هل تحتاج أم كلثوم إلي ذكراها، هي الحاضرة طوال العام وطوال الأعوام، حاضرة في الغياب، وحاضرة في الحضور... قبل سنوات بعيدة أحببت أم كلثوم بسبب الشعر، كانت أبيات الشاعر سميح القاسم تلاحقني دائما، كنغمة تتردد بشكل متكرر، دون قدرة علي الهرب منها.. ربما هو الإيقاع الموسيقي بالقصيدة، أو ربما هي الصورة الشعرية اللافتة لصوت يضاعف الحزن :
( أم كلثوم اطمئني...
يصبح الحزن - متي غنيت-
حزنين... اطمئني ).
وكانت أم كلثوم هي (إدمان الوحيد) كما رآها الشاعر محمود درويش.. (هي إيقاظ البعيد علي صهيل فرس لا تروض بسرج ولجام.. نسمعها معا فنطرب واقفين، وعلي حدة فنظل واقفين، إلي أن توميء لنا الملكة بالجلوس، فنجلس علي متر من ريح، تقطعنا مقطعا مقطعا بوتر سحري، لا يحتاج إلي عود وكمان.. ففي حنجرتها جوقة إنشاد وأوركسترا كاملة، وسر من أسرار الله...)
لكني علي عكس الشاعرين، لم تكن أم كلثوم بالنسبة لي صوتا يضاعف الحزن ويثير الأسي، لم تكن صوتا يضاعف الفرح، أو يضاعف الوحدة... هي فقط الصوت المتعة والصوت الجمال، ليس في الإمكان سماعه دون أن نقول الله، دون أن تدهشنا قوة الصوت الإستثنائية وحلاوته، دون أن نري رؤي العين السلامة والمهارة والسحر والإتقان.. لا يقف صوت أم كلثوم علي تعبير وحيد بالحزن أو بالفرح، بالقوة أو بالضعف.. صوت هو كل المعاني وتاريخ الحضارة الموسيقية كلها.