أنصفنى موسى صبرى حين هاجمونى بشراسة عقب ترشحى للوزارة

فاروق حسنى : جرأة السيسى كانت سببًا فى إنجاز المتحف الكبير.. حوار

فاروق حسنى خلال حواره مع «الأخبار»
فاروق حسنى خلال حواره مع «الأخبار»

الثقافة فى مصر لا يمكن أن تتجاهل بصماته وإسهاماته فى محطات كثيرة مهمة.. أذكر منها: فكرة إنشاء متحف الحضارة، فكرة وتصور ووضع حجر الأساس للمتحف المصرى الكبير الذى سيكون حديث العالم قريبًا، إعادة الحياة لمكتبة الإسكندرية، ترميم الآثار، افتتاح قصور الثقافة فى ربوع مصر، افتتاح دار الأوبرا ومسرح الهناجر ومركز الإبداع..، ترك أيضًا بصمات عديدة فى مجال الفن التشكيلى أهمها: صالون الشباب والمعرض العام، إنه الوزير الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق الذى جلس على كرسى الوزارة 23 سنة، و3 شهور، و13 يوما.. ورغم مرور أكثر من 10 سنوات على تركه كرسى الوزارة، إلا أن نجمه مازال ساطعًا فى سماء الثقافة المصرية، جمهوره ومحبوه مازالوا فى ازدياد كل يوم ويظهر ذلك عندما يفتتح معرضًا خاصًا به .. مازال الاعلام يتتبعه ويحاوره وينصت إليه، ومع قرب الانتهاء من أهم مشروع ثقافى تشهده مصر والعالم وهو المتحف المصرى الكبير الذى كان هو صاحب فكرته.. التقيت معه فى هذا الحوار..

حفظت أجزاء من القرآن بسبب حنجرة الشيخ محمد رفعت

الوزير يجب أن يكون هو المحرك الأول للثقافة
«ليديا» قصة حب استمرت 6 سنوات وتركت أثرًا فى حياتى

- مع الانتهاء من 98% من إنشاءات المتحف المصرى الكبير.. كيف جاءتك فكرة انشاء المتحف واختيار موقعه العبقرى؟
اختيار الموقع يكون باختيار الحدث، حجم الحدث وفلسفته.. ماهو ومن سيخدم وكيف؟، وفى النهاية الشكل العام أو العمارة والهدف، كل هذه المفردات يجب وضعها فى الحسبان قبل البداية، فالمتحف ليس شكلًا جماليًا فقط لكن مضمون المتحف مهم جدًا مثل الشكل، فأنت تمتلك تاريخ مصر الفرعونى..

هذا التاريخ العظيم الذى يضم إبداعات فنية خارقة، أنت لا تتحدث عن تاريخ القطع الأثرية فحسب، لكنك تتكلم عن قيمتها الفنية، فهناك تماثيل قيمتها الفنية تاريخية تعود إلى 3000 سنة وأكثر، لذلك كان الهدف من إنشاء المتحف هو أن تعرض الآثار المصرية عرضًا فيه اتساع وإمكانية عرض المحتوى بشكل كامل وناجح بدلًا من تجزئة المتحف على أكثر من مكان، لذا كان البحث عن قيمة فنية وتاريخية عليا فى منطقة لها جلالاتها وهى منطقة الأهرامات، وكان تفكيرى الأول أن يكون المتحف بجوار الأهرامات، وبالفعل شاهدت المكان وكان يقع بين طريق الفيوم وفندق ميناهاوس، ولكن وجدت فى المكان فيلا لإحدى الشخصيات المهمة، فخاطبت الرئيس مبارك ونزلت بصحبته للبحث عن مكان مناسب، وكان معنا وزير الدفاع آنذاك المشير طنطاوى، ووجدنا مكانا أفضل بكثير للمتحف، ووافق عليه الرئيس بعد استشارة وزير الدفاع، وبالفعل بعد طرح مسابقة لتصميم المتحف كان النجاح حليف التصميم الذى جعل الهرم جزءا من المتحف بشكل عام ويشاهده كل من يزوره.

كان التفكير ألا يكون متحفًا فقط، لكن أن يكون مركزًا ثقافيًا عالميًا، ويكون أيضًا تربويا وتأريخيا ويضم أهم المعامل والمخازن الذى يخدم متطلبات المتحف فيما بعد، ويجب هنا أن أشير إلى ان فلسفة المتحف تكمن فى ضمه قطعا أثرية نادرة ومختلفة.

