الثورة البيضاء.. تنمية وقوة ناعمة

23 يوليو| «69» عاماً من المكاسب المستمرة ودعم الأشقاء «عرب وأفارقة»

خطاب الرئيس جمال عبد الناصر
خطاب الرئيس جمال عبد الناصر

 أحمد مراد

حققت ثورة ٢٣ يوليو العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من دون أن تراق فيها نقطة دماء واحدة، الأمر الذى جعل المؤرخين يصفونها بـ «الثورة البيضاء»، حيث إلتف فيها الشعب خلف جيشه، وسعت قيادة الثورة إلى تحقيق مطالب الشعب.

وعملت الثورة على تنفيذ أجندة إصلاحية شملت مختلف المجالات عبر تنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبرى وغيرها من الخطط التنموية، ومن هنا جاءت قرارات الإصلاح الاجتماعى والزرعى، ومجانية التعليم العام والجامعى، وإنشاء ١٠ جامعات جديدة فى جميع أنحاء الجمهورية، وإنشاء مراكز البحث العلمى، وتطوير المستشفيات التعليمية، وتأميم قناة السويس، وإنشاء السد العالى، فضلاً عن تأسيس أكثر من ١٢٠٠ مصنع للصناعات الثقيلة.

القوة الناعمة

تبنت ثورة ٢٣ يوليو اتجاهاً قومياً للنهوض بالنواحى الفنية والثقافية والفكرية والأدبية، ووضع قواعد صلبة وأساسات متينة لقوة مصر الناعمة من خلال إطلاق مشروع قومى للتنوير والمعرفة والثقافة، وفى هذا الاطار جاءت قرارات إنشاء مراكز الثقافة الجماهيرية، وإنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة، وإنشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية، فضلاً عن جهود أخرى لرعاية الآثار والمتاحف.

واسفرت جهود ثورة ٢٣ يوليو الاصلاحية عن حدوث تغيير جذرى للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لصالح أغلبية الشعب المصرى، حيث الغت الفوارق بين طبقات الشعب المصرى، وخرج من بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة قضاة واساتذة جامعة وسفراء ووزراء

دعم حركة التحرر

تجاوزت تأثيرات ثورة ٢٣ يوليو الإيجابية حاجز الحدود المصرية، وبلغت أعماق الدول العربية والإفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية من خلال دورها المحورى فى دعم حركات التحرر الوطنى من قوى الاستعمار الأجنبى، حيث كانت ملهمة للعديد من الثورات وحركات التحرر على امتداد العالم الثالث فى آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.

 وفى هذا الإطار مثلت مصر الداعم الأبرز لثورة الجزائر ضد المحتل الفرنسى، وفى العام ١٩٥٨ تشكلت أول حكومة للجزائر فى المنفى وكان مقرها القاهرة.

إذاعة صوت العرب دعماً إعلامياً لخدمة الثورة الجزائرية، واستمرت مصر فى دعم ثورة الجزائر حتى حصلت على استقلالها سنة ١٩٦٢.

وفى إطار دورها المحورى على المستوى الاقليمى والدولى، لعبت ثورة يوليو من خلال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر دوراً مؤثراً فى تشكيل حركة «عدم الانحياز» بالتعاون مع الهند ويوغسلافيا، وتم توقيع صفقة الاسلحة الشرقية فى العام ١٩٥٥ التىكسرت احتكار السلاح العالمى، فضلاً عن عقد أول مؤتمر لتضامن الشعوب الافريقية والآسيوية فى القاهرة خلال العام ١٩٥٨.

العودة إلى إفريقيا

تشكل ثورة ٢٣ يوليو نقطة مضيئة فى تاريخ علاقات مصر بدول القارة الافريقية، حيث تبنت الثورة المجيدة خطوات وقرارات جادة لتعميق حدود الترابط والتعاون بالقارة السمراء، وكثيراً ما كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يردد جملة: «الأمن القومى المصرى مرتبط بأمن واستقلال باقى دول القارة السمراء».

وفى إطار الخطوات المصرية لدعم حركات التحرر الوطنى فى إفريقيا، تشكلت لجنة «التنسيق لتحرير إفريقيا» ومن خلالها قدمت مصر المساعدات المادية والعسكرية لحركات التحرير الافريقية، وفتحت مراكز للتدريب العسكرى لكوادر هذه الحركات، وبالأخص حركات التحرير فى أنجولا وموزمبيق وزيمبابوى وجنوب إفريقيا، واتخذت هذه الحركات القاهرة مقراً سياسياً وإعلامياً لها، وفى العام ١٩٥٥ تأسست الرابطة الافريقية فى القاهرة، وفتحت الرابطة مكاتب لحركات التحرير الإفريقية وبلغ عددها ١٩ مكتباً. كما أسست مصر إذاعات موجهة لبلدان القارة الافريقية بـ ٣٣ لغة، وكان هدفها مساعدة شعوب القارة الافريقية وحركات تحريرها.

ولعبت مصر دوراً مهماً من أجل أن تحصل السودان على استقلالها من خلال التوصل الى اتفاق فبراير العام ١٩٥٣ بين مصر وبريطانيا الذى نص على أن يكون للسودان الحق فى تقرير مصيرها، وأصبحت جمهورية السودان الديمقراطية أول دولة افريقية تحصل على استقلالها فى يناير العام ١٩٥٦ بدعم كامل من مصر، وكانت مصر أول دولة تعترف بجمهورية السودان، وكان سفير مصر أول سفير يقدم أوراق اعتماد لدى السودان.

ويكفى الإشارة الى أنه قبل ثورة ٢٣ يوليو كان عدد الدول الافريقية المحررة من الاستعمار الاجنبى ٤ دول فقط، ولكن من خلال دعم مصر لحركات التحرير الافريقية بعد ثورة ٢٣ يوليو تحررت ٣٠ دولة أخرى، الامر الذى ساهم فيما بعد فى تأسيس منظمة الوحدة الافريقية التى اتخذت من أديس أبابا مقراً لها، وتولت مصر رئاستها خلال الدورة الأولى للقمة الافريقية التىانعقدت بالقاهرة العام ١٩٦٤.

رعاية القضية الفلسطينية

على المستوى العربى سعت مصربعد ثورة ٢٣ يوليو إلى دعم ورعاية القضايا العربية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث لعبت دوراً بارزاً فى تبنى الدول الافريقية لقضية فلسطين،حيث منحت منظمة الوحدة الافريقية منظمة التحرير الفلسطينية صفة المراقب شأنها شأن حركات التحرير الافريقية، ما نجحت مصر فى ادراج قضية فلسطين فى جدول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء الافريقى، فضلاً عن دورها المحورى فى احتواء ما يعرف بـ «أحداث ايلول الأسود» التى شهدت اعمال عنف وقتال بين الفلسطينيين والأردنيين.