ورقة وقلم

جمهورية الخبز والكرامة

ياسر رزق
ياسر رزق

لو قيل لأحد من عشرات الملايين حين أعادوا انتخاب الرئيس السيسى أنه سيوفر «حياة كريمة» لكل أبناء الريف فى 3 سنوات، لقال لمحدثه: «تواضع فى أحلامك»!

 المساس بأمتنا ومقدرات شعبنا خط أحمر

 

إنه حلم سكن الوجدان، وأمل اهتدى به القلب، ورؤية ارتسمت فى الذهن، ثم عمل جبار فى كل الميادين على مدار سبع سنوات مضت، لتحقيق الحلم، وبلوغ الأمل، وتنفيذ الرؤية، والطريق أبدا لا ينتهى..!


تلك كانت مشاعرى كواحد من عشرات الملايين من المصريين، ونحن نتابع وقائع ليل الخميس الماضى التاريخية، ونشاهد الرئيس السيسى مفعماً بالاعتزاز والحسم وسداد الرأى، وهو يتحدث قارئاً، ويتألق مرتجلاً، راجياً أن يكون على قدر الأمانة والبركة الإلهية التى أنعم المولى عليه وعلى بلاده، ومتعهداً للشعب بأن تكون روحه وأرواح جيشنا البطل دون المساس بمقدراته.


< < <


ذلك اليوم، كان بلا مبالغة، واحداً من أيام مجيدة، توقفت عندها الأمة المصرية وهى تطل إلى الوراء بدهشة، وتنظر حولها بانبهار، وترنو إلى الأمام بعزم.
كان مناسبة لاستحضار كيف كنا وأين أصبحنا ولاستشراف كيف سنكون، بعد تنفيذ المشروع المصرى الأعظم -على حد تعبير الرئيس السيسى نفسه- للدولة المصرية المدنية الديمقراطية الحديثة، وهو مشروع «حياة كريمة» لتنمية الريف المصرى.


فلو قيل لأحد من أشد مؤيدى ثورة ٣٠ يونيو قبل ثمانى سنوات مضت، إنك سترى فى مصر عام ٢٠٢١، كل هذه الإنجازات التى تحققت على امتداد أرض هذا البلد فى غضون أقل من مائة شهر، ما صدق ولأخذ يعدد تحديات عصية، وعقبات معرقلة، ومخاطر محدقة، تحول دون تحقيق بعضها، بل معظمها..!


ولو قيل لأحد من عشرات الملايين، الذين أجمعوا على إعادة انتخاب الرئيس السيسى عام ٢٠١٨، أن هذا الرجل سيعيد بناء الريف المصرى، المعنى والمبنى، بكل قراه، وسيحدث نقلة هائلة فى حياة ٥٨ مليون مصرى من أبناء القرى، عاشوا مهمشين على مدار نصف قرن، قبل انتهاء فترته الرئاسية الحالية، لقال: كيف؟.. ومن أين؟.. إنك تحلم!.. ولطالبت بأن تكبح جموح طموحاتك بلجام الواقع، وأن تتواضع فى أحلامك..!


.. لكنها جرأة الحلم التى يتحلى بها الرجل، فلم يكن بأصبعه خاتم سليمان، إنما فى عقله رؤية شاملة لمستقبل بلاده لتكون فى مكان صدارة بين أمم الدنيا، وفى نفسه عزم لا يلين، وإيمان لا يتزعزع بقدرة هذا الشعب الكامنة على إنجاز ما يظن البعض أنه مستحيل.


< < <


ذلك اليوم، الخامس عشر من يوليو، سيصبح، ولا شك، عيداً للجمهورية الجديدة، الجمهورية المصرية الثانية، جمهورية ثورة 30 يونيو، التى فاجأ الرئيس السيسى الجميع بالإعلان عن تدشينها ليل الخميس الماضى، وأحسن اختيار مناسبة إعلانها، فى احتفال رائع امتزج فيه الأمل بالفخر بالعزة الوطنية.
4 مناسبات تاريخية حفلت بها تلك الليلة، كل منها يصلح عنواناً لاحتفالية كبرى، ومعلماً لمسيرة نظام ٣٠ يونيو.
إطلاق مشروع «حياة كريمة» لتطوير الريف المصرى.