- ما شعورك الآن ونحن نقترب من موعد افتتاح المتحف؟
تنتظر مصر لحظة الافتتاح التى سيشهدها العالم بحضور كبار الشخصيات والمدعوين من أنحاء العالم، أنا سعيد جدًا لإنجاز المتحف وسعيد بقرب افتتاحه، وسعيد أيضًا أن الأفكار التى طالما سعيت إليها تنفذ وسترى النور عن قريب، وبالتأكيد المتحف سيكون شيئًا مبهجًا لكل مصرى، لأننا نتحدى الزمن وكل المعوقات، ونسعى للإنجاز دائمًا.

- 20% حجم أعمال انشاء المتحف الكبير فى 12 عاما، وفى عهد السيسى وصل الإنجاز إلى 98% .. ما تعليقك؟
المتحف ليس مبنى، لكنه فكرة ورؤية ومسابقة وتصميم معمارى، وللعلم قبل البدء فى المتحف جلسنا 4 سنوات لدراسة الجدوى وماهو الهدف من المتحف، كل هذا قبل أن نبدأ على أرض الواقع فى مراحل التنفيذ الكثيرة، ثم بدأنا فى حصر الآثار وأخذ ذلك وقتًا طويلًا، وقبل كل ذلك كان يجب إنشاء مراكز علمية وتم هذا بالفعل وافتتحتها السيدة سوزان مبارك عام 2010، وهذه المراكز تضم معدات وأدوات مهمة جدًا ومن مختلف دول العالم، والمشير محمد حسين طنطاوى ساعدنى كثيرًا بالطائرات الحربية فى نقل المعدات من الخارج، فهذه كانت ملحمة ماقبل البدء فى البناء، ويجب ألا ننسى أن تصميم المتحف استغرق عامين قبل الاختيار، ثم البدء فى مراحل التنفيذ.. فالمتحف فكرة فى المقام الأول ثم دراسة وتنفيذ، ويجب أن أشيد هنا بدور وجرأة الرئيس السيسى الذى أعطى الإشارة وذلل جميع العقبات للانتهاء من تشييد المتحف فى أسرع وقت، ولولا إيمانه بالمشروع ما خرج للنور فى ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة التى تمر بمصر والعالم.

سعدتُ بافتتاح «الحضارة»
- بالتأكيد شاهدت موكب المومياوات الذى صاحب افتتاح متحف الحضارة وأبهر العالم .. ماهو احساسك وانت أيضا صاحب الفكرة؟
سعدت جدًا بالافتتاح والعرض، وهذا المتحف له حكاية، فعندما توليت الوزارة عام 1987 كانت الأوبرا فى مرحلة الإنشاء، وكان هذا الموقع هو الموقع المرشح لمتحف الحضارة، فمصر ليست الفراعنة فقط لكنها حضارة طويلة ممتدة منذ زمن بعيد، فمتحف الحضارة تربوى وفنى وتعليمى، وقالوا لى مارأيك أن نبنى المتحف خلف الأوبرا، فقلت لهم وهل يعقل أن أبنى متحفًا فى جراج؟، متحف حضارة مصر يجب أن يكون أهم متحف وفى أهم مكان، والحقيقة المكان لم يكن فى ذهنى فى هذا الوقت، وبالصدفة دعانى وزير الداخلية آنذاك على إفطار فى منطقة عين الصيرة، وأثناء تواجدى رأيت بانوراما للقاهرة وبحيرة كبيرة، فسألت عن المكان فقالوا إننا فى قلب القاهرة القديمة، وهذه البحيرة للاستشفاء، وايقنت أن هذا المكان من الممكن أن يكون موقعًا لمتحف الحضارة، وترجلت بالمكان وشاهدت جمال الموقع، ثم خاطبت محافظ القاهرة عمر عبد الآخر، وعرضت عليه الفكرة.. فرحب وخصص لى 25 فدانًا كبداية.. ثم بدأنا فى تشييد المتحف، وكنت أتابع مراحل البناء يوميًا حتى تركت منصبى.

- نعود للنشأة بحى الأنفوشى فى الإسكندرية .. ماهى حكاية اللوحة التى رسمتها لحى الأنفوشى وعمرك 16 سنة؟
كان منزلى يطل على البحر فى حى الأنفوشى، وكانت تستهوينى صناعة المراكب وتقطيع الخشب ومشهد العمال، وكنت أجلس فى هذا المكان وكلى حنين للبحر ولهذا التكوين المبدع، فأنا رسمت تلك اللوحة وعمرى أقل من 16 سنة عشقًا لهذا المكان، وكنت أعشق الجلوس على شاطئ البحر طويلًا، وكنت احب منطقة رأس التين وتلاطم الأمواج وصوتها الهادئ البسيط.
البحث عن التجريد

