إضاءات نبوية لحياة عصرية

صنائع المعروف تقى مصارع السوء

صنائع المعروف
صنائع المعروف

اقدّر‭ ‬ولطف‭ ‬مقولة‭ ‬يرددها‭ ‬الجميع‭ ‬عندما‭ ‬يتعرضون‭ ‬لكوارث‭ ‬وتمر‭ ‬بسلام،‭ ‬ويتساءلون‭ ‬باندهاش‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬ذلك،‭ ‬إنما‭ ‬هى‭ ‬أعمالهم‭ ‬رُدت‭ ‬إليهم،‭ ‬هم‭ ‬أُناس‭ ‬يصنعون‭ ‬المعروف‭ ‬ولا‭ ‬يتذكرونه،‭ ‬ولكن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬ينسى،‭ ‬فيجدون‭ ‬ما‭ ‬صنعوا‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬الشدائد،‭ ‬وذلك‭ ‬مصداقاً‭ ‬لما‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬حديث‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬عن‭ ‬أنس‭ ‬بن‭ ‬مالك‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬قال‭: ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬اصنائعُ‭ ‬المعروفِ‭ ‬تقى‭ ‬مصارعَ‭ ‬السوءِ‭ ‬والآفاتِ‭ ‬والهلكاتِ،‭ ‬وأهلُ‭ ‬المعروفِ‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‭ ‬همْ‭ ‬أهلُ‭ ‬المعروفِ‭ ‬فى‭ ‬الآخرةِ‭.‬

يوضح‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭ ‬أن‭ "‬صَنائِعُ‭ ‬المَعْروفِ‭"‬،‭ ‬وهى‭ ‬ما‭ ‬اصْطَنَعتَهُ‭ ‬من‭ ‬خَيرٍ‭ ‬وأسْدَيتَهُ‭ ‬لِغَيرِكَ،‭ "‬تَقى‭ ‬مَصارِعَ‭ ‬السُّوءِ‭"‬،‭ ‬أى‭: ‬يُجازيهم‭ ‬اللهُ‭ ‬تَعالى‭ ‬على‭ ‬مَعْروفِهِم،‭ ‬فيُنجِّيهم‭ ‬من‭ ‬السُّقوطِ‭ ‬فى‭ ‬الهَلَكاتِ،‭ ‬ومَواطِنِ‭ ‬الزَّلَلِ،‭ ‬فعندما‭ ‬يقوم‭ ‬الإنسان‭ ‬بأى‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬الخير‭ ‬كالصدقة،‭ ‬وبر‭ ‬الوالدين،‭ ‬وصلة‭ ‬الرحم،‭ ‬وإغاثة‭ ‬الملهوف،‭ ‬وإماطة‭ ‬الأذى‭ ‬عن‭ ‬الطريق،‭ ‬والإحسان‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬صنائع‭ ‬المعروف‭ ‬التى‭ ‬حثنا‭ ‬عليها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬والتى‭ ‬تقى‭ ‬من‭ ‬الهدم‭ ‬والتردى‭ ‬والغرق‭ ‬والحرق،‭ ‬وأن‭ ‬يتخبطه‭ ‬الشيطان‭ ‬عند‭ ‬الموت،‭ ‬وأن‭ ‬يقتل‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬مدبراً،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬موت‭ ‬الفجأة‭ ‬من‭ ‬مصارع‭ ‬السوء‭ ‬وكذلك‭ ‬ميتة‭ ‬الشهرة‭ ‬كالمصلوب،‭ ‬والحوادث‭ ‬والكوارث‭ ‬التى‭ ‬نشاهدها‭ ‬اليوم‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬الحديث‭ ‬تنويه‭ ‬عظيم‭ ‬بفضل‭ ‬المعروف‭ ‬وأهله،‭ ‬فأهل‭ ‬المعروف،‭ ‬وأهل‭ ‬الإحسان‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‭ ‬هُم‭ ‬أهْلُ‭ ‬الجَزاءِ‭ ‬الحَسَنِ‭ ‬الَّذى‭ ‬يُعرَفُ‭ ‬لهم‭ ‬عِندَ‭ ‬اللهِ‭ ‬تَعالى،‭ "‬وأصْحابَ‭ ‬الأعْمالِ‭ ‬المُنكَرةِ‭ ‬فى‭ ‬الدُّنيا،‭ ‬وأهْلَ‭ ‬التَّكْذيبِ‭ ‬باللهِ‭ ‬ورُسُلِهِ‭ ‬فى‭ ‬الدُّنيا‭ ‬يكونون‭ ‬هُم‭ ‬أهْلُ‭ ‬العَذابِ‭ ‬المُنكَرِ‭ ‬والوَبالِ‭ ‬فى‭ ‬الآخِرةِ،‭ ‬فرسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يحثُّ‭ ‬على‭ ‬عَمَلِ‭ ‬المَعْروفِ‭ ‬مُطلَقًا،‭ ‬وتَجنُّبُ‭ ‬المُنكَرِ‭.‬

