مكتبات المبدعين الراحلين تهِبهم حياة أخرى

مكتبات المبدعين الراحلين تهِبهم حياة أخرى
مكتبات المبدعين الراحلين تهِبهم حياة أخرى

يرحل‭ ‬المبدعون‭ ‬ويبقى‭ ‬إبداعهم،‭ ‬فيكتب‭ ‬لهم‭ ‬البقاء‭. ‬وفى‭ ‬سبيل‭ ‬إبداعهم‭ ‬يبذلون‭ ‬قدرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬أوقاتهم‭ ‬بين‭ ‬الكتب،‭ ‬يرافقونها‭ ‬وينهلون‭ ‬منها‭ ‬ويختزنون‭ ‬ما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحين‭ ‬وقتها،‭ ‬لكن‭ ‬ذ‭ ‬ربما‭ ‬ذ‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الرِفقة‭ ‬قد‭ ‬تهِبهم‭ ‬حياة‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬الرحيل،‭ ‬وتحكى‭ ‬سيرة‭ ‬مغايرة‭ ‬لهم‭ ‬إذا‭ ‬قُرِئت‭ ‬بتمعن‭ ‬وبفكر‭ ‬مختلف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفى‭ ‬طارق‭ ‬الطاهر‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬اخزائن‭ ‬الأسرار‭.. ‬جولة‭ ‬فى‭ ‬مكتبات‭ ‬المبدعينب‭ ‬الصادر‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬منشورات‭ ‬الربيع‭.‬

يتضمن‭ ‬الكتاب‭ ‬جولة‭ ‬فى‭ ‬مكتبات‭ ‬ثمانية‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬الراحلين،‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬فى‭ ‬فصل‭ ‬يحمل‭ ‬اسمه‭ ‬وصفة‭ ‬استخلصها‭ ‬الطاهر‭ ‬من‭ ‬مكتبته،‭ ‬وهى‭: ‬اشادى‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭.. ‬جذور‭ ‬الموهبةب،‭ ‬اسمير‭ ‬فريد‭.. ‬شاعر‭ ‬السينما،‭ ‬امحمد‭ ‬كامل‭ ‬القليوبى‭.. ‬الخطابات‭ ‬سيدة‭ ‬الموقف،‭ ‬افاروق‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭.. ‬التأريخ‭ ‬للموت،‭ ‬انور‭ ‬الشريف‭.. ‬الفنان‭ ‬الناقد،‭ ‬اصبرى‭ ‬موسى‭.. ‬صاحب‭ ‬تجربة‭ ‬استثنائية،‭ ‬اثروت‭ ‬عكاشة‭.. ‬الكنز،‭ ‬واإحسان‭ ‬عبد‭ ‬القدوس‭.. ‬متحف‭ ‬فى‭ ‬منزل‭.‬

تعامل‭ ‬الطاهر‭ ‬مع‭ ‬المكتبات‭ ‬باعتبارها‭ ‬مجموعة‭ ‬حيوات‭ ‬تعيد‭ ‬استنساخ‭ ‬أرواح‭ ‬أصحابها،‭ ‬فتستمد‭ ‬وجودها‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬حميمة‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬لمساتهم‭ ‬وأوراقها‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بعيد،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬كائنات‭ ‬صماء‭ ‬قابعة‭ ‬على‭ ‬أرفف‭ ‬خشبية،‭ ‬أو‭ ‬أوراق‭ ‬تتبدل‭ ‬ألوانها‭ ‬بفعل‭ ‬تأثيرات‭ ‬الزمن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬لأنها‭ ‬جامدة،‭ ‬إذ‭ ‬وجد‭ ‬بصمة‭ ‬يدهم‭ ‬عبر‭ ‬ملاحظات‭ ‬مدوّنة‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الكتب،‭ ‬وكتابات‭ ‬سطرتها‭ ‬أقلامهم‭ ‬فى‭ ‬أوراق‭ ‬متناثرة،‭ ‬وخطابات‭ ‬متبادلة،‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬شخصياتهم‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬عنها‭ ‬الكثيرون‭ ‬شيئًا‭.‬ت