إعلان تدشين الجمهورية الجديدة.


تأسيس اتحاد شباب مصر.


رسالة «النداء الأخير»، لمجابهة التحدى الأكبر الذى تتعرض له الأمة المصرية.


قد تبدو تلك مناسبات منفصلة، لكنها فى واقع الأمر شديدة الارتباط، وبالغة التعبير فى دلالاتها عما جرى فى مصر خلال السنوات السبع الماضية.
فما كان يمكن لواحدة منها أن ندشنها، لولا الدولة المدنية الحديثة، التى قامت على أنقاض دولة عصفت بركائزها أعاصير ما بعد ثورة يناير، وقوضت أركانها جماعة الجهل والغدر فى عام حكم المرشد، وأرست أساسها رؤية قائد وإرادة شعب ووحدة كتلة وطنية صلبة، وعلا بنيانها يوماً بعد يوم لتستعيد الدولة المصرية قوتها الشاملة، بعدما تراجعت قدراتها على نحو فادح فى أيام ما بين الثورتين، ثم تضيف إليها وتضاعفها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وبالقطع عسكرياً.


< < <


حينما كلف الرئيس السيسى فى مطلع هذا العام، الحكومة بتمويل مشروع حياة كريمة الذى يستهدف تطوير ٣٧٥ من القرى الأكثر فقراً، إلى مشروع شامل يستهدف تنمية الريف المصرى تنمية شاملة مستدامة بجميع قراه وعددها ٤٥٨٤ قرية يتبعها ٢٨ ألفا من النجوع والكفور والتوابع فى غضون 3 سنوات، كان ذلك أبلغ إشارة بسلامة بنيان الدولة المصرية الحديثة، فلولا الإصلاح النقدى والمالى والاقتصادى، ما كان بالإمكان الوفاء بالتزامات الدولة، ولا إكمال مشروعاتها، ولا المضى فى إنجاز مشروعات جديدة، فى القلب منها المشروع الأعظم وهو «حياة كريمة».


وبرغم أن ملامح المشروع كانت معروفة لمعظم المصريين، قبيل إعلان الرئيس عن تدشينه يوم الخميس الماضى، فإن الصورة المتكاملة للمشروع ظلت فى بقعة خافية عن مرأى ومسمع جموع الشعب، الذين فوجئوا بحجمه الهائل وهم يتابعون مشاهد العمل الجارية على قدم وساق، التى عرضت فى الاحتفال، من أقصى مصر إلى أقصاها، لإنجاز المرحلة الأولى من المشروع فى غضون عام واحد، لتنمية ١٤١٣ قرية تضم نحو ١١ ألف تابع فى زمام ٥٢ مركزاً تقع فى ٢٠ محافظة، بتكلفة ٢٦٠ مليار جنيه من بين أكثر من ٧٠٠ مليار جنيه سوف تتكلفها المراحل الثلاث للمشروع.


هذا الرقم ٧٠٠ مليار جنيه، يعنى أن نصيب كل قرية مصرية من الاعتمادات المالية للتنمية والتطوير يبلغ نحو ١٥٣ مليون جنيه، وأن نصيب الأسرة المصرية الواحدة فى الريف يبلغ ٧٠ ألف جنيه.


< < <


فى الاحتفالية عرض رئيس الوزراء الكفء الدءوب الدكتور مصطفى مدبولى عناصر التنمية الشاملة المستدامة للمشروع، وملخصها، إنشاء مسكن كريم لمن تهدمت منازلهم وإحلال وتطوير البيوت المتهالكة، وإجراء تطوير شامل على الخدمات بحيث يجد كل مواطن مياه شرب نظيفة مستمرة، وخدمة صرف صحى فى كل بيت وكهرباء لا تنقطع، وتمتد شبكات الغاز الطبيعى وخدمة الإنترنت إلى المنازل مع تحسين شبكات الهواتف المحمولة.