- كيف تحولت من فنان أكاديمى إلى تجريدى؟
لم أعرف كيف تحولت إلى التجريد فجأة، فقد كانت الدراسة فى هذه الآونة تمنع التحول إلى الأعمال التجريدة، وأذكر أننى كنت فى باريس وأثناء رحلة بالقطار إلى مدينة نيس بجنوب فرنسا، رأيت الطبيعة الخلابة والنباتات متعددة الألوان، والوديان والجداول والحقيقة أننى كنت أشعر بمتعة بصرية فى هذه الرحلة، فالطبيعة مختلفة عما رأيته فى مصر، وعندما نزلت من القطار بدأت فى رسم ما شهدته بعينى، وكلما أحاول أن أرسم أرى أننى أرسم مناظر طبيعية وحاولت أكثر من مرة، إلى أن وجدت ضالتى فى ترجمة تلك المناظر إلى مساحات تجريدية وأنا أستمع بالصدفة إلى موسيقى الروك وقت الغروب، وبدأت بعد ذلك البحث عن التجريد ورواده والتعمق والدراسة فى هذا الفن بجانب عشقى للفلسلفة، وكان ذلك عام 1970.

- بدأت مديرًا لقصر ثقافة الانفوشى ثم مستشارًا ثقافيا فى فرنسا، ثم نائبًا لمدير أكاديمية الفنون المصرية فى مصر، وبعدها مديرًا للأكاديمية المصرية للفنون بروما ثم وزيرًا للثقافة.. ماهو المنصب الذى شكل فاروق حسنى؟
تعلمت الحياة من كل هذه المناصب، فإن لم أكن مديرًا ناجحًا لقصر الثقافة، لما وجدت النجاح فى المناصب التالية، ولم أكن أنجح بالتأكيد كوزير، لأن النجاح يتطلب الجهد والمثابرة، وأنا لا أنكر حبى الدائم للمعرفة، ولم أترك أى مناسبة أثناء تواجدى فى فرنسا إلا وحضرتها كى اتعلم واستفيد من تلك التجارب، كنت أحضر العروض المسرحية وحفلات الموسيقى وغيرها من المناسبات الثقافية كى أتعلم وأعلم كل جديد بها.
موسى صبرى أنصفنى

- هل تتذكر الحملة الشرسة التى صاحبت اختيارك وزيرا للثقافة.. وكيف أنصفك موسى صبرى؟
بمجرد إعلان اختيارى للوزارة أثيرت ضجة كبيرة حولى، وصفها الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين بـ»عاصفة فاروق حسنى» لاعتراض بعض المثقفين الذين تساءلوا: من هو فاروق حسنى؟ نحن لانعرفه ولا نقبله وزيرًا، وساهم فى الرفض ثروت أباظة بصفته رئيسًا لاتحاد الكتاب، وكان النصيب الأكبر فى الهجوم الصادم من الكاتب عبد الرحمن الشرقاوى عندما أعلن فى صدر الصفحة الأولى فى جريدة الوفد:»نحن لا نقبل هذا الوزير، ولا نعرفه»..، ومن الطريف أن الشرقاوى أقام لحسنى حفل تكريم عندما عرفه بعد ذلك عن قرب!..، وكان الكاتب وحيد حامد من المعارضين لى لصغر سنى ولعدم خبرتى بالثقافة على حد قوله، قبل أن يعلن بعد ذلك أنه وجد فى وزيرًا بعقل فنان مثقف، وفوجئت بمكالمة من الكاتبة الصحفية حُسن شاه تقول لى:«لا تغضب وأرجو أن تتصل بموسى صبرى ضرورى الآن»، وبالفعل اتصلت به ولم نكن قد التقينا من قبل إلا أنه رحب بى جدًا وقال: «عرفت عنك الكثير من شخص موثوق به إلى درجة كبيرة جدًا وهو السيد منصور حسن- وزير الثقافة الأسبق- قال لى مبروك عليكم فاروق حسنى، وأشاد كثيرًا باختيارك» واستطرد صبرى مشجعًا: «وأنا اثق فى حكمه»، وطلب منى صبرى أن أهاتف الشرقاوى وأن اعتبره مثل والدى، وبالفعل هاتفته وزرته فى منزله بصحبة الفنان كرم مطاوع، ورحب بى الشرقاوى جدًا وانصت لى مندهشًا، ولا أنسى دفاع موسى صبرى عنى كثيرًا فى مواقف مختلف لقناعته بى، وبالفعل الحقيقة أقوى من أى زمن، ويحضرنى رأيه عندما زار أحد معارضى بقاعة اخناتون حينما قال: دعانى الوزير فاروق حسنى لمعرضه الخاص، ولا أعلم أنه يقيم المعرض داخل أتوبيس زحمة!!.