فى‭ ‬مكتبة‭ ‬المخرج‭ ‬شادى‭ ‬نجد‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لرؤاه‭ ‬وفلسفته‭ ‬السينمائية‭ ‬التى‭ ‬تهدف‭ ‬لسينما‭ ‬تفيد‭ ‬الناس‭ ‬وتعلمهم‭.. ‬لكن‭ ‬بفن،‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬فى‭ ‬تكوينها‭ ‬عندما‭ ‬أصيب‭ ‬بمرض‭ ‬أقعده‭ ‬الفراش‭ ‬لمدة‭ ‬عامين،‭ ‬فلم‭ ‬يجد‭ ‬سوى‭ ‬الكتاب،‭ ‬الذى‭ ‬اصطحبه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬حياته‭. ‬فى‭ ‬حين‭ ‬كشفت‭ ‬مكتبة‭ ‬الفنان‭ ‬نور‭ ‬الشريف‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬النقدى‭ ‬لديه،‭ ‬إذ‭ ‬تجاوز‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الكتب‭ ‬مرحلة‭ ‬القارئ‭ ‬العادى،‭ ‬وأخذ‭ ‬يسجّل‭ ‬رؤاه‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬يقرؤها،‭ ‬ويميل‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬االتوثيقب،‭ ‬فيكتب‭ ‬تاريخ‭ ‬ومكان‭ ‬بدء‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وتاريخ‭ ‬الانتهاء‭ ‬منه‭ ‬ومكانه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المكتبة‭ ‬تكشف‭ ‬بتنوع‭ ‬محتوياتها،‭ ‬مدى‭ ‬عمق‭ ‬ثقافة‭ ‬الشريف‭.‬ت

أما‭ ‬مكتبة‭ ‬الناقد‭ ‬سمير‭ ‬فريد‭ ‬فقد‭ ‬شبهها‭ ‬الطاهر‭ ‬بسينماتيك‭ ‬الدولة‭ ‬لما‭ ‬تتضمنه‭ ‬من‭ ‬أرشيف‭ ‬دقيق‭ ‬لتاريخ‭ ‬الأفلام،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬مرآة‭ ‬كاشفة‭ ‬لطريقة‭ ‬تفكيره‭ ‬وحبه‭ ‬للتوثيق،‭ ‬ويمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬بمثابة‭ ‬قراءة‭ ‬فى‭ ‬اجذور‭ ‬التكوينب،‭ ‬فهى‭ ‬تحوى‭ ‬مئات‭ ‬الكتب‭ ‬فى‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬اتكوينهب‭ ‬الفريد،‭ ‬الذى‭ ‬يظهر‭ ‬دائمًا‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مؤلفاته‭ ‬أو‭ ‬مقالاته،‭ ‬كما‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬جانب‭ ‬غير‭ ‬معروف‭ ‬عنه،‭ ‬وهو‭ ‬علاقته‭ ‬بالشعر‭ ‬كتابة‭ ‬ونقدًا،‭ ‬واسمه‭ ‬المستعار‭ ‬اكامل‭ ‬توفيقب‭ ‬الذى‭ ‬وقع‭ ‬به‭ ‬مقالاته‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬االأهالىب‭ ‬عام‭ ‬1978‭.‬

وتكملها‭ ‬مكتبة‭ ‬المبدع‭ ‬صبرى‭ ‬موسى‭ ‬التى‭ ‬تعكس‭ ‬شخصيته‭ ‬وثقافته‭ ‬الرفيعة‭ ‬ودوره‭ ‬المؤثر‭ ‬فى‭ ‬إثراء‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬إذ‭ ‬ظل‭ ‬طوال‭ ‬عمره‭ ‬يحتفظ‭ ‬بالسيناريو‭ ‬الذى‭ ‬أعده‭ ‬عن‭ ‬رائعة‭ ‬يحيى‭ ‬حقى‭ ‬ادماء‭ ‬وطينب‭ ‬التى‭ ‬حولها‭ ‬للفيلم‭ ‬الشهير‭ ‬االبوسطجىب،‭ ‬وتشكل‭ ‬فى‭ ‬جوهرها‭ ‬الرحلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬ارحلة‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬والإبداعب‭.‬

