كتبت : عائشة المراغى
* الكتب غالية أوى.
ــ اخلينا نحوِّش فلوس وننزل نشترى من سور الأزبكية.
* ابس الكتب هناك مغشوشة.
ــ الا مش مغشوشة، هى بس ورقها جودته أقل.
* اما هى كده تبقى مغشوشة.
ــ امش مهم الورق، المهم اللى مكتوب عليه جوه الكتاب.
هكذا بدأ وانتهى حوار قصير بين صبيين فى عمر المراهقة بأحد اأتوبيسات الخط الخامس الذى وفرته وزارة الثقافة ضمن سبعة خطوط متجهة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الثانية والخمسين.
كان االأتوبيس عائدًا إلى ميدان الجيزة فى الثامنة مساء، وقد بدا مختلفًا بعض الشىء عن الذى استقليته أثناء ذهابى ظهرًا من ميدان عبد المنعم رياض، والتابع للخط الأول، إذ آثرتُ فى رحلتى للمعرض استقلال حافلتين من خطين مختلفين. كلاهما من الخارج له الشكل نفسه، لكن بعض الاختلافات تجلت داخل كل منهما، رغم أن سعر التذكرة موحد؛ عشرة جنيهات. تتسم حافلات الخط الأول بهواء مكيف ونوافذ مغلقة تداريها ستائر زرقاء خفيفة، وستارة تزينية للواجهة ناحية السائق، وبعض سلات القمامة الصغيرة مثبتة على مسافات بجوار المقاعد، أما الخط الآخر فتفتقد حافلاته كل ذلك، وهو تمييز غير مفهوم.
عقب وصولى ظُهر يوم الجمعة الماضى ذ اليوم الثانى للمعرض ذ مررتُ سريعًا من بوابة الدخول، رغم قلقى المسبق مما شاهدته على مواقع التواصل الاجتماعى فى اليوم الأول من صور للزحام والتكدس أمام البوابات، لكن الأمر لم يستغرق سوى دقيقتين على الأكثر، لوضع الحقيبة على جهاز التفتيش وإظهار تذكرة الدخول على شاشة تليفونى المحمول لأحد الشباب المتطوعين، وبعد نظرة خاطفة إليها أفسح لى الطريق لأبدأ جولتى.
قبل البدء لا يفوتنى سرد تجربة استخدامى للموقع الإلكترونى للمعرض، لحجز التذكرة وتصفح فعاليات البرنامج الثقافى والبحث عن دور النشر؛ وكذلك اتطبيق الموبايلب. بعد إتمام خطوات الحجز ظهرت لى التذكرة سريعًا، خلال ثوان، فحفظتها كصورة على هاتفى، لأنها لم تصل على االواتسابب ولا فى رسالة نصية كما قرأتُ فى الإعلان، وعلمتُ أن الكثيرين مثلى. أما الفعاليات فأخذت تظهر تباعًا يومًا بعد الآخر، وهى افيديوهاتب مسجلة يتم إضافتها حسب موعد كل منها، فى الفئات السبعة (أطفالنا، جولة الفنون، ملتقى الكتب، الثقافة فى بيتك، ديوان الشعراء، لقاء اليوم، سينما تياترو). بينما جاءت خاصية البحث فى دور النشر والكتب فقيرة وغير محدَّثة، ومفتقدة للعديد من الإصدارات الحديثة ودور النشر المصرية والعربية، وحينما حاولتُ استخدام تطبيق الهاتف فيما بعد لنفس الغرض لم يسعفنى، وأخذ يغلق تلقائيًا مع كل محاولة بحث.
أعود إلى جولتى؛ أول ما استرعى انتباهى هى أساور بلاستيكية يتم وضعها فى معاصم الأطفال وكتابة أسماءهم عليها عند البوابة لتسهيل عملية الوصول إلى أهاليهم إذا تاه أحدهم، وعيادات متنقلة مستعّدة لأى حالة طارئة، ومقاعد مغطاة للراحة والانتظار. فضلًا عن التساهل فى الدخول مع كبار السن فيما يخص التذاكر، ومحاولة تسهيل الحركة عليهم بتخصيص عربات نقل بين الصالات مجانًا، لكن لأن نسبتهم ضئيلة هذا العام بالنسبة لزوار المعرض ذ ولذلك عوامل عدة أبرزها ارتفاع درجة الحرارة وانتشار فيروس كورونا ذ فقد كان الغالبية العظمى من مستقلى العربات شبابًا.