لن يعيش أبناء القرى فى معاناة من التنقل، بعدما سيتم من إنشاء طرق داخلية بها، وأخرى تربطها بالقرى المجاورة، كما سيتم تبطين الترع لتوصيل مياه الرى إلى نهاياتها وتقليل الفاقد.


ولن يضطر ابن القرية إلى الذهاب إلى عاصمة البلاد، أو عاصمة محافظته أو إلى المركز لقضاء حاجة أو إنجاز خدمة، فسوف تتوافر له الخدمات الحكومية فى مجمع واحد بكل قرية، وسوف يجد مدرسة لائقة ورياض أطفال لأبنائه، ومستشفى أو مركزاً صحياً متطوراً داخل قريته.


سوف تتوافر أثناء إنجاز المشروع ملايين فرص العمل المؤقتة فى أعمال التشييد ومد لشبكات المرافق والخدمات، وسوف تتوافر فرص عمل دائمة داخل القرى من خلال قروض متناهية الصغر، والمجمعات الحرفية والإنتاجية التى ستقام بكل قرية حسب النشاط البشرى الذى تشتهر به وتكتسب فيه ميزة نسبية.
سوف تشهد القرى نهضة فى خدمات الرياضة والثقافة عبر تطوير المنشآت القائمة، واستحداث آليات جديدة تنشر الآداب والفنون وتكتشف الموهوبين فى كل المجالات.


< < <


ثمة جوانب غير مباشرة لهذا المشروع المصرى الأعظم، لها تأثيراتها على مجمل حياة أكثر من مائة مليون مصرى، ليست فى الريف وإنما فى الحضر أيضاً.


فالاعتماد على المواد والمنتجات المصرية فى تطوير وتنمية القرى، سوف يؤدى إلى تشغيل المصانع المصرية العاملة فى مواد البناء والصناعات المرتبطة بها، بكامل طاقاتها، وتوسيع خطوطها الإنتاجية، ومن ثم زيادة فرص التشغيل.


أيضاً فإن توفير الخدمات الصحية والتعليمية والحكومية، وفرص العمل لأبناء الريف داخل قراهم، يعنى الحد من الهجرة من الريف إلى الحضر، وتخفيف التكدس بالمدن والمراكز، وتقليل الضغط على خدماتها ومرافقها، من مدارس ومستشفيات وغيرها، وبالتالى تحسين الخدمات المقدمة لأبناء الحضر، غير ما سيطرأ عليها من تطوير فى إطار الخطة القومية لرؤية «مصر-٢٠٣٠»


< < <


جانب آخر بالغ الأهمية أيضاً، هو تسليط الأضواء على نماذج مبهرة من شباب مصرى من المتطوعين فى مؤسسة «حياة كريمة» يتولون الاشراف على تنفيذ مشروعات تنمية القرى والتنسيق بين الجهات القائمة عليها.


ولعل الإعلان عن تأسيس اتحاد شباب الجمهورية الجديدة، بعد عرض تلك النماذج من بين ٢٤ ألفاً من شباب المتطوعين، يستهدف البناء عليها لتشكيل مظلة شبابية واسعة، تجمع هؤلاء الشباب مع زملائهم من خريجى البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب والأكاديمية الوطنية للتدريب، وأعضاء مؤتمرات الشباب، مع الكوادر الأصغر سنا فى تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بجانب كوادر اتحادات شباب الجامعات والمعاهد وشباب النقابات والاتحادات، لتوسيع المشاركة الشبابية فى الحياة العامة، وتقديم كوادر قيادية مؤهلة لتولى المناصب السياسية والتنفيذية والشعبية على اختلاف مستوياتها.


والمعنى الذى أظنه وصل لجموع الشباب، أن التمكين ليس هو إهدار الساعات على لوحة المفاتيح فى أجهزة المحمول أو الحواسب، ومطالعة تجار اليأس على مواقع التواصل، وإنما قضاء الساعات تحت لهيب الشمس وبرد الشتاء وأمطاره للمشاركة فى بناء الوطن وتعبيد طريق المستقبل لكل شاب واكتساب الخبرة.
< < <


غاية أى نظام حكم رشيد فى دول العالم، هو رضا المواطنين.