بينما‭ ‬تمثل‭ ‬مكتبة‭ ‬المخرج‭ ‬د‭.‬كامل‭ ‬القليوبى‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لعلاقاته‭ ‬ومشوار‭ ‬حياته‭ ‬ومعاركه‭ ‬وآرائه‭ ‬ورؤيته،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للسينما،‭ ‬بل‭ ‬ذ‭ ‬أيضًا‭ ‬ذ‭ ‬لمجمل‭ ‬الحياة‭ ‬المصرية‭ ‬بكل‭ ‬تعقيداتها‭ ‬وتشابكاتها،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يحتفظ‭ ‬بكل‭ ‬قصاصة‭ ‬يكتبها،‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬كتبها‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الشاعر‭ ‬الراحل‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الأبنودى،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬كبيرة‭ ‬ولا‭ ‬صغيرة‭ ‬فى‭ ‬حياته،‭ ‬إلا‭ ‬واحتفظ‭ ‬بها‭ ‬وأرشفها‭: ‬رسائل،‭ ‬مقالات،‭ ‬دراسات‭ ‬جامعية،‭ ‬كتب‭ ‬عائلته‭ ‬التى‭ ‬ورثها‭ ‬من‭ ‬جده،‭ ‬وكذلك‭ ‬صوره‭ ‬فى‭ ‬مراحله‭ ‬المختلفة،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أمهات‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬المصرى،‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬حقبه‭.‬

ومن‭ ‬وسط‭ ‬التراب‭ ‬الذى‭ ‬كساها‭ ‬فى‭ ‬قصر‭ ‬ثقافة‭ ‬روض‭ ‬الفرج،‭ ‬ظهرت‭ ‬مكتبة‭ ‬الناقد‭ ‬فاروق‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬متضمنة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬5909‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬كتب‭ ‬وموسوعات‭ ‬ومعاجم‭ ‬ودوريات،‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬احر‭ ‬مالهب،‭ ‬ويعكس‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬مكانته‭ ‬وسط‭ ‬الأجيال‭ ‬المختلفة،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقرأها‭ ‬عبد‭ ‬القادر،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬وقتها،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬تعرف‭ ‬عليه‭ ‬بشكل‭ ‬شخصى،‭ ‬فمكتبته‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُقرأ‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬علاقاته‭ ‬بالوسط‭ ‬الثقافي،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يقدر‭ ‬قيمته،‭ ‬باعتباره‭ ‬ناقدًا‭ ‬حقيقيًا،‭ ‬صاحب‭ ‬بصمة‭ ‬على‭ ‬أجيال‭ ‬المبدعين‭.‬

وتشهد‭ ‬مكتبة‭ ‬المثقف‭ ‬الكبير‭ ‬د‭.‬ثروت‭ ‬عكاشة‭ ‬على‭ ‬تكوينه‭ ‬الرفيع،‭ ‬وأدواره‭ ‬المهمة‭ ‬فى‭ ‬مسيرة‭ ‬الحياة‭ ‬المصرية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬المثقفون‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأجيال‭ ‬بكلماتهم‭ ‬التى‭ ‬دونوها‭ ‬على‭ ‬مؤلفاتهم،‭ ‬وأهدوها‭ ‬له‭. ‬بينما‭ ‬يتعدى‭ ‬إحسان‭ ‬عبد‭ ‬القدوس‭ ‬فكرة‭ ‬المكتبة‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الكامل‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬متحفًا‭ ‬بما‭ ‬يضمه‭ ‬من‭ ‬لوحات‭ ‬لكبار‭ ‬الفنانين‭ ‬وتماثيل‭ ‬وقطع‭ ‬فنية‭ ‬من‭ ‬عصور‭ ‬مختلفة،‭ ‬بعضها‭ ‬تم‭ ‬استقدامه‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬مصر،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬مكتبته‭ ‬ومكتبه،‭ ‬اللذين‭ ‬جمع‭ ‬فيهما‭ ‬بين‭ ‬تكريم‭ ‬االسلطة‭ ‬فى‭ ‬عهودها‭ ‬الثلاثة‭: ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات،‭ ‬وحسنى‭ ‬مبارك،‭ ‬وبين‭ ‬تكريم‭ ‬المثقفين‭ ‬والمبدعين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأجيال‭ ‬والاتجاهات‭.‬