قصص‭ ‬كثيرة‭ ‬وردت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬عصرنا‭ ‬الحديث،‭ ‬كلها‭ ‬أمثلة‭ ‬حية‭ ‬على‭ ‬حديث‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ولو‭ ‬نظر‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬منا‭ ‬إلى‭ ‬لطف‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أهله،‭ ‬لوجد‭ ‬أن‭ ‬سبباً‭ ‬من‭ ‬معروف‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬يوماً‭ ‬ما،‭ ‬فمثلاً‭ ‬وردت‭ ‬قصة‭ ‬عن‭ ‬امرأة‭ ‬فقيرة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬ولد‭ ‬مسافر‭ ‬للدراسة،‭ ‬لكنها‭ ‬جوادة‭ ‬كريمة،‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬كانت‭ ‬تعد‭ ‬عشاءاً‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬غيره،‭ ‬إذا‭ ‬بطارق‭ ‬على‭ ‬الباب‭ ‬ففتحته،‭ ‬فإذا‭ ‬هو‭ ‬مسكين‭ ‬يسأل‭ ‬طعاماً،‭ ‬فأعطته‭ ‬عشائها،‭ ‬محتسبة‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬الأجر،‭ ‬ومضت‭ ‬الأيام،‭ ‬وقدم‭ ‬ابنها‭ ‬من‭ ‬سفره،‭ ‬وأخذ‭ ‬يحدثها‭ ‬عن‭ ‬سفره،‭ ‬فذكر‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬أسداً‭ ‬اعتدى‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬الغابات‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬بين‭ ‬يديه،‭ ‬فجاءه‭ ‬رجل‭ ‬عليه‭ ‬ثياب‭ ‬بيض‭ ‬فأنقذه،‭ ‬فسأله‭: ‬من‭ ‬أنت؟‭ ‬قال‭: ‬لقمة‭ ‬بلقمة‭! ‬فتعجبت‭! ‬فسأل‭ ‬أمه‭ ‬ماذا‭ ‬يريد‭ ‬بهذا‭ ‬الكلام؟‭ ‬فسألته‭ ‬أمه‭: ‬متى‭ ‬حدث‭ ‬هذا؟‭ ‬فأخبرها،‭ ‬فإذا‭ ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬سدت‭ ‬فيه‭ ‬جوع‭ ‬السائل،‭ ‬فكانت‭ ‬لقمة‭ ‬أنقذت‭ ‬بها‭ ‬ولدها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لقمة‭ ‬لأسد‭ ‬مفترس،‭ ‬فالإسلام‭ ‬حث‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتكافل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬يد‭ ‬واحدة‭ ‬يساعد‭ ‬القوى‭ ‬الضعيف،‭ ‬ويحترم‭ ‬الصغير‭ ‬الكبير‭.‬

أروى‭ ‬حسن

المصدر: اللواء الإسلامي