهما بيعقدوا صفقات معاهم ويقولولهم نستطيع الاستيلاء على السلطة.. أيام ما كنا بنحارب الانجليز فى القناة مرشد الإخوان قال انتوا تحاربوا فى القناة واحنا نرى اننا نحارب فى أى بلد آخر لأننا دعوة واسعة.. كلام كله تضليل وتجارة بالدين.. اكتشفنا وجود خطط للاغتيالات وتدمير البلد.. ونحن لن نسلم انفسنا لأعوان الاستعمار، فهذه الجماعة تعمل لحساب الاستعمار».
اغتيال وإرهاب 
ظن الإخوان أنهم شركاء فى حكم مصر، وحاولوا فرض نفوذهم وشروطهم على عبد الناصر والضباط الأحرار، لكنهم فشلوا فرتبوا لعمليات إرهابية واغتيالات، وكان حادث المنشية عام 1954، تاريخا فاصلا فى العلاقة مع التنظيم، حين حاول الإخوان اغتيال عبد الناصر بإطلاق الرصاص عليه أثناء إلقائه خطابا فى ميدان المنشية بالإسكندرية.. ومن ثم رد عبد الناصر عليهم بحملة اعتقالات لقيادات الإخوان، انتهت بإعدام عدد كبير منهم، والسجن للباقين.
 وكان من بين المسجونين «سيد قطب» الزعيم الأكبر للإخوان والذى حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 15 عاما، وخلال سجنه كتب رسائله التكفيرية التى تستند إليها الفتاوى الإخوانية فى التكفير والانتقام من المجتمع، وعندما تم الإفراج عنه لم يرتد عن أفكاره الإرهابية، بل إنه ازداد شراسة، فبدأ فى التخطيط لمؤامرة كبرى لقلب نظام الحكم.
بعد 11 عاما من وقوع حادث المنشية عام 1954، وبعدما تم الإفراج الصحى عن سيد قطب، أسس مجددا لما عرف بـ»تنظيم 1965»، لاغتيال جمال عبد الناصر وعدد من رجاله المؤثرين للسيطرة على السلطة، كان من ضمن الخطة أن يتم اغتيال جمال عبد الناصر، والمشير عبدالحكيم عامر، وزكريا محيى الدين، والقيام بعمليات إرهابية كبرى فى نفس الوقت لنسف وتدمير عدد من المشروعات، منها: مبنى الإذاعة والتليفزيون، ومحطات الكهرباء، والقناطر الخيرية، لإغراق البلاد فى الفوضى والظلام وبالمياه، ومن ثم تكون فرصتهم للاستيلاء على السلطة سهلة.. لكن المؤامرة تم كشفها قبيل التنفيذ وتم القبض على عناصر التنظيم وأعدم سيد قطب.