اقدّر ولطف مقولة يرددها الجميع عندما يتعرضون لكوارث وتمر بسلام، ويتساءلون باندهاش كيف كان ذلك، إنما هى أعمالهم رُدت إليهم، هم أُناس يصنعون المعروف ولا يتذكرونه، ولكن الله تعالى لا ينسى، فيجدون ما صنعوا فى وقت الشدائد، وذلك مصداقاً لما ورد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أنس بن مالك رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنائعُ المعروفِ تقى مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ، وأهلُ المعروفِ فى الدنيا همْ أهلُ المعروفِ فى الآخرةِ.
يوضح الحديث الشريف أن "صَنائِعُ المَعْروفِ"، وهى ما اصْطَنَعتَهُ من خَيرٍ وأسْدَيتَهُ لِغَيرِكَ، "تَقى مَصارِعَ السُّوءِ"، أى: يُجازيهم اللهُ تَعالى على مَعْروفِهِم، فيُنجِّيهم من السُّقوطِ فى الهَلَكاتِ، ومَواطِنِ الزَّلَلِ، فعندما يقوم الإنسان بأى وجه من وجوه الخير كالصدقة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وإغاثة الملهوف، وإماطة الأذى عن الطريق، والإحسان إلى الناس، وغيرها الكثير فإن هذا كله يعد من صنائع المعروف التى حثنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتى تقى من الهدم والتردى والغرق والحرق، وأن يتخبطه الشيطان عند الموت، وأن يقتل فى سبيل الله مدبراً، حتى أن البعض قال إن موت الفجأة من مصارع السوء وكذلك ميتة الشهرة كالمصلوب، والحوادث والكوارث التى نشاهدها اليوم فى كل مكان، كما أن فى الحديث تنويه عظيم بفضل المعروف وأهله، فأهل المعروف، وأهل الإحسان فى الدنيا هُم أهْلُ الجَزاءِ الحَسَنِ الَّذى يُعرَفُ لهم عِندَ اللهِ تَعالى، "وأصْحابَ الأعْمالِ المُنكَرةِ فى الدُّنيا، وأهْلَ التَّكْذيبِ باللهِ ورُسُلِهِ فى الدُّنيا يكونون هُم أهْلُ العَذابِ المُنكَرِ والوَبالِ فى الآخِرةِ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يحثُّ على عَمَلِ المَعْروفِ مُطلَقًا، وتَجنُّبُ المُنكَرِ.
قصص كثيرة وردت فى هذا الشأن سواء كانت فى العصور القديمة أو حتى فى عصرنا الحديث، كلها أمثلة حية على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو نظر كل شخص منا إلى لطف الله تعالى به، أو أحد من أهله، لوجد أن سبباً من معروف قام به يوماً ما، فمثلاً وردت قصة عن امرأة فقيرة كان لها ولد مسافر للدراسة، لكنها جوادة كريمة، ذات يوم كانت تعد عشاءاً لا تملك غيره، إذا بطارق على الباب ففتحته، فإذا هو مسكين يسأل طعاماً، فأعطته عشائها، محتسبة عند الله الأجر، ومضت الأيام، وقدم ابنها من سفره، وأخذ يحدثها عن سفره، فذكر لها أن أسداً اعتدى عليه فى إحدى الغابات حتى صار بين يديه، فجاءه رجل عليه ثياب بيض فأنقذه، فسأله: من أنت؟ قال: لقمة بلقمة! فتعجبت! فسأل أمه ماذا يريد بهذا الكلام؟ فسألته أمه: متى حدث هذا؟ فأخبرها، فإذا هو نفس اليوم الذى سدت فيه جوع السائل، فكانت لقمة أنقذت بها ولدها من أن يكون لقمة لأسد مفترس، فالإسلام حث على كل شىء يتعلق بالتكافل الاجتماعى حتى يكون الناس فى المجتمع يد واحدة يساعد القوى الضعيف، ويحترم الصغير الكبير.
أروى حسن
المصدر: اللواء الإسلامي