ولقد سقطت جمهوريتنا الأولى «جمهورية ٢٣ يوليو»، وانهارت شرعيتها، حينما افتقدت رضا الناس، فى ظل غيبة العدالة والاستهانة بكرامة الوطن فى ظل مشروع توريث الحكم.


وما بين ثورتى يناير ويونيو، اقتنصت جماعة الغدر سلطة الحكم، لتقيم جمهورية سراب، كانت عنواناً للوهم والخديعة والخيانة للشعب والوطن.
وظل أمل الجمهورية المصرية الثانية، جمهورية ٣٠ يونيو، يراودنا، وحان أوانها، عندما علا بنيان الدولة الحديثة المدنية كركيزة لهذه الجمهورية، وبدأنا فى تنفيذ مشروع «حياة كريمة» الأعظم، كعنوان لكل ما تمثله الجمهورية المصرية الثانية، ومناسبة لتدشين هذه الجمهورية.


جمهوريتنا الجديدة كما أوجز أهدافها الرئيس السيسى، فى كلمته الجامعة يوم الخميس الماضى، ترتكز على مفهوم المواطنة وترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وتسعى لبناء الإنسان المصرى بناء متكاملا إيمانا بأنه كنز الوطن وأيقونة انتصاره ومجده.


«حياة كريمة»، هو تجسيد لمعنى المواطنة الحقيقية، وتعبير عن العدالة الاجتماعية، بل العدالة الجغرافية بين أبناء كل أقاليم الوطن فى الريف والحضر، فى الصعيد والدلتا، داخل الوادى وعلى أطرافه.


هذا المشروع العملاق الأعظم، يرمز لمعنى الكرامة.


فلا كرامة لوطن، أبناؤه يعانون من العوز، ولا كرامة لمواطنين لا يجدون المكان الذى يليق بهم تحت شمس الوطن.
هذه إذن جمهوريتنا الجديدة.. جمهورية الخبز والعدالة والكرامة.


< < <


تتبقى رسالة «النداء الأخير» التى أطلقها الرئيس السيسى فى احتفالية الخميس بشأن أزمة سد النهضة، من على منبر القوة القادرة الرشيدة.
لا تحتاج عبارات الرئيس الفصيحة فى معانيها إلى ترجمة، ولا إلى شرح هو بكل تأكيد يعجز عن تفصيل ما أوجزه الرئيس، أو إيجاز ما أوضحه تفصيلاً.
لكن لعل الرسالة تكون قد استوعبها الجميع فى الإقليم وفى العالم.


فنحن نريد الخير لإثيوبيا ونسعى للتعاون معها، لكن دونما مساس بحصة مصر من مياه النيل، عبر توقيع اتفاق قانونى وملزم.


ونحن لدينا خيارات متعددة للحفاظ على أمن مصر القومى، والمساس بأمننا ومقدرات شعبنا خط أحمر لا يمكن اجتيازه، شاء من شاء وأبى من أبى.
وإذا كان الرئيس السيسى دعا شعبه إلى الاطمئنان، قائلا: إن القلق لا يليق بهم، فإن المعنى أن الآخرين هم الذين يجب أن يساورهم القلق..!


< < <


فى يوم ٢٣ يونيو ٢٠١٣، خاطب الفريق أول السيسى جموع المواطنين الذين بلغ بهم الغضب الحلقوم قبيل أسبوع من اليوم الموعود لثورة ٣٠ يونيو قائلاً ومطمئناً: «أى مروءة نشعر بها كضباط وضباط صف فى الجيش، لما نجد الشعب المصرى مُروَّع وخايف.. إحنا نروح نموت أحسن».


وكان السيسى صادق الوعد فى حماية أبناء الشعب.


ويوم الخميس الماضى.. كان الرئيس السيسى على عهده مع الوطن حينما قال: «قبل ما يحصل أى حاجة لمصر، يبقى لازم أنا والجيش نروح الأول قبل ما حد يهدد مصر».


سلمت يا ريس، وسلم الجيش، وسلمت مصر بكما.