تقف القاعات الأربع على رصيفين، وأمام كل منها خريطة كبيرة توضح أماكن دور النشر والمكتبات بالداخل وأرقام الأجنحة، وفى مدخل كل قاعة وُضِع اجيلب تعقيم للأيدى، مع حرص المتطوعين على توجيه التنبيه للزوار بضرورة ارتداء الكمامة والتباعد، خاصة فى قاعة ا1ب التى تشهد الكثافة الأعلى، لدرجة جعلت إدارة المعرض تغلق أبوابها لبعض الوقت والإعلان عن ذلك فى مكبرات الصوت، وتقترب منها قاعة ا2ب فى الكثافة، على عكس القاعتين ا3ب وا4ب اللتان بدا مبناهما شبه فارغًا أحيانًا، وهو ما يطرح تساؤلًا ربما كانت تقتضيه الظروف الراهنة على وجه الخصوص؛ لماذا لم يُعاد توزيع الأجنحة الكبرى ذات الإقبال الأعلى على القاعات الأربع، وهو أمر ذ فى ظنى ذ يسير على إدارة المعرض، أن تعرف ذ بعد 52 دورة ذ الدور التى يقصدها الزوار بشكل أكبر سنويًا.
لا تخلو القاعات من زائر على الأقل بين عشرة؛ حاملًا حقيبة على ظهره أو يجر واحدة اترولىب، والتى أضحت الاختيار الأمثل لمن يتزودون بعدد كبير من الكتب كل عام فى المعرض، خاصة القادمين من خارج مصر أو المحافظات المختلفة، وكلهم فى فئة العشرينيات تقريبًا.
كل ذلك لا يمنعنا من الاعتراف بأن أعداد الزوار ضئيلًا مقارنة بالسنوات الماضية، فضلًا عن أن من يذهب مرة، غالبًا، لا يذهب الثانية، مما تسبب فى ضعف حركة بيع الكتب، والتى لم تبلغ قدرًا يسيرًا مما بلغته حركة بيع الطعام خارج القاعات، فالطوابير التى رأيتها أمام اكاشيرب المطاعم المختلفة لم أجد مثله أمام مسئولى البيع فى الأجنحة، رغم أن جولتى كانت فى يوم يمكن أن نعتبره االذروةب.
معاناة الناشرين أحسَّ بها د.مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، فوجَّه د.إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة لإصدار قرار بزيادة الطاقة الاستيعابية اليومية لزوار هذه الدورة من المعرض لتصل إلى 140 ألف زائرًا يوميًا بما يمثل 70 ٪ من السعة الفعلية للقاعات بدلًا من 100 ألف زائر، وذلك دعمًا للناشرين واستجابة لرغبتهم، بالإضافة إلى زيادة عدد الرحلات اليومية للمدارس والجامعات بنسبة 20%، وفتح حفلات التوقيع على أن يكون الحجز عن طريق مركز مصر للمعارض وبموافقة اتحاد الناشرين بنسخة من الكتاب، بشرط أن يتم ذلك فى المناطق المفتوحة ويُمنع البيع فيها، مع استمرار قرار منع حفلات التوقيع داخل الأجنحة.
لكن؛ على قدر ما فى البيان من إيجابية وأمل، إلا أنه يصيب بالحيرة، مثل بيان وزارة الثقافة الصادر مساء يوم الجمعة الماضى، والذى قرأته فى طريق عودتى، متضمنًا تصريحًا بأن عدد زوار المعرض 90 ألفًا، رغم أن أقصى عدد إجمالى وصل إليه تعداد المعرض على لوحته الإلكترونية ذ خلال ست ساعات قضيتها بداخله ذ كان أقل من 17 ألفًا، ولا أظن أن الزوار يتبدلون على مدار الساعة كما أخبرنى أحد أفراد الأمن، بأن العدد يخص الساعة الأخيرة فقط، وأخبرنى كذلك أن العدّ يكون عن طريق امستشعرب مثبت فى البوابات، أى أن كل مرة أخرج فيها من القاعة ثم أعود إليها يُضاف فردًا جديدًا إلى عدد الزوار.
لا أعلم مدى صحة هذه المعلومات، لكن ما أعلمه جيدًا أن عينى لن تخطأ تلك الآلاف المضاعفة إذا رأتهم، وأننى أملك من القدرة ما يمكننى من مقارنة إقبال العام الحالى مع الأعوام السابقة، وهى بالكاد قد تصل إلى الرُبع، فلمَ إصرار وزارة الثقافة الدائم على المبالغة وتصدير اأرقامب مرتفعة فى كل شىء!
فى النهاية؛ لا يمكن إنكار أن هذه الدورة ستبقى استثنائية، وقد بُذِلت جهودًا كثيرة لإنجاحها، وتضمنت أفكارًا متعددة جعلت من المعرض محفلًا دوليًا حقيقيًا، مما يشير إلى أن القادم ذ بالتأكيد ذ سيكون أفضل.