حنجرة محمد رفعت
- كنت ملمًا بأطراف الثقافة المصرية..«المسرح والسينما والآثار والفن التشكيلى والأدب والتمثيل».. هل يجب أن يكون وزير ثقافة مصر ملمًا بكل هذه النقاط ليصنع تاريخًا كما صنعت؟
وزير الثقافة يجب أن يكون هو المحرك الأول للثقافة، وعلى الأقل يجب أن يكون على دراية ولو قليلة فى مختلف مجالات الثقافة، كى يستطيع تحريك تلك الأطراف بعلم.

- كيف كان صوت الشيخ محمد رفعت سببا فى حفظك أجزاء من القرآن الكريم؟
كنت أهيم بصوت الشيخ محمد رفعت وحنجرته الذهبية وأدائه العبقرى الذى تتجلى فيه كل معانى الإيمان والصفاء وهو يتلو آيات القرآن الكريم فأستشعرها على نحو مختلف، وقد حفظت أجزاء كثيرة منها خلال سماعى له، واستمتاعى بأسلوبه فى ترتيل القرآن، كان صوته يتردد داخل بيتنا وأنا صغير، ولا أنسى ما قاله عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب: إن الشيخ رفعت علمنا «فن الإبانة» أى «إبانة اللفظ» وإظهاره، بما يجعلك تكتشف عمق المعنى وجماله.
أزمة ثقافية

- متحف الحضارة، والمتحف الكبير، ويتم الآن تطوير سور مجرى العيون، وقريبا تظهر مدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الإدارية.. أرى ان القيادة السياسية تدرك تمامًا قيمة وأهمية المشاريع الثقافية ولا تبخل عليها، ورغم كل ذلك هناك أزمة ثقافية.. هل تتفق معى؟
أتفق معك تمامًا، لأن الثقافة فى حاجة لمن يحركها، والمحرك الثقافى ليس فردا واحدا، لكن كل مدير قصر ثقافة وكل مدير مؤسسة أو شركة، وكل وزير وكل وكيل وزارة.. كل واحد من هؤلاء هو محرك ثقافى، هذا بخلاف أن الثقافة هى نوع من الابتكار الحى، بمعنى أنه يجب أن نبتكر أشياء جديدة ولا نكرر ولا نقلد، ويجب أن نهتم بالشباب فى كل خطواتنا.. شىء رائع ويحسب للقيادة السياسية أن نشيّد مدينة ثقافية، لكن علينا أن نختار من الآن ماسنقدمه فى هذه المدينة، نحن نحتاج أفكارا جديدة تجذب الشباب.

غياب الوهج
- صالون الشباب - المعرض العام - البينالى - الترينالى - مشاريع كبيرة مازالت مستمرة .. لكن غاب عنها النجاح فى الفترة الأخيرة.. لماذا؟
هذه المعارض للأسف غاب عنها الوهج، والحالة الإبداعية عند الشباب أصبحت ليست مؤثرة، ندرت المواهب بشكل ملحوظ فى مختلف المجالات الثقافية وهذا ما أثر بالسلب وبالتالى غاب النجاح، لأنه على سبيل المثال فنان مثل شادى عبد السلام كان يؤثر فى الحالة الإبداعية بشكل ملحوظ.

- المرأة فى حياة فاروق حسنى.. هل هناك فتاة أثرت فى حياتك؟
قصص كثيرة مررت بها، لكن كان لى صديقة اسمها «ليديا» قابلتها فى باريس واستمرت علاقة الحب بيننا لمدة 6 سنوات، وكانت شاعرة متميزة وبسيطة وجميلة، وكان لها تأثير كبير فى حياتى بشكل عام.

- هل يتعمد الإعلام المصرى إغفال دور الفن التشكيلى ورموزه؟
هذا ليس تعمدا لكنه جهل بالفن، ولمعالجة ذلك علينا أن نبدأ فى توعية وتثقيف الأطفال بدور الفن وكيفية تذوقه وتأثيره على المجتمع.

- رسائل تحب أن توجهها إلى كل من: وزير الثقافة، وزير التعليم، شباب الفنانين التشكيليين.
أقول لوزيرة الثقافة: شدى حيلك لأن البلد يحتاج إلى جهدك فى كل وقت، وأقول لوزير التعليم: الله يكون فى عونك فالتعليم شىء صعب ويحتاج إلى إعادة ترتيب المنظومة بشكل عام، وأقول لشباب الفنانين: اهتموا بأعمالكم وشاهدوا واهتموا بأعمال غيركم.